مقالات

الهوة الشاسعة بين المعارضات السورية والحاضن الثوري

مرهف الزعبي

ناشط سوري
عرض مقالات الكاتب


لا تزال القوى الإقليمية المسيطرة على الجغرافية السورية بأجمعها، وعلى كامل التراب السوري المقدس مهيمنة على أدواتها التشغيلية. منتقيةً إياهم بدقة عالية من أصحاب السوابق في الفساد، والارتزاق، والطاعة العمياء، والانبطاح لذاك الطرف والطرف المضاد له، حتى غدت سورية بجميع مناطقها وحش كاسر يهابه جميع السوريون، ويخشون العودة إليه إلا محرراً من هذه المافيات بأجمعها التي من خلال عقدٍ واحدٍ أذلت الشعب السوري مراتٍ ومرارات، وزادت من عذاباته وآلامه. فكانوا الحربة في خاصرة السوريين وثورتهم.
فالأحداث التي تعصف في الشمال السوري، والتي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر الهوة الشاسعة بين القادة في المعارضات العسكرية والممثلين عنها من جهة، وبين الحاضن الثوري من جهة أخرى، وكذلك بين مضمون الثورة، وأهدافها، ومبادئها، وسلوكياتها، وأدبياتها من جهة، وبين الفساد، والارتزاق، والتضييق على الثوار، والعمالة لدول وأجهزة مخابرات من جهة ثانية عبر الأعضاء التشغيليين، حتى غدا النازحون والمهجرون يشعرون بأنهم غرباء في أرضهم. لا كلمة لهم، ولا تمثيل، ولا هامش حرية لأنشطتهم الثورية. وبالتالي سعي هؤلاء الأضداد لقتل الأمل، والتفاؤل الذي يحلم به ثوار سورية لتغيير واقعهم الستاتيكي، والانتقال نحو التحرر، وكسر القيود، والأغلال التي كبلتهم بها إملاءات المخابرات المتعددة. مانعين أي نشاط ثوري يعيد للثورة ألقها، ونقائها، ومرحلتها الذهبية. وبهذا قاطعين على جميع نشطاء الثورة العودة إلى سورية لممارسة واجباتهم الثورية بغياب البيئة الآمنة لعودة من تهجَّر قسراً، وغادر سورية مرغماً.
إنَّ انحسار المناطق الجغرافية، وازدياد مستويات الفقر، والقهر، والذل، والتضييق على الثوار، وحرف الثورة عن مسارها؛ هي أبرز ما أنتجته المعارضات المسلحة في سورية.

ناهيك عن ممارسة الرذيلة، والزنا لقياديين في تنظيم القاعدة المتمثل بالجولاني والفصائل العسكرية، وإطلاق صراح مجرمين قتلة كانوا محتجزين في مناطق سيطرة المعارضات المسلحة في الشمال السوري، وإدخال المنتجات الإيرانية المشبوهة، وتهريب المواد الغذائية الصحية، والمواشي عبر معابر مع قسد، ونظام الأسد، وإنشاء معامل مخدرات في مناطق تحت مسمىً ثوري. كل ذلك يدلُّ بالدليل القاطع على خيانة هؤلاء لثورة ذهب ضحيتها ملايين السوريين قتلاً، واعتقالاً، ونزوحاً، وتهجيراً. فخرجت جميع فصائل المعارضات المسلحة عن مسار الثورة، وابتعدت عن الهدف الحقيقي لها، مبررةً تقاعسها، وتخاذلها بالواقعية السياسية التي هي عثرة يستطيعون تجاوزها إذا أرادوا ذلك.
ومما يزيد الوضع سوءاً، وتعقيداً الأقلام المأجورة التي تمارس التضليل، والتبرير ليس دفاعاً عن الثورة إنما عن المفسدين، وعملاء المخابرات، والدول. فجميعنا يعلم أنَّ أصحاب القضايا دائما ما يسخرون أفكارهم، وأقلامهم، وتضحياتهم، لخدمة قضيتهم. قضاة، ومحامين، وعلماء دين، ومدرسين، وتجار، وإعلاميين، وضباط أحرار. وكثيراً ما يحصدون نتائج إيجابية في تضامن أقلام حرة في العالم تتضامن معهم، وتقف إلى جانب قضاياهم العادلة. إلا عندنا في سورية حيث استطاعت قوى الشر الظلامية أن تسيطر على أفكار، وأقلام البعض، وتجيرها لصالحها. في حين يشتدُّ التضييق، والخناق أكثر فأكثر على أحرار الثورة بمساعي، ومساعدة أجراء، ومنتفعين، وعملاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى