منوعات

الخيمة 56 والمزّة 86.. تلكمُ الحكاية

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

تحت ظلال الزيزفون تحت ظلال الخيمة 56 ظلال الفجور، والحياء الذي هُدِرتْ نقطته، فتحتَ ظلالها، وبفيئها اجتمع السوريون متمثلين بسكان مخيم الخيمة56 كما لم يجتمعوا على قضية من قبل.

هكذا أراد أن يقول صناع الفيلم خيمة56، فقد حرص الفيلم كما لم يحرص ويجرؤ فيلم غيره أن يجمع قلب رجل مع قلب امرأة بهذه الإسفاف، فربما أراد صناع الفيلم وممثلوه في ظل القيامة القائمة من حولهم أن يقولوا دعكم من الفسيلة التي عليكم أن تزرعوها وازرعوا مانحن لكم قائلون!

فلَيلُ المخيمات بات لا يغريهِ الأسى والألم، والحزن على فاجعة السورين وكارثتهم وتغريبتهم ليطول، فما يطيل الليل فقط عند صناع الفيلم هو الخيمة 56 الذي يغري الليل بالاستطالة استطالة يحلم بها المخيم وكوادر الفيلم من ممثليه والقائمين عليه أن يكونوا من روادها وزبائنها.

الخيمة56 اختزلت كما اختزل عالم اليوم ما يعانيه الشعب السوري على مدار12 عاما، فالشعب السوري لا ينقصه سوى الخيام، ولا ينقصه سوى المواد الغذائية أن تدخل إلى مخيماتهم بين من يريد أن يدخلها، وبين من لا يريد، ولم يعرف أو ربما عرف الشعب السوري إدخالها أو عدم إدخالها لقاء ومقابل ماذا، فالقتل والدمار والتهجير والاغتصاب والكيماوي وبيع الوطن جملةً ومفرّق بجميع أنواع البيوع من بيع بعقود قطعية، إلى عقود بوعد البيع، إلى بيعه استثمارا، فرحلة السوريين ومعاناتهم في الصيف وقيظه، والشتاء وقره، أمور باتت لا تهم العالم كما باتت لا تهم الجانب الآخر من السوريين الذي يعمدون إلى تصوير ما يجري إن في داخل ما يسمى مناطق سيطرة للنظام، أو في المخيمات، فقد اختزل هؤلاء عبر فنهم الهابط التغريبة السورية والوجع السوري اختزلوه في لحظة بهائمية وهي كيف يجتمع الأنثى بالذكر، فجلُّ تفكير من هم في المخيم انحصر في الخيمة 56 فهذا مايعانونه ويكابدونه أما المعاناة والمكابدة والوجع الحقيقي فهو لا وجود له في المخيم وخيمته ال 56.

فيلم الخيمة 56 كان الأجدى بصانعيه أن يسموه مخيم56 فجميع من في المخيم أصبح غاية حلمه أن يكون من نزلائه، فلاشيء يؤرق المخيِّمون ما يؤرقهم فقط هو كيف لهم أن يختلسوا من الزمن دقائقه ليستظلوا بظل الخيمة 56 وكأنها ظل الله على الأرض يستظلون بظلها..

الخيمة 56 لا شك أنها تطرقت إلى فكرة ما يعانيه الأزواج في مخيماتهم وجاءت على أخص خصوصية للزوجين وهي الخلوة الشرعية وطريقة تأمينها في الخيام المكتظة بالبشر من العائلة الواحدة،فهذه تبدو فكرة ثانوية بالنظر إلى الأفكار والقضايا التي يعانيها السوري إن في مدنه أو مخيماته، فقد كان من الأنسب والأجدى أن يتطرق الفيلم لفكرته التي طرحها لمسائل وقضايا أخرى أكثر أهمية تهمّ اللآجئين في مخيماتهم لا أن يكرس صنّاع الفيلم فكرة كيف يختلي الزوج بزوجه بطريقة فجة ووضيعة وخادشة لحياءِ من يشاهده بشكل مباشر مقيت بعيدا عن الحياء ما جعل الفيلم للإباحية أقرب.
فقد ضاقت أرض المخيم بما رحبت أمام “أنّى، وكيف، ومتى، وحتّام،” يمكن للذكر وأنثاه أن يلتقيا، فصناع الفيلم لم يقرؤوا لابن زيدون ولو قرأوا له لما ضاقت بهم الواسعة ولاغتنموا صفوَّ الليالي كما اغتنمها ابن زيدون حينما قال:
“فاغتنم صفو الليالي إنما العيش اختلاسُ” فلو فكر صناع الفيلم لوجدوا الحل بما قاله ابن زيدون ولتجشموا عناء ما قاموا به.

الخيمة56 جعلت رؤوس نزلاء المخيم، وعقولهم فارغة إلا من شيء واحد وهو كيف يمكن للذّكر أن يقضي من أنثاه وطره ومتى، أمّا أين؟ ففي الخيمة56 التي سيكون أسعد من سعيد من يبتسم له الحظ وينزل بها, فما يشغل البال والعقول والقلوب دقائق وصال في الخيمة تستغرق كل مستغرق، أما بقية الهموم الهموم من أسى،.ووجع، وتشرد ومعاناة فلا تعرف طريقا لعقول نزلاء مخيم خيمة 56.

خيمة 56 حاول البعض أن يجيّر لهجة الممثلين للهجة أهلنا في حوران وربما قد يكون هذا صحيحا لو أن أهل حوران فقط هم من تهجروا وتشردوا ونُكّل فيهم، فعلى امتداد الجغرافية السورية وخارجها توجد مخيمات لجميع اللهجات السورية من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها فصناع الفيلم أرادوا النيل من كافة المهجرين على اختلاف لهجاتهم ولكنهم ركزوا على لهجة حوران باعتبارها مهد الثورة السورية ليقولوا أن ما يجري في خيمة56 وفي مخيمه ينطبق على جميع الخيم والمخيمات السورية، وأن لا همّ لكل من هو مهجر ولكل من يعيش بخيمة سوى هذا الهم وجميعهم يبحثون عن خيمة 56 لقضاء وطرهم فيها.

القائمون على هذا الفيلم أرادوا أن يوصلوا بأن حرق خيمة56 بأضواء الشموع في لحظة خلوة الذكر بأنثاه هي كلحظة غاب فيها العقل وحضرت فيها النزوات التي يريد فيها أن يقول صناع الفيلم للسوريين عبر نزلاء المخيم والخيمة 56 أن خيمتكم التي كانت تأويكم وتفعلون ماتشاؤون فيها قد أحرقتموها بثورتكم بنزواتكم، وما إعادة بناء الخيمة التي احترقت من قبل صناع الفيلم إلا لتكون إشارة على عزمهم أنهم قادرون على بناءخيمة 56 في كل زمان ومكان، وما عليكم سوى أن تدققوا في

المناطق التي يقال أنها تحت سيطرة النظام لتعرفوا كم من الخيام غير الشرعية التي بنيت برعاية النظام في دمشق ففي دور السينما ستجدون الخيمة ست وخمسين وفي الحدائق العامة ستجدونها، وستجدونها في كل تجمّع في دمشق وغيرها من المدن التي يدعي النظام سيطرته عليها ستجدون وبكثرة خيمة 56، ولعل المزة 86 وعش الورور وغيرها من خيام النظام كخيمة66 مع فارق أن الثانية شرعية بين زوج وزوجه، أما الأولى فبغاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى