تقارير

ترقُّب لموقف السَّعوديَّة من زيادة إنتاج النَّفط بعد تهديد وليِّ العهد بمصير صدَّام

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

اتَّخذت الضُّغوط الغربيَّة على المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، أكبر منتج للنَّفط في منطقة الخليج العربي، لزيادة إنتاج النَّفط منحى جديدًا، بعد إقدام إحدى الصُّحف البريطانيَّة الكبرى على التَّشهير بالأمير محمَّد بن سلمان، وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة الغنيَّة بالنَّفط، بل وتهديده بشكل مبطَّن بمصير الرَّئيس العراقي الأسبق، صدَّام حسين، في حال احتفظ بموقفه الرَّافض لزيادة إنتاج النَّفط استجابة للرَّغبة الأمريكيَّة. فقد نشرت صحيفة ذي إيكونوميست الأسبوعيَّة مقالًا تحت عنوان ” MBS: despot in the desert”، أو محمَّد بن سلمان: مستبدٌّ في الصَّحراء، تعرَّض كاتبه، ويُدعي نيكولاس بيلهام وهو مراسل الصَّحيفة في المنطقة العربيَّة، إلى أدقِّ تفاصيل حياة وليِّ العهد الشَّاب، واصفًا إيَّاه بـ “المتقلِّب” والمنبوذ، ومثيرًا التَّساؤلات حول مستقبل المملكة تحت حُكمه و “عمَّا سيفعل مستقبلًا”. كما هو ثابت، لم تسفر زيارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المنطقة العربيَّة منتصف يوليو الماضي عن تقدُّم مُرضٍ للإدارة الأمريكيَّة بشأن زيادة إنتاج النَّفط، سعيًا إلى تخفيض أسعاره وسدِّ الحاجة الَّتي أحدثتها العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا فبراير الماضي بحظر تسويق نفطها في أوروبَّا. ويأتي مقال ذي إيكونوميست قبل أيَّام قليلة من مشاركة السَّعوديَّة في اجتماع أوبك+ للدُّول المنتجة للنَّفط، ومن بينها روسيا، سبب الأزمة النَّفطيَّة وحليف المملكة الجديد بعد توتُّر علاقاتها التَّاريخيَّة بأمريكا، في 3 أغسطس الجاري. وكانت إدارة بايدن تعقد أملًا كبيرًا على تدخُّل المملكة لإقناع الدُّول المصدِّرة للنَّفط بضرورة زيادة الإنتاج، قبل أن يصدر مقال الصَّحيفة البريطانيَّة المسيَّس بهدف الضَّغط على إدارة محمَّد بن سلمان، وكأنَّما الرِّسالة هي التَّهديد بشنِّ حملة تشهيريَّة تلوِّث سمعة وليِّ العهد السَّعودي الشَّاب، إن لم يستجب لإملاءات الغرب بزعامة أمريكا!

إساءة متعمَّدة لوليِّ عهد السَّعوديَّة

صورة مقال ذي إيكونوميست: “محمَّد بن سلمان: مستبدٌّ في الصَّحراء”

يستهلُّ نيكولاس بيلهام مقاله المثير للجدل بالإشارة إلى تعرُّض الأمير محمَّد بن سلمان إلى النَّبذ من أقرانه في سنوات الدِّراسة، في مقابل تمتُّع الكثير من أبناء عمومته من أمراء آل سعود، الَّذين يتجاوز عددهم 15 ألفًا، ووصل الأمير إلى إطلاق مسمَّى “صدَّام الصَّغير” على وليِّ العهد الطَّموح في طفولته. في محاولة لإثبات تدنِّي ابن سلمان في المرتبة عن سائر أمراء العائلة المالكة، وعلى رأسهم إخوته غير الأشقَّاء، وعدم تؤهُّله من الأصل للصُّعود إلى منصب وليِّ عهد أكبر منتج عربي للنَّفط، يذكر الكاتب أنَّ إخوته غير الأشقَّاء الأكبر سنًّا، وهم أبناء “امرأة متعلّمة من عائلة حضريَّة من النُّخبة”، كانوا يطلقون عليه “ابن البدويَّة”، في إشارة إلى الأصل المتواضع لوالدته، مضيفًا أنَّه تلقَّى تعليمه في داخل المملكة، بينما تخرَّج إخوته وأبناء عمومته من كبرى الجامعات الغربيَّة. عُرف عن ابن سلمان عداؤه للتَّيَّار الإسلامي، الَّذي يتبلور في اعتقال العشرات من كبار علماء الإسلام في المملكة، الَّتي شهدت منذ تولِّيه منصبه في يونيو 2017م انفتاحًا كبيرًا على الثَّقافة الغربيَّة، من حيث السَّماح بالاختلاط وإقامة الحفلات والمهرجانات ومنْح المرأة حريَّات غير مسبوقة في التَّبرُّج والمشاركة في الحياة العامَّة. غير أنَّ ذلك لا يمنع اتِّصاف الأمير بالطَّيش و “الاضطراب” والافتقار إلى الخبرة السِّياسيَّة، حيث يستمدُّ سياساته من لعبة الفيديو ” Call Of Duty”، على حدِّ قول بيلهام الَّذي يرى أنَّ “تبنِّي ثقافة المستهلك الغربي لا يعني تبنِّي القيم الدِّيمقراطيَّة الغربيَّة”.

تهديد ابن سلمان ضمنيًّا بمصير صدَّام حسين

بعد التَّراجع الكبير في صادرات النَّفط منذ بداية أزمة جائحة كورونا مطلع عام 2020م وحتَّى نهاية العام التَّالي، استعادت السَّعوديَّة نشاطها السَّابق في إنتاج النَّفط بفضل حرب روسيا وأوكرانيا، وما أسفرت عنه من زيادة في أسعار الوقود. انتهز وليِّ العهد الشَّاب الفرصة في ردِّ الصَّفعة لإدارة بايدن، الَّتي حاصرته بانتقاداتها اللاذعة وبتهديدها تحويل بلاده إلى دولة منبوذة، برفض الوساطة البريطانيَّة في مارس الماضي لزيادة إنتاج النَّفط، ويعلِّق الكاتب البريطاني على ذلك بقوله “بالنِّسبة لمحمد بن سلمان؛ هذه لحظة انتصار، وقد كادت رحلته من هامش الصُّورة إلى قلب القوة أن تكتمل، ومن المحتمل أن يكون ملكًا لعقود. وخلال ذلك الوقت؛ ستكون هناك حاجة إلى نفط بلاده لتلبية طلب العالم الدائم على الطَّاقة”. وفي ذلك الموقف ما يثير مخاوف الغرب من تحوُّل محمَّد بن سلمان إلى ديكتاتور عربي جديد يجرؤ على تهديد الهيمنة الغربيَّة على الاقتصاد العالمي بتحكُّمه في إنتاج النَّفط، تمامًا مثل صدَّام حسين، الَّذي أراد الامتناع عن التَّعامل بالدُّولار الأمريكي في تسويق النَّفط العراقي واستبداله باليورو، وهو ما هدَّد به ابن سلمان لمَّا أعلن دراسة تسويق النَّفط بالعملة السَّعوديَّة المحليَّة، أو باليوان الصِّيني في تعاملاته النَّفط مع الصِّين، أكبر مستورد للنَّفط السَّعودي. وفي محاولة للتَّحريض على إزاحة ابن سلمان من المشهد واستبداله بأمير آخر أكثر تجاوبًا مع المصالح الغربيَّة، يذكِّر كاتب المقال بالسَّيطرة الَّتي فرضها الأمير الشَّاب على كافَّة أمراء آل سعود ومصادرته حصصًا كبيرة من ثرواتهم وإبعادهم بالكامل عن دائرة صُنع القرار.

ترقُّب موقف السَّعوديَّة في اجتماع أوبك+ من زيادة إنتاج النَّفط

كما سبق القول، تعوِّل إدارة بايدن كثيرًا على وساطة السَّعوديَّة لدفع الدُّول المصدِّرة للنَّفط في اجتماع أوبك+ المقبل لزيادة الإنتاج. وكانت المملكة قد أعلنت رسميًا بُعيد زيارة بايدن الشَّهر الماضي أنَّ قرار زيادة الإنتاج ليس في أيديها، إنَّما هو يخصُّ كافَّة الدُّول المعنيَّة. فكما نشر موقع العربيَّة السَّعودي في 17 يوليو الماضي، صرَّح عادل الجبير، وزير الدولة للشُّؤون الخارجيَّة: بقوله “يتعلق الأمر بسياسة المملكة الطَّويلة الأمد المتمثِّلة في العمل على ضمان وجود إمدادات كافية من النَّفط الخام في الأسواق ونتابع حالة العرض والطَّلب بعناية شديدة. إذا كان هناك نقص محتمل، فإنَّنا نعمل على زيادة إنتاج النَّفط الخام من خلال ومع شركائنا في أوبك وشركائنا في أوبك+”. في حين نشرت وكالة رويترز الإخباريَّة، نقلًا عن قناة فوكس بزنس نيوز، ما يفيد بثقة إدارة بايدن من دفْع السَّعوديَّة أعضاء أوبك+ إلى زيادة الإنتاج النَّفطي، استنادًا إلى وعْد شخصي تلقَّاه الرَّئيس الأمريكي بنفسه من العاهل السَّعودي، الملِك سلمان بن عبد العزيز، خلال لقائه به في 16 يوليو الماضي، وهو ما نفاه وزير الخارجيَّة السَّعودي!

ونتساءل: ما الهدف من تشهير إحدى كبرى الصًّحف السِّياسيَّة الغربيَّة بوليِّ العهد السَّعودي ووصفه بالرُّعونة والطَّيش والاضطراب النَّفسي وانعدام الكفاءة السِّياسيَّة والتَّذكير بتوتُّر علاقاته بأفراد العائلة الحاكمة؟ وكيف ستتعامل إدارة ابن سلمان مع الضُّغوط الغربيَّة مع تنامي تحالفها مع الصِّين وروسيا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى