منوعات

حين يعتذر عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر عن إهانته للسيد المسيح ، تصحيح مفاهيم!

د. هشام البواب

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

خرج قبل أيام الدكتور مبروك عطية في تسجيل مرئي، يرد فيه على تسجيل قديم للإعلامي إبراهيم عيسى وما ذكره هذا الأخير بخصوص «عِظة الجبل» المنسوبة لنبي الله المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام، والتي تُشكل ثلاث فصول كاملة من إنجيل «متى»، فتفوه الدكتور مبروك، وهو عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج – أحد أفرع جامعة الأزهر المصرية –، بكلمات لا تجوز بحالٍ بحق نبي من أنبياء الله، حيث استهزأ من عبارة “السيد المسيح”.

الدكتور مبروك اعتذر لاحقا عما اعتبره “سبق اللسان”، ومن ثم ما كنت لأكتب هذه الأسطر، لو اكتفى بالاعتذار إجمالا، فالخطأ يقع من كل إنسان، ومن تراجع عن خطئه يزول عنه اللوم.

https://www.youtube.com/watch?v=xVxu_VHsxqs

لكن الذي استوجب هذه المقالة، هو بعض تفاصيل اعتذاره المخالفة للشرع، حتى لا تشيع مفاهيم مغلوطة بين الناس، لأن مثله يأخذ عنه الناس ويتعلمون منه (بِحُكْمِه عميد كلية الدراسات الإسلامية وله حضور إعلامي واسع).

الدكتور مبروك عطية قدم الاعتذار حصرا للنصارى وكرر اعتذاره لهم عدة مرات، وذَكَّرهم بـ “مِنَحٍ” خصهم بها هو شخصيا، حيث قال: [أنا من أفتيت أن يحصل مساكين النصارى على “علبة” (وجبة إفطار) رمضان، وأنا من أفتيت أن نتعامل مع “إخواننا” النصارى معاملة المسلم للمسلم. … لا يريحني أن يغضب علي نصراني، …] (ا.هـ).

وفيما يلي النقاط التي تستوجب التصحيح والبيان:

أولا، في زلةٍ مثل المذكورة أعلاه، يكون فيها “الاعتذار” عبارة عن استغفار وتوبة علنية لله، مادام الخطأ صدر في العلن، وليس اعتذارا للناس، لأن الاستهزاء كان بحق رسول الله، ولأن المسألة متعلقة بالإيمان والكفر، فالكفر بأي نبي من أنبياء الله أو رسول من رسله، أو الاستهزاء بأحد منهم (ولو من باب المزاح)، يُخْرِج المسلم من ملة الإسلام حتى لو آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (سورة البقرة)، {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (سورة البقرة)، {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (سورة التوبة).

ثانيا، إن كان ولابد من الاعتذار للناس، فالمسلمون أولى أن يعتذر لهم الدكتور مبروك، أو على الأقل يعتذر للمسلمين والنصارى على السواء، إذ المسلمون أولى بعيسى وبكل أنبياء الله من أهل الكتاب، عن أبي هريرة قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» (صحيح البخاري).

ثالثا، فتوى الدكتور مبروك بإعطاء وجبات الإفطار في رمضان للمساكين من النصارى باطلة، لأن المسلمين الذين تصدقوا بوجبات الإفطار، صدقتهم كانت خاصة لإفطار المسلم الصائم في رمضان لنيل التواب على ذلك، قال رسول الله: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» (سنن الترمذي). فلا يصح لأحد التصرف في صدقة “خاصة” على غير الوجه الذي حدده أصحابها المتصدقون. وما عدا ذلك من الصدقات (غير الخاصة)، فتُعطى لكل مسكين أو فقير، بغض النظر عن ملته أو ديانته، ويجوز حث الناس على التصدق على المحتاجين من غير المسلمين خصوصا إذا لوحظ تقصير تجاههم أو تمييزا، فمن الواجب على المسلمين رعاية المحتاجين مسلمين وكفار على السواء.

رابعا، قول الدكتور مبروك بوجوب التعامل مع النصارى معاملة المسلم للمسلم، قول باطل شرعا، إذ هناك أحكام شرعها الله (حقوق وواجبات) خاصة بالمسلمين، وأخرى خاصة بأهل الكتاب، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • الزكاة فرض على المسلم وليس على الكافر، وعلى الكافر دفع الجزية
  • الكافر لا يجوز له تزوج المسلمة، والمسلم يجوز له الزواج من المحصنات من أهل الكتاب، ولا تجوز له المشركة كالمجوسية والبوذية الخ.
  • الكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر
  • الترحم والاستغفار لا يكون إلا للمسلم
  • المناصب المتعلقة بالحكم (كالخليفة، وأمراء الولايات، الخ) والقضاء لا تكون إلا لمسلم.
  • القتال للدفاع عن البلاد واجب على المسلم، لكن ليس على الكافر. والمسلمون فرض عليهم القتال وخوض الحرب للدفاع عن أهل الذمة (كفار يعيشون تحت سلطان دولة الإسلام) وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم.
  • أهل الكتاب لهم قوانينهم الخاصة بالعبادات والنكاح والأطعمة والأشربة، فتُحمى دور عبادتهم وتُوَقَّر الخ. فأهل الكتاب يحل لهم حسب دياناتهم ما لا يحل للمسلم

واجب البر بالكفار غير المحاربين والقسط إليهم، يكون ضمن الأحكام الشرعية، وليس بإلغاء ما خص به الله المسلم أو الكافر: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة الممتحنة).

خامسا، الدكتور مبروك همه الأكبر أن يغضب عليه نصرانيا، وهذا قول غريب لا يجوز أن يصدر من عامي، فما بالك بأستاذ جامعي وعميد كلية الدراسات الإسلامية! فالغاية إرضاء الله وليس البشر، ولن يستطيع أي إنسان في الدنيا إرضاء كل الناس، بل ولا أغلبهم. فمن كان همه إرضاء الناس، فسيُسخط عليه الله لا محالة، لأن أهواء الناس تتعارض في الغالب مع شرع الله، وسيضطر لتحريف الشرع حتى يُرضي الناس، وهذا ما فعله فعلا الدكتور مبروك عطية لإرضاء النصارى، وما يفعله علماء السلاطين ليرضوا حكامهم ودول الغرب. روى الترمذي أن معاوية كتب إلى أم المؤمنين عائشة: أنِ اكتُبي لي كتابًا توصيني فيه، ولا تُكثري عليَّ. فكتبتْ إليه: [سلامٌ عليك، أما بعد، فإني سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ»، وسلام عليك] (الحديث فيه اختلاف بين أهل العلم، هل هو مرفوع للرسول، أم من قول عائشة رضي الله عنها). وقال الله سبحانه: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (سورة التوبة).

الدكتور مبروك عطية لم يعتذر للمنقبات اللواتي أهانهن شخصيا وحرض ضدهن الدولة والأزهر

أود الإشارة الى أن الدكتور مبروك عطية الذي خرج يتوسل النصارى ويعتذر إليهم اعتذارا مغلظا، مع أنه لم يهن النصارى وإنما رسولا من رسل الله الذي يؤمن به المسلمون قبل النصارى (بل النصارى لا يؤمنون به، لأنهم يؤلهونه، وعيسى لم يدعي أنه ابن الله)، لكنه (أي الدكتور مبروك) لما خرج في 22 محرم 1440هـ (01 أكتوبر 2018م) في لقاء مصور على أحد الفضائيات والذي شاهده ملايين الناس، يهين فيه مباشرة وشخصيا المنقبات ويحرض ضدهن الدولة وجامعة الأزهر، ويدعوا لطردهم من وظائفهم، لم يعتذر من المنقبات وآبائهن وأزواجهن وأبنائهن وإخوانهن، ولم يتوسل إليهن  ويخفض لهن جناح الذل كما فعل مع النصارى، والأصل في المؤمن أن يظهر رقه ورحمته بالمؤمنين، ويكون شديدا وغليظا من الكافرين المحاربين للمسلمين ومع الفاسقين والظالمين، يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة).

فمما قاله عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية الأزهرية (الدكتور مبروك عطية) حرفيا عن المنقبات:

  • أنا أحزن كلما أرى النساء المنقبات، وخصوصا “عندي” (يقصد في الكلية التي هو عميدها).
  • أنا عميد كلية يعمل تحت مني 200 دكتور و50 معيدة ومدرس مساعد، أنا أقول لهم لا أحد يجرؤ على قولها لهن في الكون إلا أنا: أنا في قمة الحزن لما أراكن بالنقاب وأنتن موظفات في جامعة الأزهر، ودرستن في الأزهر، والأزهر هو يعطيكم اللقمة التي تأكلنها والملابس التي ترتدنها. وهذا الأزهر لا يقول البسن النقاب ولا يُعَلِّم العيال النقاب، ولا عندنا كلمة نقاب. لو عندكِ دين، اتركي الأزهر وتنقبي خارجه. ما دمت مقتنعة بأن النقاب من الإسلام، لماذا تسترزقي لقمة عيشك من جامعة الأزهر الذي تقول ليس هناك نقاب في الإسلام؟
  • المرأة المنتقبة راجل، ليس فيها رائحة أنوثة (يقصد هنا أنها منتقبة للتغطية على قُبح وجهها).

وقد رددت حينها على الدكتور مبروك في مقال مفصل تحت عنوان«عميد كلية دراسات إسلامية في الأزهر».. يضيق صدره للنقاب لكن ليس للتبرج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى