مختارات

أول من طرح فكرة “الفاتكيان الإسلامي”!!

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

بداية أشير إلىٰ أن هٰذه المقالة من كتابي موسوعة أعلام عصر النهضة العربية، الجزء الثاني، الصادر في عام 2018م.
ساطع الحصري الأب الرُّوحي للقوميَّة العربيَّة وكبير دعاتها ومنظريها أرَّخ لنشأة القوميَّة العربيَّة بالمفكر السُّياسي والقومي الشَّامي بالتَّعبير القديم حينها، اللبناني اليوم، نجيب عازوري. يشبه أبا حيان التوحيدي في أنَّنا لا نعرف شيئاً عن نحو النِّصف الأوَّل من حياته، فلا نعرف لذٰلك تاريخ ولادته.

ما هو بحكم المؤكَّد أَنَّ مكان ولادته كان بقرية عازور بجنوب لبنان. وأَنَّهُ تعلم فيها وتخرَّج في معهد الدِّراسات العليا بباريس. أمَّا من النَّاحية الزمنيَّة فأقدم ما نعرفه عنه أَنَّهُ كان نائباً في مجلس المبعوثان العثماني الأول عام 1876م. فإذا كان في الخامسة والعشرين حينها افتراضاً فإنَّهُ من المتوقَّع أن يكون قد وُلِدَ عام 1850م، وإذا علمنا أَنَّهُ توفي عام 1916م فإِنَّهُ سيكون قد عاش نحو خمس وستين سنة، وهٰذا احتمال قريب إلىٰ الواقع.
في عام 1898م عُيِّن نائباً لحاكم القدس واستمرَّ في منصبه هٰذا حَتَّىٰ عام 1904م، إذ اعتزل في هذه السَّنة المناصب ليتفرغ للعمل السِّياسي وكان أوَّل مشروع فكريٍّ سياسيٍّ له هو الدعوة لاستقلال سوريا وفصلها عن الدَّوْلَة العثمانيَّة.
وفي هٰذه السَّنة ذاتها سنة 1904م سافر إلىٰ مصر ومنها إلىٰ باريس وأنشأ محفلاً ماسونيًّا بطقس اسكتلندي يهدف إلىٰ ما سمَّاه تحرير الأمَّة أي إسقاط الخلافة الإسلاميَّة وتفتيت الأمَّة الإسلاميَّة، وفي الوقت ذاته أنشأ هناك أيضاً جمعيَّة عصبة الوطن العربي الَّتِي نادت بالاستقلال عن الخلافة العثمانيَّة، ووحدة العالم العربي بالتَّعاون مع فرنسا أو ربَّمَا فصل العرب عن الخلافة واتحادهم مع فرنسا…!! ولٰكنَّ أحداً لم ينتسب إليها علىٰ الإطلاق، ولا يقلِّل هٰذا الأمر أبداً من خطورة الفكرة، لأنَّ عدم الإقبال علىٰ مشروعه لم ينل من عزيمته شيئاً ولا من مشروعه ففي عام 1905م عُقِدَ المؤتمر العربي الأوَّل بباريس وكان عازوري فيه الرُّجل الأساسي وأحد أبرز منظميه وفي هذا العام أصدر كتابه يقظة الأمَّة العربيَّة.
وكيف يمكن أن تكون يقظة الأمَّة العربيَّة وفق عازوري وفي هٰذا الكتاب؟
في هٰذا الكتاب وفي جميع كتاباته يرىٰ أنَّ نهضة العرب لا يمكن أن تكون إلاَّ عن طريق:
أولاً: ضرورة وعي العرب لقوميتهم وانفصالهم عن العثمانيين.
ثانياً: ضرورة فصل الدِّين عن الدَّولة بإقامة خليفة لكلِّ المسلمين من سلالة النبي. فكرة خبيثة يحسبها مغرية للمسلمين. وكثير من المسلمين انخدعوا بها وإلى الآن، وهي أول مرة تظهر فيها فكرة إنشاء فاتيكان للمسلمين علىٰ غرار النصارى في فصل الدِّين عن الدَّولة، وستعود هٰذه الفكرة للظهور من جديد في أواخر القرن العشرين، وتوجد الآن مساعٍ حثيثة لفرض هٰذه الفكرة علىٰ المسلمين، يريدون فرضها لا إقناع المسلمين بها. والعجيب أنَّ من يقود هٰذه الجهود هم دول تحسبها النَّاس راعيةً للإسلام والمسلمين وحامية للإسلام والمسلمين.
ثالثاً: ضرورة اللامركزيَّة في الحكم واحترام الحكم الذَّاتي؛ كل منطقة تحكم ذاتها ذاتيًّا؛ لبنان، الإمارات… كل علىٰ حدة، اليمن… وهكذا. وهٰذا أوصل لتفتيت الأمَّة الإسلاميَّة وشرعنه انفصال الولايات عن بعضها وتأصيل التفتيت.
رابعاً: في السِّياق السَّابق أضاف فكرة جديدة: الحكم الذَّاتي للمناطق المقدسة. وهٰذا أول تأصيل لما يطرح بإلحاح في السنوات الأخيرة حول تحوُّل الإسلام إلى منظومة مشابهة للمسيحيَّة كما أوضحت قبل قليل.
خامساً: انسجاماً من المشروع الإغرائي البريطاني للشريف حسين فقد رأىٰ نجيب عازوري أنَّ الدَّولة العربيَّة ستمتدُّ ضمن حدودها الطبيعيَّة من وادي دجلة والفرات حَتَّىٰ قناة السويس ومن البحر الأبيض المتوسط بحر عمان. وما خلا ذٰلك لا علاقة للعرب به.
سادساً: ويتابع بوجوب فصل ولاية الحجاز ومنطقة المدينة المنورة عن المشروع كله وإلى إقامة إمبراطوريَّة خاصة مستقلَّة فيهما؛ وهٰذا امتداد لبعض أفكاره السابقة علىٰ طريق إقامة الفاتيكان الإسلامي.
سابعاً: ويتابع سلسلته فيرى أنَّ فلسطين التي سعى اليهود لإقامتها أكثر اتساعاً من التي كانت في مختلف مراحل وجودهم التَّاريخي. أي هو يقرُّ بإقامة كيان لليهود في فلسطين ولٰكنَّهُ يرىٰ أنَّ المساحة المطلوبة زيادة بعض الشيء.
ثامناً: ويضيف أنَّ فلسطين عبر تاريخها مشاع لأقوام وأخلاط كما فهي لم تأو حَتَّىٰ في عهد ملوكها الأقوياء شعباً واحداً فقط يحكي اللغة ذاتها وله الأصول نفسها.
وفي عام 1907م أسَّس بباريس مجلة الاستقلال العربي الَّتِي صدر منها ثمانية عشر عدداً بدأت بآذار 1907م وانتهت بحزيران 1908م، ومع توقفها كان الانقلاب الدستوري الَّذِي أطاح بالسُّلطان عبد الحميد فعاد عازوري إلىٰ القدس ليترشح للانتخابات وأسَّس فور عودته جمعيَّة جامعة العالم العربي فحكم عليه الاتحاديون بالإعدام فهرب إلىٰ القاهرة وهناك أصدر جريدة يوميَّة هي جريدة مصر، وفي عام 1913م شارك في الإعداد للمؤتمر السوري العربي الَّذِي رأسه عبد الحميد الزهراوي. ومع بوادر الثورة العربيَّة يذكر أَنَّهُ كان له الأثر الكبير في تأمين السِّلاح للثُّوار العرب من الدُّوَل الأوروبيَّة، وقام بتهريبه وإيصاله إلىٰ الثُّوار، ولٰكِنَّهُ لم يكتب له أن يشهد تحقُّق أحلامه بالقضاء علىٰ الخلافة العثمانيَّة ونشوء عالم عربي مكون من اثنين وعشرين دولة، إذ كان الموت هو الأسبق إليه في حزيران 1916م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى