مقالات

السياسات الدولية ليست “كريتاس” خيرية

مرهف الزعبي

ناشط سوري
عرض مقالات الكاتب


إنَّ السياسة الدولية تقوم على اتباع سياسة القوة، وتبادل المصالح عند المتعادلين في ميزانها. فالاستمرارية، والبقاء يكون للأقوى. والضعيف لا مكان له، ولا اعتبار في العلاقات، والسياسات الدولية. فلا يوجد شيء في هذه الأخيرة مبني على القيم، والأخلاق، والإنسانية، والعدالة، والمساوة. إنما يُبنى لتحقيق المصالح، والأطماع الاستعمارية على دماء، وجماجم ملايين البشر دون أي رادع، أو وازع ديني، أو أخلاقي، أو أخوي. وما اتفاقيات حقوق الإنسان، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وحقوق الطفل وما يتفرع عنهما من حقوق التعليم، والطبابة، وغيرهما من الحقوق، إضافة إلى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين في العالم التي وردت في ديباجة المنظمة الأممية سوى شعارات مدونة في قراطيس النسيان. في حين تعجُّ أكثر من منطقة في العالم في صراعات بينية، ونزاعات داخلية، وحروبٍ أهلية دون أن تستند الحلول الدولية على الإنصاف، والعدل، وإعادة الحقوق لأصحابها، أو إنهائها بالطرق السلمية، والمساعي الحميدة لأمين عام منظمة الأمم المتحدة. إنما يتم حل الأزمات، والنزاعات، والصراعات بتبادل مصالح الأقوياء على حساب تضحيات الشعوب المنكوبة التي فقدت أوطانها، وممتلكاتها، وتقاسمت ثرواتها القوى الكبرى.
ومن مراجعة بسيطة للأحداث التي اعترت مسار الثورة السورية، والتصريحات التي يدلي بها اللاعبون في ملفها، والأوصياء عليها بصفاتهم الاعتبارية، وتنتهي بمخرجات تبادل مصالح الدول الممسكة بملف الثورة السورية على حساب دماء السوريين، وعذاباتهم، وتضحيات ثوارهم بغياب أي ممثل حقيقي للثورة؛ تظهر للشعب السوري الحر مدى التآمر العالمي على ثورته، وتمزيق سوريته، وصوملتها، وبلقنتها عن طريق هؤلاء جميعاً. بالإضافة إلى ترابط العلاقات الإقليمية، والدولية، وعلاقاتها الوطيدة مع حكم أسد. ضاربين عرض الحائط المعاهدات، والبوتوكولات، والاتفاقيات، والقوانين الدولية التي وقعت عليها معظم دول العالم وأهمها حق تقرير المصير، والحد من الحروب، وحلِّ الصراعات بالطرق السلمية قبل أن تتفاقم وتزعزع أمن المنطقة، واستقرارها.
بالمقابل يوقن السوريون بعد أكثر من عشرة أعوام من الصراع مع حكم أسد الشمولي، ومع الجيوش الأجنبية التي قامت باحتلال سورية، وتثبيت حكم بشار من جديد خذلان ما يُسمى ’’ بأصدقاء الشعب السوري’’ لثورتهم، والمتاجرة بقضيتهم، وإخراجهم خارج الساحة الثورية. ويرى هؤلاء بأنَّ الحل الأوحد للخروج من هذه المعتركات هو التفاف الحاضن الثوري حول نخبه الحقيقية التي لم تتاجر بقضاياه، وحافظت على مكتسباته التي حققها الثوار، وفك جميع الارتباطات بأي جهوي كان، وتغليب مصلحة الثورة على حساب مصالح دول، وأجهزة مخابرات، وعدم ربط تحرير سورية، وإسقاط حكم عائلة أسد بأي جهة إقليمية، أو دولية، بالإضافة إلى رسم خطط تطيح بكل الكوارث التي كبلت الثورة السورية، ولا تزال. معتمدين في أنشطتهم على اقتصاد الموجة الثالثة. حفاظاً على أرواح نخبهم، جاعلين الهدف الأول، والأسمى هو التحرير، وإعادة النازحين، والمهجرين إلى مدنهم، وقراهم، وممتلكاتهم. مبتعدين عن المؤتمرات التي لا تتعدى سوى أن تكون حلولا استسلامية، ومخدِّرة تخديرا موضعيا لا أكثر في أحسن أحوالها، ونجاحاتها.
فكم أسقطت ثورة الحرية، والكرامة من أقنعة عربية، ومتوسطية، وشرق أوسطية كانت تدَّعي الوقوف إلى جانبنا، ومناصرة لقضيتنا، وثورتنا، وهي تخطط لتحقيق مصالحها في الأقبية المظلمة مجنِّدةً مرتزقة، وأجراء للتضليل، والدفاع عن التخاذل، وتبرير الهزائم، وتسليم المناطق للميلشيات الإيرانية، وقوات الاحتلال الروسي بأعذار أقبح من ذنوب. متناسيةً بأنها ساعدت أعداء الثورة باحتلال سورية، وتهجير شعبها، وتغيير بنيتها الديمغرافية. فأظهرت حقيقة من أمسك بملف الثورة، وكبَّل أنشطتها، وأوقف معاركها عبر اتفاقيات، ومعاهدات طعنت الثوار بخاصرتهم، فظهرت هشاشة، وغش العلاقة بين ما يُسمى أصدقاء الشعب السوري مع هذا الأخير نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى