سياسة

خطوات جديَّة لإحياء الاتِّفاق النَّووي الإيراني تزامنًا مع تراجُع أسعار النَّفط

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


بعد أكثر من عام من المناورات والمشادَّات والتَّهديدات من الانسحاب من مفاوضات فيينا النَّوويَّة، يُشاع في الأيَّام الأخيرة أنَّ احتماليَّة إعادة إحياء الاتِّفاق النَّووي الإيراني والوصول إلى صيغة مُرضية لطرفي النِّزاع، الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وإيران، صارت وشيكة.

فقد أعلن نائب المسؤول عن السِّياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبِّي بعد اجتماعه بفريق التَّفاوض الإيراني نهاية الأسبوع الماضي في فيينا، عن تفاؤله الشَّديد بشأن إمكانيَّة موافقة الجانب الإيراني على المسوَّدة النِّهائيَّة الَّتي تقدَّم بها الاتِّحاد الأوروبِّي، بعد مفاوضات استمرَّت أربعة أيَّام.

وكانت مفاوضات فيينا قد عُلِّقت في مارس الماضي لأسباب تتعلَّق بموقف إيران من العقوبات الأمريكيَّة المفروضة على الضَّامن الرُّوسي بعد غزوه أوكرانيا نهاية فبراير الماضي، حيث من المنتظَر أن ينصَّ الاتِّفاق في صيغته الأخيرة على رفْع العقوبات المفروضة القطاع النَّفطي الإيراني؛ ما يحقِّق رغبة الجانب الأمريكي في زيادة إنتاج النَّفط لتخفيض سعره بعد ارتفاع المطَّرد من جرَّاء عقوباته على روسيا، وفي ذلك ما يضرُّ بمصالح الأخيرة الَّتي ترتبط بإيران بالكثير من الاتِّفاقات الاقتصاديَّة والعسكريَّة. وكانت المفاوضات النَّوويَّة قد انتقلت إلى العاصمة القطريَّة، الدَّوحة، مطلع يوليو الماضي وقُبيل زيارة الرَّئيس الأمريكي إلى المنطقة العربيَّة منتصف الشَّهر ذاته، لكنَّ اجتماع الدَّوحة انتهى دون تحقيق نتائج مبشِّرة، واتُّهم الجانب الإيراني حينها بالتَّعنُّت في فرْض الشُّروط. ومن المفارقات الواجب الانتباه إليها أنَّ المفاوضات النَّوويَّة المتعسِّرة صار من الممكن أن تفضي إلى اتِّفاق نهائي بعد فشل زيارة الرَّئيس الأمريكي إلى المنطقة العربيَّة في تحقيق أهمِّ أهدافها، وهو إقناع المملكة العربيَّة السَّعوديَّة بزيادة إنتاج النَّفط.
الاتِّحاد الأوروبِّي يُعلن قُرب إبرام الاتِّفاق النَّووي
بعد مفاوضات استمرَّت أربعة أيَّام مع بفريق التَّفاوض الإيراني بشأن إعادة إحياء الاتِّفاق النَّووي في العاصمة النَّمساويَّة، فيينا، أكَّد انريكي مورا، نائب المسؤول عن السِّياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبِّي، إمكانيَّة التَّوصُّل إلى صيغة نهائيَّة للاتِّفاق النَّووي مُرضية للطَّرفين، الأمريكي والإيراني، خلال أيَّام قليلة، في تصريح أدلى به إلى صحيفة إيران إنترناشونال الإيرانيَّة.

من جانبه، امتنع عليّ باقري كني، أحد كبار أعضاء فريق التَّفاوض الإيران، عن التَّعليق على تصريحات مورا، وقد تردَّد أنَّ الجانب الإيراني لم يزل يصرُّ على إضافة بنود جديدة وإجراء تعديلات يراها ضروريَّة. على ذلك؛ طالَب دبلوماسيون أوروبيُّون الجانب الإيراني بـ “عدم طرْح مطالب غير واقعيَّة خارج إطار الاتفاق النووي، بما في ذلك قضايا ضمانات الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّريَّة”.


في حين أعلن جوزيب بوريل، منسِّق السِّياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبي، في تغريدة له عبر شبكة تويتر، عن إمكانيَّة إبرام الاتِّفاق في صيغته النِّهائيَّة خلال أسابيع: “ما يمكن التَّفاوض عليه جرى التَّفاوض عليه، وهو الآن في نص نهائي. وعلى الرغم من ذلك، خلف كل قضيَّة فنيَّة وكل فقرة يكمن قرار سياسي لابد من اتِّخاذه في عواصم الدُّول. إذا كانت هذه الإجابات إيجابيَّة، فيمكننا توقيع هذه الاتِّفاقيَّة”. وبرغم تأكيد إيران على أنَّ الصِّيغة الأخيرة لم تزل قيد الدِّراسة وأنَّها قد تضيف إليها “آراء إضافيَّة”، أكَّد مسؤول أوروبِّي بارز على أنَّ النَّصَّ الَّذي اطَّلع عليه الجانب الإيراني لا رجعة فيه، قائلًا “عملنا على مدى أربعة أيَّام وبات النَّصُّ اليوم مطروحًا أمام كبار المندوبين..

انتهت المفاوضات وهذا هو النَّصُّ النِّهائي.. ولن يعاد التَّفاوض عليه”، نقلًا عن موقع France 24. وكانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت على لسان أفيف كوخافي، رئيس أركان جيش الاحتلال، بعد انتهاء زيارة الرَّئيس الأمريكي إلى المنطقة عن إعدادها الجيش لتنفيذ عمليَّة رادعة لضرب المفاعلات النَّوويَّة الإيرانيَّة، وبالطَّبع لم تكن تلك المرَّة الأولى لإصدار تهديد بنفس المعنى، دون تنفيذ فعلي!
تزامُن إبرام الاتِّفاق النَّووي مع تفاقُم الخلاف الأمريكي-السَّعودي بشأن النَّفط برغم تعسُّر مفاوضات الدُّوحة قبل أسابيع من العودة إلى فيينا، أسفر إحياء المفاوضات النَّوويَّة عن تقدُّم كبير إلى حدِّ الإعلان عن إبرام وشيك للاتِّفاق النَّووي، وفي ذلك ما يثير التَّساؤل عن سرِّ التَّقارب الأمريكي-الإيراني بشأن الاتِّفاق النَّووي، بالتَّزامن مع ازدياد توتُّر العلاقات بين السَّعوديَّة والولايات المتَّحدة؛ بسبب إصرار الأخيرة على زيادة إنتاج النَّفط الخليجي، وعدم استجابة دول الخليج لذلك.

فقد جاءت قرارات اجتماع أوبك بلس للدُّول المنتجة للنَّفط الأسبوع الماضي مخيِّبة لآمال الجانب الأمريكي، بأن تقرَّر رفْع الإنتاج إلى ما لا يزيد على 100 ألف برميل يوميًّا، وهو أقلُّ بكثير ممَّا كانت تطمح إليه أمريكا، الَّتي تريد مواجهة تداعيات زيادة أسعار الوقود، وعلى رأسها زيادة التَّضخُّم إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود ورفْع البنوك المركزيَّة أسعار الفائدة بشكل حاد.

وبرغم ذلك الموقف الخليجي الرَّافض لزيادة الإنتاج بشكل سريع بما يخدم مصالح الغرب، فقد تراجَعت أسعار النَّفط إلى أدنى مستوياتها منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في فبراير الماضي، بوصول سعر البرميل إلى ما دون 90 دولارًا، بعد أن تجاوز سعره 120 دولارًا بداية الأزمة، وفي ذلك ما يثير الدَّهشة والتَّساؤل. غير أنَّ التَّبرير الوحيد لذلك هو التخوُّف من عودة الرُّكود بعد عودة نشاط جائحة كوفيد-19، الَّتي عصفت بأسعار النَّفط قبل عامين إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل.
ونتساءل: ما تبرير عودة المفاوضات النَّوويَّة تزامنًا مع فشل زيارة جو بايدن للمنطقة العربيَّة في تحقيق أهمِّ أهدافها؟ وكذلك ما تبرير انخفاض أسعار النَّفط في هذه الآونة لتفقد السَّعوديَّة أهمَّ ورقة ضغْط لديها في صراعها مع إدارة بايدن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى