مقالات

لعنة الكورونا تطيح ببوريس جونسون

د. ياسر محجوب الحسين

صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

على الرغم من الضجة العالمية التي تحدثها تفاعلات السياسية الداخلية في بريطانيا، فإنها لا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان ثوابت وأسس لا تأتي رياح الصراع السياسي على بنيانها وقواعدها. ومن المدهش أن بريطانيا تقوم على نظام سياسي ودستوري غير مكتوبين، فقد أنبثقت أغلب إجراءات نظام وستمنستر عن أعراف وممارسات وسوابق قضائية لبرلمان المملكة المتحدة، والتي تشكل جزءًا من دستور غير مدون أو مكتوب.

إن استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الخميس الماضي ليست شأنا بريطانيا عاما فحسب وإنما شأنا حزبيا يخص حزب المحافظين الذي يقود بريطانيا منذ 12 عاما.

ولعل دويّ استقالة بوريس شكّلته شخصيته المثيرة التي جعلته أشبه بممثل يقوم بعمل درامي مختلط بينالكوميدياوالتراجيديا. وترأس بوريس حكومة بلاده لثلاث سنوات مضطربة، بسبب سلوكه في السياسة والإعلام.
وشرب بوريس من ذات الكأس الذي سقى منه سابقته ورئيسته في الحزب تريزا ماي التي عينته في منصب وزير الخارجية قبل أن يستقيل بعد عامين احتجاجا على أسلوبها في التعامل مع ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولاحقا ترشح بوريس في الانتخابات القيادية التي تلت استقالة ماي، وفي 23 يوليو 2019، تم انتخابه زعيما لحزب المحافظين، ليصبح رئيس الوزراء في يوم 24 يوليو.

واليوم جاءت استقالته من زعامة الحزب بعد أيام من الدراما السياسية والمعارك العلنية والخفية بينه وبين خصومه داخل حزبه، إلى أن وصل إلى اللحظة التي بقي فيها وحيدا في ساحة المعركة يواجه مصيره بمفرده، فكان أمامه خياران، إما الاستمرار في القتال وبالتالي يعزله الحزب خلال أيام قليلة أو إعلان استقالته من زعامة الحزب ليحافظ على البقية الباقية لديه من شعبية وطاقة للمعارك السياسية المقبلة. وتسببت سلسلة الإخفاقات والفضائح في حكومة بوريس في تمرد وزاري كبير وتخلى عنه وزراء معينون حديثا وأكثر من 50 وزيرا ومسؤولا بالحكومة في حملة استقالات جماعية عصفت به عصفاً، ودخل عدد من وزرائه المستقلين سباق التنافس على خلافته.
وواجه بوريس هجمة شرسة من الصحافة البريطانية وعلّقت الغارديان على خطاب استقالتهقائلة أنه لم يتضمن أي ملاحظة ندم على “سوء سلوكه كرئيس للوزراء”، وقالت الصحيفة إن “الخبر الجيد هو أن أسوأ رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا الحديث، سيرحل” في اشارة إلى بقائه في منصبه حتى تعيين خلفه. والخبر السيئ هو أنه لم يرحل بعد”.

بينما تناولت التايمز “شعبوية” كلّ من جونسون والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وقال أحد كتابها إن بوريس “نسخة بريطانية راقية” من دونالد ترامب. واعتبر الكاتب أن كلّ من دونالد ترامب وبوريس جونسون نجحا في إعادة منح التيار المحافظ قوّة سياسية، “لكنهما فشلا في النهاية بسبب حماقتهما النرجسية”.

وعدّد الكاتب ما وصفه بالعيوب المتعددة والمشتركة بين الزعيمين: “النرجسية الإفراط في الانغماس في الذات والكذب الانتهازي المتأصل وعدم الاهتمام بالتفاصيل بالإضافة إلى الشهية المفرطة لإرضاء الذات المستمرّ والإدمان على التملق من الجمهور”.
وجاءت استقالة بوريس، بعد أشهر من فضيحة انتهاكه لقواعد مكافحة وباء كورونا في المملكة المتحدة، والتي عرفت باسم “بارتي غيت” واستضافته حفلًا في مقر الحكومة بلندن، وخلف ذلك غضبا واسعا واتهامه بالكذب.

كما واجه اتهامات بأساء استخدام مكتبه بمكافأة أصدقائه وعقد صفقات مع المتبرعين. وقاوم بوريس على مدى أشهر الدعوات المطالبة باستقالته بعدما بات أول رئيس وزراء بريطاني يخرق القانون وهو في منصبه. وكانت شرطة العاصمة لندن قد أعلنت في في حينه أنها ستفتح تحقيقا، مما رفع وتيرة الضغوط عليه.

بيد أن بوريس أكد في بداية أزمته أنه لن يستقيل من منصبه رغم تعرضه لاستجواب غاضب مفعم بالسخرية الجارحة من أعضاء البرلمان، وظل يصر على أن حكومته اتخذت قرارات مناسبة في تعاملها مع وباء كورونا. وقبل نحو شهر نجا بوريس من محاولة لسحب الثقة منه بعدما حظي بدعم العدد الأكبر من نواب حزبه.
بالإشارة إلى الربط الذي أبدته صحيفة التايمز بين شخصيتي بوريس وترامب ووجه الشبه الكبير بينهما، يقفز تساؤل حول مدى تأثر النظم والديمقراطيات العريقة سلبا بشخصيات القادة السياسيين لاسيما أولئك المثيرون للجدل؟.

ويبدو أن تجربة ترامب كادت أن تصيب الديمقراطية الأمريكية بالعطب خاصة بعد نتائج الانتخابات التي فشل فيها ترامب في الظفر بولاية رئاسية ثانية، وقد تسبب سلوك ترامب في تعبئة انصاره الذين اقتحموا مبنى الكونغرس حيث زحف عشرات الآلاف من مختلف الولايات الأمريكية على العاصمة واشنطن، لتعطيل أعمال الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) المخصصة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، التي نتج عنها فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بـ306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتا لترامب.

وبلغ تهديد النظام الديمقراطي الأمريكي درجة أن أعلن رئيس لجنة التحقيق في الحدث بمجلس النوّاب أنّ اقتحام مبنى الكابيتول شكّل “ذروة محاولة انقلابيّة”.

أما بوريس متهم بالنخبوية والمحسوبية وخيانة الأمانة. وهو في أفضل الأحوال شخصية مسلية ذو روح دعابة خلقت له شعبية واسعة، وكان يهرب من الأسئلة الصحفية الجادة باستخدام الفكاهة والسخرية مستندا إلى خبرة صحفية مشوبة بالعثرات. ففي أواخر العام 1987 بدأ بوريس العمل كمتدرب في صحيفة التايمز. لكن لاحقا أقاله رئيس تحرير التايمز تشارلز ويلسون عندما فاحت فضيحة عندما كتب بوريس مقالا متضمنا مقتبسًا زعم كذبه أنه جاء من المؤرخ كولن لوكاس عرابه الخاص. وفي أخرى استخدم بوريس عبارة “الطينيون” و”ابتسامات البطيخ” عند إشارته إلى الأفارقة كما أنه دافع بقوة عن الاستعمار الأوروبي في أوغندا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى