مقالات

الرصاصة التي قتلت”شيرين”!

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

بعد مضي ما يزيد عن خمسين يوماً على مقتل مراسلة الجزيرة”شيرين أبو عاقلة” برصاصة جاءت من الجهة التي انتشرت بها قوات اسرائيلية، وهي تقتحم مدينة “جنين” الفلسطينية، لتستقر في رأس المغدورة مما جعل معظم من شاهد مصرعها يشعر بالحزن والأسى عليها، وهي التي شهد لها كل من عرفها بالشحاعة والجرأة ،وهي تغطي الأخبار من قلب الحدث، مما جعلها تحصل على لقب “شهيدة القدس” بجدارة.

ومما لا شك فيه أيضاً أن قناة الجزيرة القطرية التي تعمل بها “شيرين”، لم تأل جهداً ولم تتوان في متابعة مقتل مراسلتها، وقد خصصت لذلك مساحة إعلامية على شاشتها لم يحظ بها أي إعلامي أو صحافي لقي مصيراً مماثلاً
لما لاقته “شيرين” ، وهذا يحسب للجزيرة وينم عن موقف أخلاقي وإنساني، بالإضافة إلى ما يعنيه من موقف رافض لممارسات العدو الصهيوني وما تقوم به قواته داخل فلسطين.

كذلك لا ننسى موقف السلطة الفلسطينية من مقتل “شيرين” وكيف أنها اعتبرت نفسها هي “ولي الدم” الذي لا يسمح لأية جهة أن تتدخل في مجرى التحقيق، لا من قبل المحققين الصهاينة، ولا من قبل الأمريكان الذين تحمل “شيرين” جنسية بلدهم، فهي “فلسطينية- أمريكية”،ولكن السلطة اعتبرت أن التحقيق الذي تجريه هو الأصل في وصف الحادث، بدلائل الجريمة إلى تصل إليها من خلال إجراء التحقيق الجنائي الذي يستند أساسا ً إلى نتائج التحليل المخبري لمعاينة “المقذوف” التي قتل “شيرين”، والذي أثبت وبالدليل الفلسطيني أن الرصاصة اسرائيلية، وأطلقت من بندقية قناص اسرائيلي عن سابق اصرار وترصد.

هذا ما انتهى إليه التقرير الجنائي الفلسطيني الذي سُلّم إلى الأمريكان، الذين بدورهم أجروا عليه تحليلاً آخر وقالوا في تقريرهم: أن المقذوف متهالك، ولا يمكن إثبات الأدلة القطعية على أنه أطلق من بندقية اسرائيلية، وهذا ما كان متوقعاً منذ البداية، فالأمريكي لم يكترث لمقتل الإعلامية العربية حتى ولو كانت تحمل الجنسية الأمريكية، لا سيما وأن الأمر يتعلق بالجيش الإسرائيلي.

إذاً لم يتحقق للسلطة الفلسطينية ما تريد، وأن تقريرها لم يعد له أية قيمة أمام ما يقوله الأمريكي، كما أن الإسرائيلي لم يقم للموضوع أية أهمية منذ البداية، والدليل أنه لم يحترم حتى جنازة المغدورة حين تشييعها، وألقى بتابوتها على الأرض من فوق رؤوس مشيعيها!

هنا نتوقف لنقول:
مضى على احتلال فلسطين ما يقرب من خمسة وسبعين عاماً ولم نعرف كيف نعرض قضيتها على العالم باعتبارها قضية شعب تعرّض لاحتلال ارضه، وبات أبناؤه لاجئين خارج وطنهم، او يرزحون تحت ظلم المحتل الإسرائيلي.!

خمسة وسبعون عاماً ولم نحسن التدبير والتصرف! فهل سنكون قادرين على إثبات أن من قتل “شيرين” هو اسرائيلي قام بفعلته عن سابق إصرار وترصد؟
وأنه تلقّى أمراً من رتبة أعلى، والرتبة الأعلى تلقتها من رتبة أعلى، إلى أن نصل إلى أعلى مسؤول في الجيش الإسرائيلي لنجرّمه ونقدمه إلى المحكمة الجنائية الدولية -كما تدعي السلطة الفلسطينية- ؟!

نقول للسلطة : هذا هراء، ولا يعدو أن يكون جعجعة لا معنى لها، وليست أكثر من صخب إعلامي اتبعته قناة الجزيرة دون تصوّر لما ستؤول إليه نتائج التحقيق.
آن لنا أن نفهم ونعي حقيقة ما يجري، وكيف تسير أمور الضعفاء في أروقة المحافل الدولية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بحقوقنا نحن العرب.

لقد أمضت المحكمة الخاصة بمقتل “رفيق الحريري” مدة خمسة عشر عاماً بكلفة مالية وصلت إلى 600 مليون دولار من الخزينة اللبنانية، لتنتهي إلى تقرير هزيل برّأ القتلة من ميليشيا حزب الله اللبناني الذين أثبتت الدلائل على أنهم خططوا ونفذوا الجريمة في رابعة النهار ،ولكن المحكمة لم تدن إلاّ واحداً منهم متوارٍ عن الأنظار ولم يعرف له عنوان.

المئات، بل الآلاف من الضحايا الذين قتلتهم اسرائيل ومنهم قادة فلسطينين، ولم تحاسب على أية جريمة من جرائمها!
وقد قالت إسرائيل كلمتها منذ بداية القضية، أن “شيرين” قُتلت في ساحة تم فيها تبادل إطلاق النار بين قوة من عناصرها مع عناصر فلسطينية إرهابية، وبالتالي هي غير مسؤولة عن موت المراسلة، وحتى لو أثبتت التحقيقات أن الرصاصة اسرائيلية فهي أطلقت على الإرهابيين وليس على المراسلة، وهي تأسف لذلك إذا ما تم التثبت من صحة التهمة!

هذا ما كان على قناة الجزيرة أن تعيه، وكذلك السلطة الفلسطينية التي أرادت أن تعطي لنفسها مكانة هي لا تتمتع بها وهي سلطة السيادة والإرادة ، ومسؤولية حماية مواطنيها.

دعو “شيرين” ترقد بقبرها بسلام ولا تجعلوا من مقتلها مادة إعلامية، ولا تتنافخوا حمية لها، وأنتم لا تملكون من الوسائل ما يحمي الحقوق ، والحقوق ستبقى مضيّعة إن لم تسندها عوامل القوّة ،بكل ما تعنيه كلمة “القوة”.

وعلى ذكر “القوة”، تستدعي الذاكرة حادثة “لوكاربي” التي ذهب المئات من المسافرين ضحية لهذه العملية الإرهابية التي قامت بها أجهزة المخابرات الليبية في زمن “القدافي” ،فقد تم تعويض ذوي ضحايا الطائرة بمبلغ عشرة مليون دولار عن كل واحد من الضحايا الأمريكيين وقد بلغت مجمل التعويضات التي دفعتها ليبيا لطي ملف القضية ما يقرب من 5 مليارات من الدولارات، بينما دفعت أمريكا لعدد من ضحايا جرائم قواتها في العراق في بداية احتلالها لهذا البلد، مبلغ 100 دولار فقط عن كل ضحية سقطت بنيران الجنود الأمريكيين عن طريق الخطأ كما تدعي!

تعويض الضحية الأمريكي مبلغ 10 مليون دولار في لوكاربي، وتعويض الضحية العراقي الذي قتل داخل منزله فقط”100″ دولار عدّاً ونقداً!

هذا ما نعنيه “بحق القوة” وهو يختلف كثيراً عن “قوة الحق”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى