سياسة

السَّعوديَّة تقابل “حرب الجواسيس” مع أمريكا بتوطيد علاقاتها بروسيا

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لم يخفَ على أحد أنَّ زيارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المنطقة العربيَّة منتصف يوليو الجاري لم تؤتِ ثمارها المرجوَّة، ويعدُّ إنجازها الأكبر، وفق ما صرَّحت به صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليَّة، هو توطيد العلاقات بين الولايات المتَّحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي. سجَّلت وسائل الإعلام الاستقبال الفاتر للرَّئيس الأمريكي في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، وتفضيل الأمير محمَّد بن سلمان، وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة، السَّلام على بايدن بقبضة اليد، برغم استقباله الحار لزعماء الدُّول العربيَّة المشاركين في قمَّة مجلس التَّعاون الخليجي في جدَّة. ويبدو أنَّ الرَّد الأمريكي على عدم استجابة السَّعوديَّة الفوري لمطالب بايدن بزيادة إنتاج النَّفط وتحسين العلاقات بدولة الاحتلال الإسرائيلي يأتي بتكثيف الهجوم الإعلامي على المملكة، بإعادة حادث مقتل الصُّحافي السَّعودي جمال خاشقجي إلى الواجهة والتَّهديد برفع الحصانة عن وليِّ العهد السَّعودي أمام القضاء الأمريكي، الَّذي يُنظر في عدَّة دعاوى مرفوعة ضدَّ الأمير الشَّاب. وكان من أبرز الخطوات العدائيَّة تجاه المملكة الخليجيَّة وحاكمه الفعلي القبض على موظَّف سابق لدى شبكة توتير للتَّواصل الاجتماعي بتهمة التَّجسُّس على معارضين سياسيين يعيشون بالولايات المتَّحدة لصالح المملكة، الأمر الَّذي جاء الرَّدُّ عليه بالقبض على محامٍ سابق لجمال خاشقجي في الإمارات. ويراقب المتابعون السِّجال الدَّائر بين إدارتي بايدن ومحمَّد بن سلمان ومآل الخلاف، سواءً بشأن ملفِّ الطَّاقة وإنتاج النَّفط أو ملفِّ حقوق الإنسان. ألقت السُّلطات الأمريكيَّة عام 2019م القبض على المواطن الأمريكي، لبناني الأصل، أحمد أبو عمُّو، وهو مسوِّق إلكتروني عمل سابقًا لدى شبكة تويتر خلال الفترة ما بين عاميِّ 2013 و2015م، بتهمة استغلال وظيفته في ارتكاب احتيال سلكي والعمل وكيلًا لحكومة أجنبيَّة دون الكشف عن هذا العمل. ومن المثير للتَّساؤل أنَّ القضاء الأمريكي قد بدأ هذه الآونة، وتزامنًا مع زيارة بايدن إلى المنطقة العربيَّة، محاكمة إلى أبو عمُّو بتهمة الكشف عن بيانات حسَّاسة تخصُّ نشطاء تويتر من المعارضين السِّياسيين لصالح السَّعوديَّة، والحصول في مقابل ذلك على رشاوي، من بينها ساعة فاخرة ومئات الآلاف من الدُّولارات، بمشاركة آخرين يحملان الجنسيَّة السَّعوديَّة، كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيَّة. كانت وظيفة موظَّف توتير السَّابق هي التَّرويج لحسابات المشاهير من المنتمين إلى المنطقة العربيَّة والتَّوسُّط لحصولهم على العلامة الزَّرقاء لتوثيق الحسابات وترتيب جولات لهم في مقرِّ الشَّبكة في مدينة سان فرانسيسكو. هذا، وقد اتَّهم كولن سامبسون، مساعد المدَّعي العام الأمريكي، أبو عمُّو بالتَّواصل المباشر مع بدر العساكر، وهو وزير سعودي يشغل منصب مدير المكتب الخاص لوليِّ العهد للشُّؤون الخاصَّة، ونقل بيانات تخصُّ حسابات نشطاء معارضين على تويتر، من بينها حساب “مجتهد” الَّذي ينشر تسريبات من داخل أروقة الحُكم في المملكة، في مقابل 300 ألف دولار وساعة بقيمة 20 ألفًا. وقوبلت محاكمة موظَّف توتير السَّابق أمام القضاء الأمريكي باعتقال المحامي الأمريكي، هندي الأصل، عاصم غفور، في مطار دبي قبل أسبوعين، بتهمة غسيل الأموال والتَّهرُّب الضَّريبي، بل وصدر حكم بسجنه 3 سنوات وتغريمه 3 ملايين درهم إماراتي. من جانبها، علَّقت إدارة جو بايدن على اعتقال المحامي الأمريكي السَّابق لخاشقجي على لسان نيد برايس، المتَّحدث باسم الخارجيَّة الأمريكيَّة، في بيان قال فيه “لم نرَ أيَّ مؤشِّر حتَّى اللحظة يشير إلى أنَّ احتجازه يتعلق بارتباطه بجمال خاشقجي، لكنَّنا لا نزال نجمع معلومات، مجدَّدًا، مثلما قلت سابقًا لقد ناقشنا القضيَّة على مستوى رفيع، ونقوم بكل ما بوسعنا للتَّأكُّد من أنَّ السيد غفور يُعامل بشكل عادل وإنساني”. ويبدو من بيان الخارجيَّة الأمريكيَّة اعتقادها أنَّ اعتقال المواطن الأمريكي كيديٌّ للرَّدِّ على اتِّهام إدارة محمَّد بن سلمان بالتَّجسُّس على معارضين. بوتين يشيد بـ “العلاقات الودِّيَّة بين روسيا والسَّعوديَّة” في مقابل التَّوتُّر المتزايد في العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة، وعلى النَّقيض من رفْض وليِّ العهد السَّعودي تلقِّي مكالمات هاتفيَّة مباشرة من الرَّئيس الأمريكي، تلقَّى الأمير محمَّد بن سلمان اتِّصالًا من الرَّئيس الرُّوسي، فلاديمير بوتين، هو ليس الأوَّل من نوعه منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة أواخر فبراير الماضي، تباحث فيه الجانبان حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها إنتاج النَّفط. ويوحي توقيت الاتِّصال، بالتَّزامن مع نهاية زيارة بايدن للسَّعوديَّة، بأنَّ المملكة لن ترضخ لإملاءات الإدارة الأمريكيَّة فيما يتعلَّق بإنتاج النَّفط بما يضرُّ بالمصالح الرُّوسيَّة. فإصرار إدارة بايدن على زيادة إنتاج النَّفط الخليجي يرجع إلى فرْض عقوبات على روسيا بحظر تسويق إنتاجها النَّفطي في الغرب، واستجابة السَّعوديَّة لطلب بايدن زيادة الإنتاج يعني تأييدها للعقوبات الأمريكيَّة على روسيا. وجاء في بيان الكرملين بشأن الاتَّصال، “جرى اتصال هاتفي بين الرئيس الرُّوسي فلاديمير بوتين مع ولي العهد السَّعودي محمَّد بن سلمان آل سعود، حيث أشاد الجانبان بمستوى العلاقات الودِّيَّة بين روسيا والسَّعوديَّة”، مشيرًا إلى الاتِّفاق على توسيع نطاق التَّعاون الاقتصادي. ونتساءل: ما مآل السِّجال الدَّائر بين أمريكا والسَّعوديَّة؟ وهل يعزِّز التَّقارب الرُّوسي-السَّعودي الخلافات بين إدارتي بايدن ومحمَّد بن سلمان؟ وهل عودة حالة الرُّكود الاقتصادي بانتشار العديد من الأوبئة يفضي إلى تخفيض أسعار النَّفط، وبالتَّالي تفتيت الأرضيَّة الصَّلبة الَّتي استندت إليها السَّعوديَّة في سجالها مع إدارة بايدن؟

“حرب جواسيس” تشتعل بين أمريكا والسَّعوديَّة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى