مقالات

يمكن أن تأكل “حماس” الميتة ولحم الخنزير.. ولكن عليها ألا تحتسي الخمر !!!  

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب


أثار قرار حماس بإعادة العلاقات مع النظام السورى ردود فعل غاضبة فى الشارع السياسى العربى الذى يصنف النظام السورى باعتباره الأكثر إجراما ووحشية فى المنطقة بل وفى عالمنا المعاصر.. وبداية لابد أن نذكر أنفسنا بعدة حقائق:
غزة حيث تتواجد حماس بقوتها المسلحة الرئيسية وبقية الفصائل ليست دولة بالمعنى المفهوم بل هو جيب صغير (طوله 41 كيلومتر وعرضه من 5 إلى 15 كيلو متر). وهذا الجيب يقبع على الخريطة محاصراً براً من الكيان الصهيوني والنظام المصرى، ويفرض عليه الصهاينة حصارا محكما.
وحماس كحركة مقاومة مسلحة هى وبقية الفصائل لا معنى لوجودها دون توفر سلاح رادع ومؤلم للصهاينة. وبالتالي تصبح قضية توافر السلاح لديها وتطوير إمكاناتها العسكرية باستمرار قضية حياة أو موت، ومقدم على كافة احتياجات السكان من غذاء ودواء وبنية أساسية ونشاط اقتصادى يوفر الحد الأدنى المقبول للاحتياجات الأساسية للحياة. وينبغى أن ندرك أن حماس تواجه نظاماً صهيونياً مدججاً بتكنولوجيا حربية أمريكية متطورة.
وما نشاهده من تطور نوعى فى مستوى التسليح والتدريب في غزة ليس وليد تصنيع ذاتى، بل إنه وليد دعم إيرانى صريح يمرر السلاح ويوفر التدريب فى ظل ظروف الحصار الشديد التى يتعرض لها القطاع، وقد كان آخر التطورات النوعية والتى تابعها العدو الصهيوني بقلق شديد هو ظهور صواريخ ستينجر الروسية المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات لدى الحركة، الأمر الذى دفع الطائرات الصهيونية للانسحاب من سماء غزة للمرة الأولى فى تاريخ الصراع، وكان هذا تطورا شديد الأهمية.
وفى السياسة لا أحد يعطى شيئا بالمجان، حماس تحتاج للسلاح والمورد الرئيسى والوحيد هو إيران. وإيران وكيلة للروسى، إذن على حماس أن تدفع الثمن.
ولوعدنا بالذاكرة لبداية الثورة السورية، حينها طالب النظام السوري أن تدفع حماس ثمن دعم النظام لها وأن تشارك فى القتال ضد الثوار والشعب السورى أسوة بباقى الحركات الفلسطينية الموجودة على الأرض السورية والتى شاركت فى القتال دعما للنظام مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجيش التحرير الفلسطيني، لكن حماس رفضت، فطلب منها النظام المغادرة، فأغلقت حماس مكاتبها وغادرت، وصحيح أن حماس غادرت سوريا، لكن العلاقات الحمساوية الإيرانية ظلت قائمة، رغم أنها ولغت بدماء السنة، وما تفعله إيران يصب في مصلحة الصهاينة، بل إن ثمة تحالفًا صهيونيًا صفويًا، بات واضح المعالم حيث تدمر إيران البلاد السنية لصالح أمن إسرائيل
وحماس فصيل إسلامي محسوب على الإخوان المسلمين، والهوة السياسية بينه وبين النظام السورى واسعة تستعصي على الرتق، ولو تصورنا جدلا أن قيادة حماس أصابها مس من الجنون وأمرت كوادرها بدعم النظام السوري عسكريًا في حربه مع الثوار، فإن كوادر حماس الوسيطة والصغرى والتى يتم تربيتها إسلاميا منذ نعومة أظافرها سوف ترفض تنفيذ هذا التكليف، وتكليف مثل هذا قد يدمر الحركة ويعتبر لونًا من الإنتحار.

“ادراك الحقائق ومايجري على الأرض”.
إن متغيرًا هائلًا قد حدث ألا وهى الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تدور من خلالها شبه حرب عالمية ثالثة بين التحالف الغربى بقيادة أمريكا، وبين روسيا. وقد سارع كل فريق لعمل اصطفاف لحلفائه فى نقاط التماس فى أنحاء العالم. وعالمنا العربى من أكثر المناطق اشتعالاً بين حلفاء الفريقين فى سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين، فقد بدأ الأمريكى فى صف حلفائه فيما بات يعرف بالناتو العربي الإسرائيلي.. وعلي الجانب الآخر بدأ الروسي والإيراني فى صف حلفائه أيضا. والذى تضم قائمته الميلشيات الشيعية العراقية والحوثي باليمن وحزب الله اللبناني والنظام السورى ولم يكن ينقص هذا الحلف سوى تواجد حماس وتطبيع علاقاتها مع السوري.. ولكن هذه المرة صراعا عالميا حاسما وليس حدثا إقليميا، فلا مفر أمام حماس إلا أن تستجيب وإلا قُطع عنها شريان حياتها، وهو السلاح. فلا وقت عند الروسى لأى مناورات حمساوية فى ظل حرب ضروس.. وهنا بدأت حماس تأكل الميتة ولحم الخنزير، فظهر وفد من حماس فى موسكو فيما بدا أنه يمثل دعمًا للموقف الروسي فى الصراع الدائر، ثم قررت حماس الاستجابة للمطلب الإيراني بإعادة العلاقات مع النظام السورى وفتح مكاتبها فى دمشق. 
 
“التاريخ يمثل الذاكرة”
على حماس أن تدرك المأساة التى حدثت فى التاريخ العربى والإسلامي حينما انحاز العرب لاحدى القوى الدولية أثناء الصراعات العالمية فضاعت قضيتهم.. ففي الحرب العالمية الأولى إنحاز العرب بقيادة الشريف حسين للانجليز، وسقطت الخلافة العثمانية وتم احتلال العالم العربى بأكمله.. وفى الحرب العالمية الثانية إنحاز أمين الحسينى للألمان، فوقعت المأساة وانهزم الألمان وأقيمت الدولة الصهيونية على أرض فلسطين وتشتت الحركة الوطنية الفلسطينية.. ومن هنا علينا جميعاً أن ندرك أن قضيتنا الفلسطينية لن يحلها إلا الصمود والمقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية وألا نتعاون فى أثناء الصراعات الدولية مع أى قوى دولية إلا بالقدر الذى يحقق أهدافنا. وأن نحفظ دائما خطاً للرجعة. إن البندقية الفلسطينية ليست للبيع ولا للإيجار، ولا ينبغى أن توجه إلا لصدر العدو الصهيوني.

“الموقف من القرار الحمساوى”
ولكن هل يعنى كل هذا أن علينا الصمت على هذا القرار الحمساوي باعتباره من باب الضرورة كما صمت البعض على تصريحات بعض قادة حماس الداعمة لإيران وعلى بعض المواقف مثل حضور هنية لجنازة السفاح سليماني؟
الإجابة هى: قطعًا لا.
إن علينا أن ندين هذا القرار ونهاجمه بكل قسوة، وأن تتسع دائرة المعارضة الشعبية لهذا القرار يومًا بعد يومًا، حتى يمثل هذا الرفض حائط صد شعبى وورقة تستخدمها حماس دائما فى إدارة علاقاتها مع الروسي والإيرانى، وبالتالى تراجع حماس موقفها من قرار عودة العلاقات مع نظام الأسد وما يترتب عليه من مفاسد عظيمة، “وهو مانصح به نخبة من كبار علماء الإتحاد فى بيانهم الصادر فى 10/7/2022”.
أو تظل علاقاتها بالنظام السورى فى حدها الأدنى البروتوكولى الدبلوماسى بعيدا عن المشاركة العسكرية ضد فصائل الثورة السورية.
ويجب على هذا الضغط الشعبى أن يستمر ولا يتوقف، فلو توقف هديره فقد تجبر حماس على أن تحتسى الخمر وحينها قد تفقد الحركة توازنها ورشدها وتشارك ببندقيتها فى صراع دولى لا ناقة لها فيه ولا جمل فيتوجه سلاحها إلى ثوار سوريا أو يستخدم بشكل عشوائي، حينها ستكون أشرف تجربة مقاومة مسلحة فى تاريخ القضية الفلسطينية قد تم القضاء عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى