مقالات

شتّان ما بين النقد والحقد

الأغيد السيد علي

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

كثُر الجِدال والمُمارَاة حول اللقاء الذي جرى البارحة بين سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ “أسامة الرفاعي” ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الإسلامية “إسماعيل هنية”، وبدأت جموع الاتهامات والإسقاطات تنهال عليهم كالسهام، كما وانتهت بالتخوين والشتم واللعن.
هل ما قام به المجلس الإسلامي السوري من مناصحة وحثّ حماس على خطورة الأمر التي أقدمت عليه يستوجب النقد البنّاء -بهدف تصويب الخطأ إن وجد-؛ أم أنّه هو الحقد والعِداء؟
لماذا كلَّ من يتصدّر المشهد سياسيًا كان أم عسكريًا أو دينيًا؛ يتم التشهير به وإسقاطه دون النظر لمسيرته أو التحرّي عنه ؟ وهؤلاء مطيّة مَن وعلى من يُحسبون؟

منذ أسبوعٍ وأكثر نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر من قلب (حركة حماس) عن استئناف العلاقات مع نظام الأسد، وكان ذلك بالإجماع من قبل الحركة كلّها، ممّا أثار حفيظة وغضب مشاعر ملايين العرب وعلى رأسهم الشعب السوري الذي ذاق ما ذاقه من أذرع إيران في المنطقة على مدار عقدٍ كامل، فما زالت حماس تنحدر في حضيض المستنقعات الإيرانيّة على حساب دماء الملايّين من أهل سورية واليمن والعراق ولبنان.
من المحتمل أنّها -حركة حماس- تعمل على الاستفادة من التوتّر الحادّ الحاصل بين موسكو وواشنطن إثر الغزو الروسي لأوكرانيا لتحقيق بعض المصالح السياسيّة، -ولا سيما- التقرّب من الروس لكسب ودّهم للاستفادة من الخلاف الإسرائيلي-الروسي.
ما الذي ستجنيه الحركة من تطبيع العلاقات مع نظام الأسد واستئناف العلاقات بينهم ؟
ألم يعلموا بأنَّه في ميزان القِوى والمصالح الاستراتيجية من يقيم علاقة مع نظام منتهَك سياسيًا لا يستطيع تقرير مصيره، ومستباح على جميع الأصعدة؛ كمن يطلق النار على قدميه !
بعد تلك التصريحات السياسية من قبل (حركة حماس) سارع المجلس الإسلامي السوري وبعض العلماء المشهود لهم بثنيِّ حماس عن إعادة علاقتها بنظام الأسد، وتوضيح الصورة بالشكل المطلوب وإلا سيصدر المجلس بيانًا مِفصليًا حول الحركة.

النقد البنَّاء:
إنَّ ما قام به المجلس الإسلامي السوري لهو أمرٌ لا مُحال منه، وحالةً تستوجب النقد بشكل واضح وصريح، ومناصحة باتت “مُلحّة” في ظل الاعتراك السياسي التي تشهده الساحة السورية، وذلك لمنع إضفاء الشرعية من جديد للنظام السوري، وعودة مقعده إلى الجامعة العربية، وخطورة التعامل معه سياسيًا واقتصاديًا.
لكن .. سرعان ما انهالت التُهم والتشكيك بالمجلس الإسلامي السوري وبعض العلماء، وذلك من شخصيات عربية وسورية ظنّوا بأنّهم نُقّاد على المستوى الرفيع، مع العلم بأنَّ معظم من يمتنهون ذاك الأسلوب؛ يعيشون خارج الساحة المستهدفة بالنقد، بعيدًا عن الصندوق الداخلي لجوهر القضية ومحورها.
فهؤلاء غلّفوا حقدهم بغطاء النقد، فيزعموا بأنّهم ناقدون، وهم ليسوا إلا حاقدون حاسدون، يُركّزون على الأخطاء ويُهوّلون من أمرها مع إبراز شيء من بطولاتهم الهُلاميّة وأفكارهم المهمّة ونصائحهم الحكيمة التي ما وُجدت إلا عندهم -والتي لو سُمعت منهم- لكانت الناجية (حسب زعمهم) .. مما اضّطر المجلس الإسلامي لإصدار بيان يوضّح فيه حقيقة اللقاء، وأنّه كان حقًا بغرض ثنيّ حماس عن موقفها غير الأخلاقي الذي يتجاهل مئات آلاف الضحايا الذين قتلوا بنيران الأسد وإيران في المنطقة.

إسقاط الرموز وتشويههم:
إنَّ الانتقاد لأيّ حدثٍ خاطئٍ بهدف تصويبه؛ أمرٌ مطلوبٌ في جوهره، لأنَّ الخطأ ينبغي أن يُصوّب ويُصحح، أمّا إسقاط المُخطئ لمجرّد الخطأ الذي ارتكبه -مع العلم أنّه بشر وغير معصوم-؛ ليس إلا هوى نفس أو حقدٌ دفين تجاه المُخطئ، وبإسقاط المخطئ لا خطأ يتم تصويبه ولا مخطئ قد يتمَّ تقويمه !
لا يخفى على أحد ميزات “الناقد الصادق” بأن يكون ذو علمٍ ودراية في الأمر الذي يتم نقده، كما ينبغي عليه أن يكون صاحب علمٍ ومعرفة، وأن يتحلّى بأسلوب النقد الحسن والأدب وإلا تحوّل من ناقدٍ إلى فاجرٍ يبثُّ فجوره وتطاوله على أهل العلم والأدب ورجالات الدولة.
لقد ابتُليت الثورة السورية بكمٍ هائل من هؤلاء الذين يحسبون أنهم يُحسنون صنعا وهم في الحقيقة خطرٌ جاثمٌ على صدور السوريين، من خلال كتاباتهم وشعاراتهم التي ينخدع فيها البعض، فتراهم بحجّة النقد البنّاء؛ يتفنّنون بالطعن والتشويه لكل من يسعى للتغيير أو يسعى للإصلاح، فكم نحن بأمسِّ الحاجة للإنصاف، وكم نفتقر إلى الأشخاص الواقعيّين والموضوعيّين!
في كل مرّةٍ حينما يتصدّر الساحة شخصيات معيّنة يتم التشهير بهم وتخوينهم وإسقاطهم، وهذه باتت حالات متكرّرة خلال عقدٍ كاملٍ من الثورة، فكم من كاتبًا أو قائدًا عسكريًا أو عالمًا أو حتى شاعرًا تمَّ إسقاطهم والطعن بهم لأخطاءٍ صغيرة قد وقعوا بها، أهذا يكون النقد البنّاء يا سادة !؟

إنّ كنت حقًا من الأشخاص الذين ينتقدون باستمرار؛ فعليّك بأهم شروط النّقد البنّاء، وهي: (العلم، الإخلاص، العدل، الإنّصاف والرحمة).
ألا تُعد هذه الحملة التي خرجت عن سياق الشكل والجوهر للنقد البنّاء والأدب والتي استهدفت المجلس الإسلامي السوري هي نوع من أنواع التلاعب بالجماهير!؟
لا ينبغي أن يتم تحميل الأمر أكثر من ما لا يحتمل، ولا نرى أنّها تستحق بأن نُنكر دور الأشخاص في المجلس الإسلامي -أو حتى غيرهم- في القطاعات العسكرية والسياسية لأجل خطأ صغير، فربّما يكون ذلك من الحِنكة السياسية التي خُفيت عنّا، وما أدرانا في أنّها قد تكون الدبلوماسية الخفيّة !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى