سياسة

شرق الفرات: هل يغير الوعيد التركي خرائط السيطرة؟

وكالات|

فتح الوعيد التركي بشن عملية واسعة النطاق ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمال شرقي من سورية، الباب مجدداً أمام قوات النظام السوري للتمدد أكثر في شرق نهر الفرات وغربه، مستغلاً حالة “الخوف الكردي” من توغل تركي جديد في العمق السوري.

وسمحت “قسد” للنظام بنشر وحدات من قواته على خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية، وذلك بناء على اتفاق عسكري أبرمته مع الروس في أواخر عام 2019 حين تدخل الجيش التركي في منطقة شرقي نهر الفرات.

وعلى الرغم من تجميد أنقرة العملية العسكرية بسبب رفض إقليمي ودولي لأي توسع جديد لأنقرة في شمال سورية، إلا أن المسؤولين الأتراك أكدوا أن ملف العملية العسكرية سيظل مدرجاً على أجندة تركيا إلى حين تبديد مخاوفها المتعلقة بأمنها القومي.

وتعتبر أنقرة “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب الكردية” ثقلها الرئيسي، نسخة سورية من حزب “العمال الكردستاني” المصنف كتنظيم “إرهابي” لديها.

انتشار قوات النظام في الفرات
وخلال الشهرين الأخيرين نشرت قوات النظام وحدات ومليشيات تابعة لها في غرب الفرات في محيط بلدة تل رفعت ومدينة منبج في ريف حلب الشمالي، حيث من المتوقع أن يكون هذا الريف مسرح العملية التركية في حال حصولها.

وذكرت مصادر في المعارضة السورية الشهر الماضي، أنه تم استقدام تعزيزات لقوات النظام تابعة للفرق الثالثة والخامسة والتاسعة و18 والفيلق الخامس.

وتوزعت في محيط تل رفعت، وتحديداً في قرى مرعناز وكفرنايا وأم الحوش والوحشية ومنغ والشبخ عيسى وغيرها. وفي منطقة منبج توزعت هذه التعزيزات، التي تضم دبابات من أنواع مختلفة، في العريمة وأم عدسة وخربة ماضي.
ووفق وسائل إعلام النظام، فإن الأخير جهّز الشهر الماضي ثلاث نقاط عسكرية جديدة في محيط قرية التراوزية بريف الرقة الشمالي، على طريق “أم 4” الدولي (حلب ـ اللاذقية) بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، وبالتفاهم مع “قسد”.

كما سمح التفاهم العسكري بين روسيا و”قسد” لقوات النظام بالانتشار على طول خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية في شرق الفرات.

ويتركز الانتشار في محيط مدينة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي منطقة عين عيسى القريبة من مدينة تل أبيض على الحدود السورية التركية، والتي سيطر عليها الجيش التركي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، مع مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.

وأكد المتحدث الرسمي باسم “قسد” أرام حنا في حديث مع “العربي الجديد”، أن تعزيزات قوات النظام “تشمل إدخال السلاح النوعي والمدفعية الثقيلة والدبابات، بالشكل الذي يضمن رفع قدراتنا الدفاعية ودعم مقاومة مجالسنا العسكرية المحلية، المنتشرة على طول خط التماس والشريط الحدودي”.

وكان اتفاق عام 2019 بين “قسد” والروس سمح للنظام بتجميع وحداته في مطار الطبقة العسكري، غربي مدينة الرقة بنحو 50 كيلومتراً، ومن ثم نقلها بحافلات عبر مدينة الطبقة إلى نقطة تمركز في بلدة عين عيسى، قبل نشرها لاحقاً على خطوط التماس في ريفي الرقة والحسكة وعلى طول الحدود السورية التركية، شرقي الفرات.
وكان الوجود العسكري للنظام قبل أكتوبر 2019 محدوداً ومحصوراً في المربعين الأمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، عبر “الفوج 123″ (فوج كوكب) قرب الحسكة، و”الفوج 154” (فوج طرطب) قرب مدينة القامشلي.

وفتحت العملية العسكرية التركية (نبع السلام) في أكتوبر 2019 الباب أمام قوات النظام والقوات الروسية للتوغل أكثر في المنطقة، بناء على تفاهم عسكري بين “قسد” والجانب الروسي لإيقاف العملية العسكرية التركية. مع العلم أنه لم يكن للروس قبل عام 2019 أي حضور عسكري في شرق الفرات، إلا أن العملية التركية حينذاك سمحت لموسكو بإنشاء قاعدة كبيرة في مطار القامشلي.

كما تجوب دوريات روسية تركية مشتركة داخل الأراضي السوري بعمق 5 كيلومترات في منطقة عين العرب وفي ريف الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، للتأكد من عدم وجود أي عناصر لـ”قسد”.

وبعد ثلاث سنوات من الاتفاق، تجدد التهديد التركي بشن عملية أخرى ضد “قسد”، التي وجدت نفسها مضطرة مرة أخرى للاستعانة بالنظام والروس، على الرغم من المخاطر الكبيرة من تعزيز النظام لقواته في قلب مناطق سيطرتها.

ومارس النظام والجانب الروسي أخيراً ضغوطاً على “قسد” لتسليم مناطق بشكل كامل للنظام، خصوصاً في غرب الفرات، إلا أن هذه القوات رفضت ذلك، وسمحت لقوات النظام بتعزيز وجودها وجلب أسلحة ثقيلة للتصدي للهجوم التركي.

وتتخوف “قسد” من استغلال النظام التهديد التركي لتجريدها من بعض أوراق القوة، لتمهيد الطريق أمام دفعها لتقديم تنازلات، ربما تصل إلى تسليم مناطق سيطرتها من دون مقابل.
وفي هذا السياق، يرى الباحث السياسي المتابع لملف “شرقي الفرات” في مركز “جسور” للدراسات، أنس الشواخ، في حديث مع “العربي الجديد” أن “تعزيزات النظام في مناطق سيطرة قسد، تأتي لكسب أوراق إضافية خلال التفاوض معها والضغط عليها مستقبلاً”.

ويشير إلى أن التعزيزات التي استقدمها النظام أخيراً إلى مناطق سيطرة “قسد” بناء على تفاهمات “شبيهة بتلك التي أعقبت عملية نبع السلام في عام 2019″، مضيفاً إن “استقرار هذه القوات غير مرتبط بوجود خطر العمل العسكري التركي”.

ويعرب الشواخ عن اعتقاده أن “تأجيل العملية العسكرية أو عدم إعلان موعد محدد لها لا يعني إلغاءها”، مشدّداً على أن “لدى أنقرة دافعا واضحا وهو حماية أمنها القومي”.
تركيا وتغيير خرائط السيطرة
من جهته، يعتبر الباحث السياسي فريد سعدون في حديث مع “العربي الجديد” أن “أي اتفاق بين قسد والنظام السوري يجب أن يمرّ عبر القنوات الأميركية”. ويشير إلى أنه “طالما القوات الأميركية موجودة في شرق الفرات، لا يستطيع أي طرف تغيير خريطة السيطرة الميدانية. هذا أمر مرهون باتفاقات دولية”.

ويؤكد أن “الاتفاقات الجزئية التي تحدث لا تغيّر كثيراً من قواعد اللعبة، وخرائط السيطرة”، مضيفاً: “إذا أرادت واشنطن أمراً تنفذه بالقوة، وإذا شعرت بأن انتشار قوات النظام السوري يشكّل خطراً عليها أو على المناطق التي تسيطر عليها قسد، فلن تقبل بذلك أبداً”.

ويرى سعدون أن “التعزيزات التي استقدمها النظام أخيراً هدفها المعلن مواجهة التهديد التركي”، مضيفاً أن “أي تدخل عسكري تركي ليس من مصلحة اللاعبين الرئيسيين في سورية. وهذه التعزيزات لا تعدو كونها مواجهة للتهديد التركي لا أكثر”.

وتسيطر “قسد” التي تتلقى دعماً أميركياً، على مناطق شرقي الفرات وغربه، وهي مساحة تبلغ نحو ثلث مساحة سورية. وتريد هذه القوات اعترافاً من النظام بها وبـ”الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي من سورية، وهو ما يرفضه النظام، ما يجعل مصير هذه المناطق التي تضم ثروات سورية الرئيسية معلقاً من دون حسم.

المصدر: صحيفة العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى