بحوث ودراسات

مصادر الشَّرعيَّة لأنظمة الحُكم في الدُّول الإسلاميَّة 8 من 8

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

خطوات مقترَحة لدفع إيران إلى طريق الدِّيموقراطيَّة

سبقت الإشارة إلى أنَّ أبرز خطوات تحرُّر إيران من قيود نظريَّة الغيبة والانتظار، التَّخلِّي عمَّا أسماه الكاتب “شروط نظريَّة الإمامة المثاليَّة”، وهي العصمة والسلالة الحسينيَّة والوصيَّة. مع ذلك، وكما يرصد الكاتب (2012م)، لم تزل نظريَّة ولاية الفقيه تسيطر على المشهد السِّياسي الإيراني، وتفرض على الشَّعب سُلطة الملالي (صـ166). من هنا، يشتعل صراع بين الَّتيار المحافظ المتمسِّك بالشَّرعيَّة الدِّينيَّة، ويمثِّله السِّستاني وملالي الحوزات العلميَّة، والَّتيار الإصلاحي، ويتزعَّمه المستغربين من مثقَّفي إيران. ويدور الصِّراع بين الجانبين على شرعيَّة نظريَّة ولاية الفقيه، الَّتي يتمسَّك بها المحافظون لدرجة جعلت الوليَّ بديلًا للنبي الكريم والأئمة من آل بيته، ويعتبرها الإصلاحيُّون “متناقضة مع حق الأمَّة في السِّيادة على نفسها. ومتناقضة مع الدِّيموقراطيَّة الَّتي تقوم على أساس المساواة والسِّيادة الشَّعبيَّة والمشاركة في السُّلطة والتَّشريع وحقوق الإنسان”، كما ينقل عنهم الكاتب (صـ176).

نتائج دراسة الكاتب (2012م)

توصَّل الكاتب إلى أنَّ نظام الحُكم السَّعودي يمتاز بالاستبداد وتغليب مصلحة الحاكم وترسيخ سُلطته المُطلقة، برغم استناده إلى التُّراث السُّنِّي، القائم على الشُّورى. لا يختلف النِّظام الإيراني في ميله إلى منح الولي الفقيه سُلطة مُطلقة، وتجاهُل الدُّستور، وإن كان يستند إلى نظام يسمح بشيء من الدِّيموقراطيَّة ويتيح مشاركة العامَّة في الحياة النيابيَّة، برغم استناد إلى نظريَّة الإمامة، الَّتي تقوم على حُكم الفرد. يعني هذا أنَّ كلَّ نظام من النِّظامين انحرف عن القاعدة الَّتي تأسس عليها، ويُرجع الكاتب ذلك إلى أنَّ النِّظام الإيراني نشأ “تلاقُح الفكر السِّياسي الشِّيعي المتأخر المتمثل في ‘‘المرجعيَّة الدِّينيَّة’’ مع الفكر الديمقراطي الغربي”، على عكس النِّظام السَّعودي، القائم على “نظريَّات سياسيَّة متطرفة تقوم على مبدأ الغلبة والأمر الواقع” (صـ183).

يعتبر الكاتب أنَّ الأزمة السِّياسيَّة السَّعوديَّة ترجع في المقام الأوَّل إلى سيطرة الفكر الوهَّابي، المستند إلى أفكار أحمد بن حنبل وابن تيميَّة؛ لأنَّه يرسِّخ للديكتاتوريَّة والعُنف والاستبداد. أمَّا عن الحل فهو “العودة إلى مبادئ القرآن الكريم والعقل، ونقد الأحاديث الضعيفة الَّتي يتشبث بها السنة والوهابيُّون” (صـ185). ولا تطرح المعارضة السَّلفيَّة الوهَّابيَّة، في نظر الكاتب، الحلَّ المثالي؛ لأنَّ نظام الخلافة في نظره إعادة تشكيل للحُكم الاستبدادي السَّعودي.

أمَّا عن موطن الأزمة الإيرانيَّة، فيجده الكاتب في التقيُّد بنظريَّة الإمامة الإلهيَّة، وما يرتبط بها من فرضيَّة وجود الإمام الثَّاني عشر، وغيبته، وتمثيل وليٍّ فقيه له، وهي النظريَّة الَّتي تؤمن بها الفرقة الإماميَّة الاثني عشريَّة، والَّتي تشكِّل غالبيَّة مواطني إيران. يعتبر الكاتب نظريَّة الإمامة الإلهيَّة “غير مستندة الى أدلة شرعيَّة كافيَّة”؛ ومن ثمَّ، يجب تنحيتها في سبيل تطوير الفكر الدِّيموقراطي، والتحرُّر من استغلال الدِّين في الهيمنة على الشُّعوب (صـ186). ويختتم الكاتب (2012م) دراسته بهذا الرَّأي (صـ191):

إنَّ إضفاء الشِّيعة والسُّنَّة الشَّرعيَّة الدِّينيَّة على أنماط الحُكم التَّاريخيَّة، وجعْلها جزءًا من الدِّين، عطَّل ويعطِّل التَّطوُّر المطلوب باتِّجاه الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة، وذلك اعتقادًا من أنصار الشَّرعيَّة الدِّينيَّة بحرمة إدخال أيِّ شيء جديد إلى الدِّين واعتبار ذلك بدعة محرَّمة، في حين كان يمكن، ولا يزال، فصْل الأنظمة السِّياسيَّة عن دائرة الدِّين وإدخالها في المجال العُرفي المفتوح على التَّطوُّر والإبداع واختراع صيغة جديدة أكثر عدالة وتمثيلًا لإرادة الأمَّة، في ظلِّ الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة. وبناءً على ذلك، فإنَّ “الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة” تشكِّل بوتقة للوَحدة الإسلاميَّة، وملتقى الطَّوائف الإسلاميَّة على فِكر سياسي جديد وموحَّد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى