المباحثات السرية بين “حماس” ودمشق خلال الفترة 2017-2022

المرصد الاستراتيجي
نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين في حركة “حماس”، قولهما إن: “الحركة قرّرت استئناف علاقاتها مع سوريا، بعد عشر سنوات من مقاطعة قيادتها دمشق”.
وقال مسؤول في الحركة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن: “الطرفين عقدا لقاءات على مستويات قيادية عُليا لتحقيق ذلك”.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين في الحركة قولهما إن قيادتهما: “اتّخذت قراراً بالإجماع بإعادة العلاقة مع سوريا”، وذلك بالتزامن مع تسريب مصادر أمنية معلومات حول: “وساطة قادها حزب الله والحرس الثوري الإيراني، منذ شهور، بين حركة حماس والنظام السوري، وصلت إلى مراحل إيجابية متقدّمة”، وأنه يجري العمل على ترتيب زيارة لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى دمشق: “عندما يتمّ التوصّل إلى اتفاق كامل لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين الجانبين”.
وتزامنت تلك التصريحات مع الزيارة الثالثة لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، إلى بيروت منذ تسلّمه رئاسة المكتب السياسي للحركة، حيث التقى بأمين عام مليشيا “حزب الله” حسن نصر الله في بيروت.
وأكد مسؤول في الحركة (23 يونيو) أن العلاقات بين الحركة والنظام السوري في “طريق عودتها بالكامل كما كانت”، بعد قطيعة استمرت عشرة أعوام.
وأردف المسؤول لوكالة “فرانس برس” قائلاً: “سوريا داعم للقضية والشعب الفلسطيني وحماس حريصة على العلاقة مع سوريا وكل الدول العربية”.
ولتبديد الشكوك حول صحة تلك التصريحات؛ أكد رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية، في “حماس”، خليل الحية (28 يونيو 2022) أن مؤسسات الحركة: “أقرت السعي لاستعادة العلاقة مع دمشق”، وأضاف: “جرى نقاش داخلي وخارجي على مستوى حركة حماس من أجل حسم النقاش المتعلق باستعادة العلاقات مع سوريا، وبخلاصة النقاشات التي شاركت فيها قيادات وكوادر ومؤثرون، وحتى المعتقلون داخل السجون، تم إقرار السعي من أجل استعادة العلاقة مع دمشق”.
وتؤكد مصادر مقربة من الحركة أن الاتصالات لا تزال تجري على مستويات عليا بين دمشق و”حماس”: “لكن الخروج بإعلان عن عودة رسمية لهذه العلاقة بحاجة للمزيد من الوقت والنضوج”، خاصة وأن نظام بشار الأسد يصرّ على إعادة تقييم علاقة الحركة مع أنقرة، ويطالب باستبعاد شخصيات في الحركة، كشروط مسبقة لإعادة فتح مكتب تمثيلي في دمشق.
وتتتبع الدراسة أهم محطات المفاوضات غير المعلنة بين حماس ودمشق خلال السنوات الخمسة الماضية، فيما يلي:
المحطة الأولى: طهران (2017-2019)
وجدت حركة “حماس” نفسها منذ السنوات الأولى لاندلاع الثورة السورية في مأزق، حيث شهدت كواليس قيادتها خلافاً حاداً حول الموقف من جرائم بشار الأسد ضد الشعب السوري وضد الفلسطينيين المقيمين بسوريا، إذ أكدت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية” إنّ ما يزيد عن 4000 لاجئ فلسطيني قُتلوا في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، نتيجة العمليات العسكرية والقصف العشوائي التي استهدفت المخيمات الفلسطينية مخلفةً مئات القتلى والجرحى، بالإضافة لحملات الاعتقال التي طالت عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين.
وكان لرئيس المكتب السياسي السابق للحركة، خالد مشعل، دور بارز في الانحياز لمطالب الشعب السوري، والتعاطف مع حراكه، حيث ظهر في الذكر الخامسة والعشرين لانطلاق الحركة وهو يرفع علم الثورة السورية، مؤكداً: “أحقية الشعب السوري في الانتفاض من أجل حقوقه”، ما دفع باستخبارات النظام إلى إغلاق جميع مكاتب الحركة في دمشق وإقفالها بالشمع الأحمر، بما فيها مكتب مشعل في منطقة المزة، ومهاجمته على التلفزيون الرسمي (أكتوبر 2012) ووصفه بـالمقاوم “المشرد واليتيم الذي كان يبحث عن ملجأ يأويه قبل أن تفتح دمشق أبوابها”، في حين قام عدد من كوادر الحركة بأدوار مهمة في دعم الثورة السورية على الصعيد الميداني.
وعلى إثر زيارة مشعل للسعودية عام 2015؛ بادرت الحركة إلى تعزيز علاقاتها العربية مقابل برود ملحوظ إزاء طهران، وعبّر بيان صادر عن الحركة آنذاك عن دعم: “الشرعية السياسية في اليمن وخيار الشعب اليمني الذي توافق عليه ديمقراطياً”، والذي قرأه البعض على أنه اصطفاف إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران.
ودفعت تلك التطورات إيران لمهاجمة مشعل، حيث تحدث إعلامها الرسمي عن وجود تيار مخالف لتوجهاته داخل الحركة، وأشاد بالمشاريع التي كان يشرف عليها القيادي محمود الزهار بتمويل إيراني، فيما اتخذ رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، موقفاً مهادناً لطهران ودمشق، حيث وصف الثورة السورية بأنها “فتنة”، وذلك في محاولة مبكرة من قيادة الحركة للتقرب من النظام السوري، عززها تصريح رئيس الحركة في قطاع غزة، يحيى السنوار، الذي أكد (سبتمبر 2017) أن الحركة لا تمانع عودة علاقاتها مع النظام السوري، مشيراً إلى أن: “الانفراجة التي تشهدها الأزمة السورية الداخلية ستفتح آفاق ترميم العلاقة وعودتها مع النظام السوري”.
فيما عبّر عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار، رفضه أي تدخل عسكري في سوريا، معتبراً أن: “الأولوية للمقاومة، وليست للمشروع السياسي الذي سيذهب إلى الاستسلام لإسرائيل بعنوان التصالح والتسوية والسلم، وأنه لا يمكن التفريط في محور المقاومة الذي استطاع تحقيق إنجازات متتابعة في لبنان وغزة والعراق”.
وكان أول عمل قام به الفريق الجديد عقب الانتخابات التي جرت في الحركة عام 2017، هو زيارة إيران، حيث دار الحديث عن إمكانية قيام إيران بدور الوساطة مع دمشق، وذلك ضمن سياسة جديدة تقوم على إعادة ترتيب علاقات الحركة الخارجية بما في ذلك ترميم العلاقة مع نظام بشار الأسد.
وسعى قادة الحركة إلى تعزيز علاقاتهم مع إيران منذ ذلك الحين، حيث قاموا بزيارة أخرى لطهران (2019)، التقوا فيها قادة الحركة بمرشد الثورة علي خامنئي، واندفعت إيران عقب ذلك الاجتماع للتقريب بين “حماس” ونظام دمشق خلال عامي 2019 و2020، إلا أن بشار الأسد أبدى تعنتاً كبيراً في المفاوضات.
المحطة الثانية: موسكو (2019)
في هذه الأثناء؛ كان قادة الحركة يستجدون وساطة رديفة من قبل روسيا للتقارب مع دمشق، وذلك في أعقاب اللقاء الموسع الذي استضافته موسكو للفصائل الفلسطينية (فبراير 2019)، حيث قام وفد من “حماس” بزيارة ثانية للعاصمة الروسية في شهر يوليو من العام نفسه، وطلبوا من وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومن المسؤولين في الخارجية الروسية، المساعدة في إعادة العلاقة مع نظام دمشق.
ودار الحديث آنذاك عن إمكانية دعم الحركة خطة روسية تتضمن توحيد الفصائل الفلسطينية، وتحقيق موطئ قدم في “رام الله” بالتعاون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيه شريكاً يمكن التعويل عليه لإخراج النظام من عزلته، وتشكيل سياسة مناهضة للولايات المتحدة إزاء القضية الفلسطينية.
ورأى تقرير أمني غربي (15 يناير 2021) أن روسيا بدت بعيدة عن الوساطة الإيرانية بين “حماس” والنظام السوري في الظاهر، إلا إنها كانت تدفع خلف الكواليس نحو تحقيق ذلك التقارب، حيث زار قادة الحركة العاصمة الروسية موسكو عدة مرات وأجروا مباحثات مع مسؤولين روس، ونتج عن تلك الزيارات مبادرة إسماعيل هنية بطلب وساطة موسكو مع النظام، وذلك عقب لقاء جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
ونقل رجل الأعمال الروسي المرتبط بمجموعة “فاغنر”، يفغيني بريغوزين، عن مصدر فلسطيني تأكيده إمكانية عودة العلاقات بين دمشق و”حماس” إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، حيث كان بوتين قد بدأ في تكثيف جهوده لإعادة الاعتبار لبشار الأسد وفك العزلة عنه في المحيط العربي، رغبةً منه في تعزيز النفوذ الروسي في الصراع العربي-الإسرائيلي من خلال تقوية قبضة نظام دمشق على الفصائل الفلسطينية.
لكن “حماس” لم تكن وحيدة في ساحة استجداء رضى سفاح دمشق، بل كانت المنافسة تجري على أشدها بين “رام الله” و”غزة” رغم المعاناة التي لحقت بفلسطيني سوريا والجرائم التي ارتكبتها ميلشيات الأسد ضد مخيم اليرموك، حيث تحدث تقرير أمني عن محاولات بذلتها تل أبيب، عام 2017، لتشكيل ائتلاف إقليمي يضعف النفوذ الإيراني، ويتضمن إبرام اتفاق بين محمود عباس والسيسي بهدف كسر عزلة دمشق مقابل ابتعادها عن إيران و”حزب الله”.
وأكد التقرير عقد مسؤولين مصريين لقاءات مع شخصيات “هامة” سورية، تناولت إمكانية تقليص النفوذ الإيراني مقابل تطبيع العلاقة الدبلوماسية والاقتصادية مع دمشق، ودفع الفصائل الفلسطينية لتحسين علاقاتها مع دمشق، وإعادتها إلى دائرة النفوذ في الملف الفلسطيني.
في هذه الأثناء كان صهر الرئيس الأمريكي السابق، جارد كوشنر، يبذل جهوداً حثيثة لدفع الفلسطينيين إلى إبرام اتفاق سلام شامل مع إسرائيل، وتشكيل قيادة فلسطينية موحدة من خلال الضغط على محمود عباس للتوصل إلى تفاهمات مع قادة “فتح” المتمردين، وإنهاء حكم “حماس” في غزة من خلال مصالحة يتم بموجبها تعيين وزراء من “حماس” في حكومة موسعة يتم تشكيلها في “رام الله”، وفتح معبر رفح وتقديم مساعدات لغزة التي كانت تعاني من ضائقة شديدة.
لكن الزعيم الفلسطيني، الذي كان يبلغ من العمر 82 عاماً -آنذاك-، لم يتعاون مع تلك المبادرة لتوجسه من بعض الدول العربية وشكوكه بوجود محاولات لاستبداله بقيادة شابة بديلة، ما دفعه لعرقلة جهود رأب الصدع الفلسطيني.
وانتهزت “حماس” الفرصة التي ضيعها عباس، مبدية استعدادها للقبول بوساطة تهدف إلى إزالة حالة الاحتقان مع النظام السوري، ما دفع بمحمود عباس لإعادة تقييم موقفه، حيث بادر إلى اتخاذ إجراءات “أحادية” لتحسين العلاقات مع دمشق، تضمنت إرسال خمسة وفود من “فتح” لتحسين العلاقات مع سوريا خلال الفترة (2018-2020)، وكان أبرزها إرسال عضو مركزية حركة “فتح” عزام الأحمد على رأس وفد رفيع المستوى (17 يناير 2020) إلى دمشق للمشاركة في احتفال انطلاقة الثورة الفلسطينية.
وتزامنت تلك الزيارة مع تصريح أدلى به القيادي البارز في “فتح” نبيل شعث، أكد فيه أن: “سوريا التي يوجد بها تواجد فلسطيني مهم، تبقى دولة عربية مهمة رغم المشاكل التي كانت معها”.
وتحدث موقع “ألمونيتور” (27 يناير 2020) عن احتدام المنافسة بين “فتح” و”حماس” لكسب ود الأسد، حيث نُقل عن قيادي فلسطيني يقيم في دمشق، قوله إن: “زيارة الوفد تأتي كحضور سياسي لحركة فتح في دمشق، رداً على زيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس إلى طهران”، ونقل الموقع عن أحد الخبراء قوله، إن الهدف الرئيس من الزيارة هو تحريض النظام السوري ضد “حماس”، وإفشال محاولات إسماعيل هنية لاستعادة العلاقة مع دمشق عبر طهران.
ويبدو أن تعنت دمشق مع الوساطة الإيرانية لتحسين العلاقة مع “حماس” قد دفع بالسلطة الفلسطينية لبذل المزيد من جهود التقارب مع الأسد، ففي يوليو 2020، أرسل محمود عباس نائب رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني “زياد أبو عمرو” إلى دمشق، حاملاً رسالة عبر فيها الرئيس الفلسطيني عن تضامنه مع سوريا “التي تتعرض لعدوان إسرائيلي-أمريكي”، مؤكداً: “نحن في نفس المركب وفي نفس الخندق”.
وشكل افتتاح هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية مقراً رسمياً لها في دمشق (يناير 2021) بحضور ممثلين عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح” حلقة جديدة في جهود تطبيع العلاقات بين السلطة الفلسطينية ونظام بشار الأسد، حيث أدلى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عزام الأحمد، بتصريح لصحيفة “الوطن” التابعة للنظام، قال فيه: “أنا اليوم في دمشق بزيارة معلنة، وليس سراً هناك من سبقني قبل أيام في زيارات غير معلنة”، وبشأن زيارة عباس لدمشق، أكد أن: “الزيارة واردة، وأعتقد أنها ستكون قريبة”.
وتتوجت جهود التقارب ببرقية تهنئة لبشار الأسد لدى إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية (29 مايو 2021) أعرب فيها محمود عباس عن: “اعتزازه بعلاقات الأخوة والاحترام المتبادل التي تجمع الشعبين والبلدين، وعن حرصه على تعزيزها، لما فيه خيرهما، ومصلحتهما المشتركة”.
المحطة الثالثة: بيروت (2020-2022)
دفعت العراقيل التي وضعها بشار أمام الوساطتين، الإيرانية والروسية، بالأمين العام لميلشيا “حزب الله”، حسن نصر الله، إلى التدخل في نهاية عام 2020، ومحاولة إقناع دمشق بإبداء المرونة في المفاوضات غير المعلنة مع حركة “حماس”.
ودار الحديث، آنذاك، عن إحراز تقدم في محادثات جرت بين الحركة ودمشق، تم تدشينها عقب لقاء رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية بحسن نصر الله في بيروت، حيث دار الحديث عن إمكانية السماح بعودة بعض قادة الحركة إلى سوريا، ونُقل عن برلماني إيراني قوله: “إن جهود الوساطة تسير في الاتجاه الصحيح وستتجسد قريباً”، مؤكداً أن القائد السابق لفيلق “القدس”، قاسم سليماني، قاد جزءاً من الجهود قبل مقتله.
وكبادرة حسن نية للدفع بالمفاوضات؛ قدمت “حماس” عدة إشارات إيجابية تجاه النظام، منها إدانة القصف الإسرائيلي لمواقع في سوريا (30 ديسمبر 2020).
وفي 20 مايو 2021؛ ثمّن القيادي في حركة “حماس”، أسامة حمدان، في حديثه مع قناة “الميادين” (20 مايو 2021)، موقف بشار الأسد، لمساندته “ودعمه للمقاومة الفلسطينية”، مؤكداً أن: “موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريباً ولا مفاجئاً، ومن يحينا بتحية نرد بخير منها”، مؤكداً أنه: “من الطبيعي أن تعود العلاقات بدمشق إلى وضعها السابق”.
ولم يكن ذلك التصريح مجرد زلة لسان من أحد قادة “حماس”، بل جاء رداً على تحية وجهها بشار الأسد لحماس خلال لقاء عُقد بدمشق، في اليوم ذاته، مع وفد ضم عدداً من قادة القوى والفصائل الفلسطينية وممثليها، وأكد فيه أن: “أبواب سوريا مفتوحة لكل فصائل المقاومة”.
وفي 21 يونيو 2022؛ أكد مصدر فلسطيني، لوكالة “الأناضول” أن حركة “حماس”، والنظام السوري، يستعدان لفتح صفحة جديدة، واستعادة العلاقات بينهما، بعد قطيعة استمرت 10 سنوات، مؤكداً أن: “تطوراً جوهرياً طرأ مؤخراً على صعيد جهود استعادة العلاقة، تمثل بموافقة الطرفين على إعادة فتح قنوات اتصال مباشر، وإجراء حوارات جدية وبنّاءة، تمهيداً لاستعادة العلاقات تدريجياً”.
ولفت إلى أن “جهوداً مضنية”، بذلتها قيادة “حزب الله” اللبنانية خلال الشهور الماضية، للوساطة بين الطرفين، أفضت إلى “منحها الضوء الأخضر لاتخاذ خطوات عملية، من أجل تقريب وجهات النظر بين النظام السوري والحركة الفلسطينية”.
وكشف المصدر، عن موافقة مبدئية حصل عليها “حزب الله”، من الطرفين، تُمهد لاتخاذ خطوات عملية على صعيد إعادة العلاقات بين “حماس” والنظام السوري، وإجراء حوارات مباشرة.
وكان تقرير أمني غربي (5 يوليو 2022) قد أكد اعتماد “حماس” على صلاتها اللبنانية، لا سيما مع “حزب الله” لتحقيق المصالحة مع بشار الأسد، حيث تخوض سباقاً محموماً مع حركة “فتح” لكسب دعم نظام بشار الأسد في دمشق التي تمر في طور إعادة الاندماج الإقليمي، معتبراً أن “حماس” قد تفوقت على “فتح” بفضل اعتمادها على الوساطة التي يبذلها الأمين العام لميلشيا “حزب الله”، حسن نصر الله، والذي تعاون مع دمشق على تأمين زيارة استثنائية لرئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هينة، إلى بيروت (21-26 يونيو 2022) عبر استقباله في قاعة كبار الشخصيات، وتأمين الحماية له، وترتيب لقاءات مع رئيس الجمهورية ميشيل عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وتنظيم تجمع جماهيري كبير بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في غمرة حشد وتأييد كثيف بمرافقة من المقاتلين المسلحين المصاحبين للموكب، وعقد اجتماعات مع فصائل موالية لدمشق، تمهيداً للمصالحة مع نظام بشار الأسد.
وادعى التقرير أن صالح العاروري مثل دور “عراب المصالحة” مع دمشق، حيث قام بعدة زيارات إلى طهران، ونسق مع “حزب الله” لإنجاح زيارة هنية لبيروت، وناقش مع المسؤولين الإيرانيين فرص تحقيق المصالحة المحتملة بين حماس والنظام السوري، وسبل إعادة فتح مكتب الحركة في دمشق.
ولتأكيد تلك المعلومات، أكد حسن نصرالله، في تصريح لقناة “الميادين” (25 يوليو 2022)، اهتمامه الشخصي بملف المصالحة بين حماس ودمشق، وأن: “الإخوة في حماس يقولون إنه لم يقدم أي نظام عربي ما قدمته سوريا للحركة وحركات المقاومة الفلسطينية الأخرى”.
وتابع بأن “سوريا منفتحة في ما يتعلق بالعلاقة مع حركة حماس، وقابلية الأمور جيدة والمسار إيجابي”، مشددا على أن “التواصل بين قوى محور المقاومة قائم وحرس الثورة كان مشاركاً في غرفة العمليات المشتركة خلال معركة سيف القدس”.
اصطفاف إستراتيجي خاطئ
أكد المحلل السياسي من غزة، تيسير محيسن، أن حركة “حماس”، بذلت خلال السنوات الماضية: “جهوداً حثيثة وجادة لجسر الهوّة مع النظام السوري”، معتبراً أن الحركة: “مع استعادة علاقاتها مع سوريا، تحسم خياراتها في الاصطفاف مع المحور الإيراني، في ظل تشكّل محاور وأحلاف أخرى في المنطقة”.
وأشار إلى أن المحور الإيراني بات يضم كلاً من: النظام السوري، و”حزب الله” وفصائل عراقية ويمنية، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، يأتي مقابل تحالفات باتت تشكل في المنطقة وتضم إسرائيل.
ودفعت تلك التطورات بعدد من المسؤولين اللبنانيين لتحذير الرئيس ميشال عون، من “خطورة تصريحات” رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية خلال زيارته لبيروت، والتي التي أعلن خلالها “وحدة الساحات” بين الفصائل العسكرية المدعومة من إيران، قائلين إن طهران: “وضعت لبنان ساحة ضمن ساحاتها في اصطفافات المنطقة”.
وفي خضم ردود الأفعال الشعبية الساخطة إزاء قرار إعادة العلاقات مع دمشق؛ انبرى عدد من قادة “حماس” للدفاع عن موقف حركتهم، معيدين تأكيدهم أن هدفهم هو تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وأنهم لا يتبنون أية أجندة خارج هذا الهدف المركزي، ومعتبرين أن تلقي الدعم من أية جهة “مسلمة” يأتي ضمن حشد التأييد للقضية المركزية لعموم العرب والمسلمين.
كما أكد قادة “حماس” تبنيهم سياسة خارجية تقوم على النأي بالنفس عن الصراعات الداخلية لأي بلد، وتجنبهم النزاعات والخلافات العربية، لتبقى قضية فلسطين هي المحور الأول والقضية الأساسية للحركة.
إلا أن واقع “حماس” ومواقفها السياسية منذ عام 2017 لا تتوافق مع التبريرات التي ساقها بعض قادة الحركة لتهدئة الرأي العام الغاضب إزاء تصريحاتهم المنافية للمبادئ التي قامت عليها الحركة منذ تأسيسها عام 1987، حيث تتبعت هذه الدارسة الاتصالات والوساطات غير المعلنة التي كانت تجري في السنوات الماضية بين قادة الحركة ونظام بشار الأسد، وانحياز قادتها لسفاح دمشق، رغم تعالي الأصوات المعارضة لذلك داخل الحركة وخارجها.
وعلى الرغم من حرص قيادة “حماس” على إخفاء اتصالاتهم مع النظام السوري عبر الوسطاء في طهران وموسكو وبيروت (2017-2022)، إلا أن تصريحاتهم الأخيرة جاءت لإشهار العلاقة غير المشروعة مع بشار الأسد، والتي يُتوقع أن تأخذ منحى جديداً في الفترة المقبلة.
وبعيداً عن الجدليات التي يسوقها بعض قياديي الحركة لتبرير مواقفهم إزاء دمشق؛ لا بد من التأكيد على أن الأزمة لا تقتصر على مجرد تصريحات يُدلى بها كل من: هنية، والحية، وحمدان، والسنوار، بين الفينة والأخرى، بل يتعلق بكمٍّ هائل من التفاصيل (التي تُعرض هذه الدراسة عن سردها) لإثبات العلاقة العضوية التي باتت تربط بعض كوادر الحركة مع أذرع الحرس الثوري الإيراني وشبكاته الخارجية، وما وصلت إليه تلك العلاقة -غير المشروعة- من تزلف قادتها لسفاح دمشق، وطلب الوساطات الروسية والإيرانية واللبنانية للتقرب إليه، والتغني بأوهام “العصر الذهبي للحركة خلال إقامتهم في سوريا”.
لطالما تفاخر قادة “حماس” بقدرتهم على تنويع تحالفاتهم، وبراغماتيتهم السياسية، وبراعتهم في توظيف التناقضات العربية والإقليمية لمصلحة “القضية”، إلا أن “الإجماع” المزعوم لقادة الحركة على إعادة العلاقة مع بشار الأسد لا شك وأنه سيعود عليهم بخسائر فادحة وسيقلص فرص المناورة لديهم، وسيكون له تأثير سلبي على القضية الفلسطينية التي كانت تحظى بتعاطف عربي وإسلامي واسع قبل أن يدير قادة الحركة ظهورهم للشارع العربي، ويستبدلونه بالمراهنة على نظام متهالك ومستنفذ اقتصادياً وليس لديه ما يقدمه للحركة سوى الخزي والعار.