منوعات

“مخيم الركبان” عندما يغيب الوجدان

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

مخيم الركبان وما يجري فيه من موت بطيء ومع الوقت يتسارع انتشارالموت فيه كلما جاء الصيف وهبّت رياح سمومه، وربما مادفع من أبطأ في إنقاذ نزلائه من الموت- الذي يعانونه- القاعدة التي عمل عليها المبطئون” من استعجل أخطأ أو كاد يخطىء، ومن تأنّى أصاب أو كاد يصيب!

مخيم الركبان أرض صحراوية حدودية قاحلة تقع ضمن محافظة المفرق في أقصى شمال شرق الأردن ضمن المثلث الحدودي السوري العراقي وهو أحد المخيمات التي أنشئت للسوريين الفارين من النظام وبطشه، والذي أصبح للمعتقل أقرب منه إلى مخيم، وربما المعاناة فيه جعلت غوانتانامو منه أرحم.

نداءات استغاثة أطلقها ناشطون سوريون وجهات حقوقية لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في عمان، وللحكومة الأردنية، ولمنظمات الإغاثة الدولية بالتحرك العاجل وذلك لإدخال مياه الشرب لسكان مخيم الركبان، وقد تصدر هاشتاغ “أنقذوا مخيم الركبان” حسابات السوريين والمتضامنين معهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

التضييق على النازحين السوريين في المخيم من قلة وندرة أسباب الحياة، ومحاربة سكانه بمياه الشرب وبقية المواد الغذائية والطبية للنازحين فيه والبالغ عددهم نحو عشرة آلاف نازح غالبيتهم الغالبة من النساء والأطفال والشيوخ، يأتي هذا التضييق ضمن الحملة الممنهجة والمدروسة لجهات كثيرة منها النظام والأردن وحتى الأمم المتحدة، وذلك بهدف إرغامهم على العودة إلى مناطق النظام مع ما يمثله ذلك لنزلاء المخيم من اختفاء قسري، ولاعتقال تعسفي، والتعذيب والتجنيد لصالح النظام، وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان كثير من هذه الحالات ممن عاد من أبناء المخيم إلى مناطق النظام.

فمع دخول الصيف وقيظه بدأ انخفاض كمية ماء الشرب التي يتم إدخالها من الأردن إلى المخيم لتنخفض إلى النصف في ظل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق ومعه بدأ بتهديد حياة سكان المخيم وعلى وجه الخصوص الأطفال والنساء والشيوخ.

منع النظام سكان المخيم من الخروج منه وحصاره له منذ سنين جعل من سكان المخيم للرهائن أقرب، رهائن عند النظام بمساعدة من أطرافًا أخرى يضيّقون عليهم أسباب العيش في ظل غياب مقومات الحياة متمثلًا بماء الشرب وغياب أبسط حق من الحقوق التي ينادي بهاالمجتمع الدولي والمنظمات الدوليةلحقوق الإنسان.

بالأمس-ومادمنا بصدد الحديث عن المخيمات- كنا أمام ردود الأفعال الكبيرة والواسعة الذي أحدثه فيلم الخيمة ٥٦ والذي ناقش وسلط أضواء قوس قزح كلها على الصعوبات التي تعترض خلوة الزوج بزوجته في مخيمات النازحين واللاجئين والطريقة المبتكرة التي تفتقت بأذهان منتجو الفيلم وصناعه بابتكار خيمة أطلق عليها الخيمة ٥٦ للأزواج الذين يعانون من تأمين فراش الزوجية في خيمهم، فقد نسي منتجو الفيلم فيلم الخيمة ٥٦ مخيمات الركبان والهول وجميع مخيمات السوريين وما يجري فيهم من فظائع وحرمان من ماء وكهرباء وغذاء ودواء وانتهاكات لأبسط مبسطات حقوق الإنسان واتجهوا إلى إنتاج فيلم يحكي كيف يمكن لهم أن يؤمّنوا للزوجين فراشا للزوجية بطريقة فجة سوقية مبتذلة رخيصة ونسوا قضايا الموت التي تعصف بالمخيمات كقضايا الموت الذي تعصف بمخيم الركبان.

العنوان الذي ربما يناسب من صنع الخيمة ٥٦ وأشاح بوجهه عما يجري للسوريين في مخيماتهم ولا سيما مخيم الركبان وسواه يناسب من أنتج الفيلم وأغمض عينيه غما يجري من كوارث بحق الإنسان في أماكن أخرى قول المتنبي:
“وتعظم في عين الصغير صغارها”

فكاتبة الفيلم أرملة الممثل نضال سيجري مِثلُها لا يعاني ما تعانيه الزوجة من غياب الزوج، ومخرجه سيف الشيخ نجيب الذي نشأ وترعرع على أجواء الرقص، فقد شرب الرقص قبل أن يشرب من حليب والدته الراقصة في فرقة” أمية” خديجة العبد، أمثال هؤلاء بالتأكيد لا يقع ضمن دائرة اهتماماتهم أن يناقشوا وجع وألم وقهر السوري سواء في مدنه أو في مخيماته فقضايا الموت، وما يحدث في مخيم الركبان من موت وجوع وقهر وعطش لا يرونها أبدا ما يرونه فقط القضايا السخيفة ومايحدث في الخيمة ٥٦ لأنها تحكي عن السوريين الذين خرجوا على نظام سيدهم وربما تبرعوا تبرعا بالإساءة إليهم بأن ُسمح لهم أن يسلطوا الضوء عليه، أما المزة ٨٦ وعش الورور وبقية الأوكار فهذه لا تراها أعين الصغار أو ربما تراها أعينهم ولكن لا يملكون الجرأة بالإشارة مجرد الإشارة إليها ولا شك أن هؤلاء ممن عمل بالقاعدة التي تقول من استعجل أخطأ أو كاد يخطىء ومن تأنى أصاب أو كاد يصيب، فهذا هو الوجدان عندهم الذي يختفي في الركبان ويظهر في غيره حسب المصلحة ومقتضياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى