مقالات

الأوهام لا تصنع أوطانًا!

د. محمود سليمان

أكاديمي سوري، دكتوراة في القانون الدستوري.
عرض مقالات الكاتب

عندما قام غالبية الشعب السوري بثورته المباركة تمثل هدفها الأساسي بإسقاط حكم الفساد والاستبداد، وامتلاك الشعب لإرادته الحرة كي يختار نظامه السياسي والاقتصادي والإداري ويبني دولة المواطنة ،وسيادة القانون ،حيث الجميع متساوون بالحقوق والواجبات دون تمييز أو مزايا لطائفه أو عرق أو مذهب .

رغم كل محاولات تشويه الثورة السورية ، ومطالبها المحقة بالحرية والعدالة والمساواة ، ورغم كل التآمر والخذلان لها من الشقيق والصديق قبل العدو مازال شعبنا الصابر ثابتًا ومستمرًا بتقديم التضحيات الجسيمة لتحقيق حلمه بامتلاك إرادته الحرة .

واهم من يعتقد أن شعبنا الثائر- بفطرته السليمة – يمكن الالتفاف على مطالبه المحقة للوصول لدولة المؤسسات وحكم الاغلبية (الاغلبية السياسية) وليس الأغلبية العرقية أو المذهبية أو الطائفية ،ولن تنطلي عليه طروحات الكثيرين بحجج وذرائع متعددة لمصادرة رأي أغلبية الشعب السوري كما طرحت مسألة الاتفاق على مبادئ فوق دستورية وبشكل مسبق وحتى قبل انتصار الثورة، علماً أن الثابت بالفقه الدستوري لايوجد شيء ولا سلطة أعلى من سلطة الشعب وهو المخول بكتابة دستوره من خلال ممثلين منتخبين ،وهو الوحيد صاحب الشرعية لاختيار نظامه السياسي وممثليه .

الشعب السوري الذي أذهل العالم بتضحياته وإصراره على امتلاك حريته ليس قاصراً ليكون عليه أوصياء يكتبون له دستوره يقيدون فيه وبشكل مسبق ما تريده  وتختاره الاغلبية (الأغلبية السياسية) والتي تتشكل بظروف طبيعية وهادئة بعد إسقاط الحكم الأسدي المجرم.

أعتقد أن ما تريده غالبية الشعب السوري هو بناء دولة المواطنة والمؤسسات ،وسيادة القانون دون إقصاء لأحد أياً كانت مرجعيته الفكرية ،سواء كانت إسلامية أو علمانية  طالما وصولهم للسلطة والادارة من خلال الكفاءة والاختيار بحرية ونزاهة وبشكل سلمي من خلال تيارات وأحزاب تمارس حريتها وحقها ببناء وطنها والفيصل هو صناديق الاقتراع لتحقيق الديمقراطية بشكلها الصحيح والسليم والمعمول فيه بكثير من دول العالم التي حققت تقدم وازدهار وحقوق الإنسان مصانة فيها.

لذلك أيضاً ؛لن تنطلي على غالبية الشعب السوري – وبالذات من قدم التضحيات – أوهام البعض ومحاولة مصادرة حقوقه الدستورية وإقصاء تيار معين أياً كانت مرجعيته الفكرية طالما يقبل وبشكل سلمي الاحتكام إلى المسار الديمقراطي وصناديق الاقتراع .

لا يريد السوريون لدولتهم القادمة بعد إسقاط نظام الطائفة المجرم محاصصة طائفية ،أو عرقية أو مذهبية بذريعة (الفسيفساء والموزايك)السوري بعيداً عن الكفاءة والاستحقاق الذي تقرره الأغلبية السياسية .

بناء الأوطان يتم ضمن آلية واضحة تبدأ أولًا من الشعب بوصفه مصدر السيادة ومصدر السلطات ، والدولة الحديثة تتكون من أرض وشعب ونظام ، ولهذا فالشعب السوري مكون واحد ولا توجد شعوب داخل الدولة الواحدة ، إن الترف الفكري والمراهقة السياسية لن تبني وطنًا ، ولايمكن أن يكون لفئة ما امتيازات على حساب بقية أبناء الشعب السوري ، والشعار دائمًا نعم للحقوق لا للامتيازات .

لقد لعب المرجفون دورًا أسوأ من العملاء ، حيث التخذيل والتخويف والعمل على افتراضات خيالية قبل أن يسقط النظام ، فتارة يسألون عن الدولة إسلامية أم علمانية؟ وأخرى عن فدرلة الدولة بذريعة الأقليات ، وأخرى عن حقوق المرأة وإلى أي قانون تحتكم؟ ، وهكذا عملوا ومازال على تشتيت الرأي العام ، والغاية عدم انتصار الثورة ، وكل ما يثيرونه كان الجواب عليه لنسقط النظام ولنحتكم للصندوق ..

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى