منوعات

“النفاق والتملق” سوس ينخر في المجتمع!

أسعد المبارك_ كاتب عراقي|

النفاق والتملق سلوك سيء يتعلمه البعض ويمارسه بكل كفاءة على الآخرين منذ الصغر، فذلك الموظف الذي يمدح وينافق مرؤوسيه، ويتملق لهم في كل موقف ومناسبة، هو ممن يسرق حق زملائه في العمل إذا كان نفاقه يجعل مرؤوسيه يفضلونه، ويكون له الحظوة عندهم، والمكافأة والتقدير غالباً ما يكونان لمصلحته، ليس لإنتاج متميز قام به بل بسبب لسان يجري به النفاق والكذب كجري المياه في مصاب الأنهار أو البحار.
في زمن التملق والنفاق لم يعد الاستحقاق مرهونا بما يمتلك الانسان من كفاءة وسعة أفق ومهنية وتمكن في اختصاصه بقدر ما هو مرتبط بمدى إتقانك لأساليب التملق، والذي بفضله ستجد الكثير من التافهين وعديمي المبدأ في المقدمة على عكس غيرهم الذين يسلكون الطرق السوية، مما يعني أن المقامات الدنيوية لا سبيل لصعودها إلا بسلم التملق وفي القاعدة استثناء على نطاق ضيق جداً.
وباللهاث على تحقيق الغايات بطرق ملتوية يستبيح اللاهثون قداسة المبدأ وطهر القيم والاهم لديهم تحقيق المبتغى، فيتملق الطالب لأستاذه لتحسين درجة اختباره في مادة معينة، الموظف يتملق مديره للحصول على الترقيات والمكافئات والمميزات الوظيفية والجندي يتملق للضابط للحصول على اجازه وهكذا.

وبعض الآباء والأمهات يميلون كل الميل في عواطفهم وعطاءاتهم نحو المنافق المتملق من أبنائهم، والذي يشعر بالنصر كونه يسرق نصيب إخوانه من حب واهتمام الوالدين، المهم في أجندة حياته أن يكون هو على قمة هرم الاهتمام والحب والعطايا!!
قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)، «سورة النساء: الآية 145»، وقال تعالى: (… إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)، «سورة النساء: الآية 140».
أما الصديق المنافق الذي حاله ليست كحال الزميل المنافق فقط، بل أسوأ بكثير، فما نتوقعه وننتظره من الصديق خلاف ما ننتظره ونتوقعه من الزميل، ومشاركة المشاعر والصدق والوفاء والمساندة ومشاركة تفاصيل الحياة وغيرها صفات وسلوكيات تميز علاقة الصداقة، ولذلك فإن لاكتشاف نفاق الصديق وقعاً على النفس أكبر بكثير، ويعتبر صدمة لا تنسى وغالباً لا تغتفر.
وقال صل الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»
وللأسف الصديق المنافق سرعان ما يكشف عن زيف مشاعره وهزالة وضعف صداقته، وعدم صدقها في أول موقف من مواقف الحياة واختباراتها المتعددة، ولغدر الصديق ونفاقه كبير الأثر، لأنه يعرف مكامن القوة والضعف في صديقه ولذلك طعناته في مجال النفاق قاتلة، ففي اللحظة التي تتوقع وقوفه ومساندته لك، تأتيك صدمة خذلانه وتخليه عنك وانكشاف وجهه الآخر الذي غالباً ما يكون وجهه القبيح.
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)، «سورة محمد: الآية 25»

حياة الانسان الطبيعي بدون صبر وكرامة تورثه الذل والهوان، ولعل هذا الوصف يظهر حقيقة من يقاوم ويكافح ويصابر ليصل إلى ما يطمح له مع الحفاظ على المبادئ الشريفة والقيم الأصيلة والفطرة السليمة التي فطر عليها الانسان دون أي ينقص من ذلك شيء، والمتمسك بالقيم الاخلاقية لا يسمح بأن تمس كرامته أو أن يخنع لموجات الاخضاع التي تمارس في عالمنا الحالي، ولا يرضى أن يذل غيره ويعيش مهانا، ولا يقوى على التملق ولو كان في أمس الحاجة إليه للوصول به لما يبتغيه.

وحين يجرب الفرد التملق لأول مرة فأنه ينجر لممارستها في مرات كثيرة لاحقة فيغدو بلا عزة مطأطأ رأسه خاضعا لسيده، فيقتل في نفسه الشعور بالمهانة لحرصه على غرضه الشخصي، مما يعني ابتلاعه لكبريائه وقبوله الإهانة التي تمارس عليه، وبذلك هو على استعداد لتقبل وتحمل كل شيء والهدف رضا الصنم الذي يعبده، كل ذلك يجري لكي يحقق المكتسبات والإنجازات التي يراها ضرورية في الحياة او تلك الامتيازات التي يحلم بها بالرغم من أنه في الأصل غير مؤهل للظفر بها، ولا يستطيع نيلها إلا بالطرق غير المشروعة.

في الختام أيها الكرام نوصي بالابتعاد عن التملق مهما كانت نتائجه فالمقدر هو ما سيكون واقع حال ولا شيء يساوي جزء ولو بسيط من كرامة الانسان إذا انتهكت، ومن المهم أن يدرك الانسان أن التملق هو الطريق السريع للوصول لكن بنفس الوقت السقوط سيكون سريعاً نظرا لكونه بني على أشياء لا قيمة أخلاقية لها والأفضل انتظار الاشياء أن تأتي في وقتها الطبيعي فلا داعي للاستعجال الذي يجعلك تسير في طرقات مظلمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى