تقارير

مصير المصالحة الأمريكيَّة-السَّعوديَّة إذا رفض الخليج زيادة إنتاج النَّفط

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

مرَّت العلاقات التَّاريخيَّة بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والمملكة العربيَّة السَّعوديَّة بحالة غير مسبوقة من التَّوتُّر بعد وصول الرَّئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021م، ما هدَّد بانقطاع العلاقات الاستراتيجيَّة بين البلدين، وأثَّر على التَّعاملات المباشرة بين الإدارتين الحاكمتين فيهما، بعد 7 عقود من التَّعاون المتواصل والتَّنسيق القوي، لا سيِّما فيما يتعلَّق بالمسائل الأمنيَّة ومحاربة التَّطرُّف. بادر جو بايدن خلال حملته للتَّرشُّح للرِّئاسة عام 2020م بتوجيه انتقادات قاسية للمملكة الخليجيَّة تتعلَّق بانتهاكات حقوق الإنسان وتكميم أفواه المعارضين، وبلغ الخلاف بين البلدين ذروته في ربيع العام الجاري، بعد رفْض الإدارة الحاكمة في السَّعوديَّة، بقيادة وليِّ العهد الشَّاب، الأمير محمَّد بن سلمان، طلب إدارة بايدن زيادة إنتاج النَّفط؛ لمواجهة الزَّيادة في أسعار المحروقات منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في فبراير 2022م.

وقد عبَّرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة عن عِظم الخلاف بين الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة في مقال نشرته في 19 أبريل 2022م تحت عنوان ” How U.S.-Saudi Relations Reached the Breaking Point”، أو كيف وصلت العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة على شفير الانهيار، تعرَّضت فيه إلى تعنُّت وليِّ العهد السَّعودي في تعامله مع إدارة بايدن، مشيرةً أنَّ العلاقات بين البلدين “وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود”، خاصَّة بعد اتِّجاه المملكة إلى التَّحالف الاقتصادي والعسكري مع المعسكر الشَّرقي، تحديدًا مع الصِّين وروسيا. غير أنَّ إدارة بايدن اجتهدت في إيجاد وسيلة للتَّصالح مع السَّعوديَّة، برغم رفْض الأمير محمَّد بن سلمان تلقِّي اتصالات من الرَّئيس الأمريكي نفسه، حتَّى تمَّ الإعلان رسميًّا عن زيارة بايدن للمملكة منتصف يوليو الجاري، بعد زيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي والضَّفَّة الغربيَّة، ومن المنتظر أن يلتقي بايدن خلال زيارته بالعاهل السَّعودي ووليِّ عهده وإزالة أسباب الخلاف الأساسيَّة، وعلى رأسها مسألة زيادة إنتاج النَّفط الخليجي.

ماذا لو رفضت السَّعوديَّة زيادة إنتاج النَّفط؟!

ردًّا على سؤال أحد الصُّحافيين خلال مؤتمر عُقد على هامش قمَّة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في مدريد الأسبوع الماضي عمَّا إذا كان الرَّئيس الأمريكي ينوي مطالبة دول الخليج بزيادة إنتاج النَّفط لمواجهة الزِّيادة المطردة في أسعاره، أجاب جو بايدن بأنَّه لن يطلب مباشرةً من العاهل السَّعودي ووليِّ عهده زيادة إنتاج النَّفط، عند اجتماعه بهما في جدَّة بعد أيَّام. غير أنَّ من اللازم على دول الخليج كافَّة، وكما يعتقد بايدن، المبادرة بزيادة إنتاج النَّفط في تلك المرحلة الحرجة. ومن المفارقات الواجب التَّنبيه إليها أنَّ الرَّئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قاطَع جو بايدن وهو يسير مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، خلال مشاركة الرَّئيسين قمَّة قادة مجموعة السَّبع في ألمانيا الأسبوع الماضي ليبلغه بأنَّه عرف من الشَّيخ محمَّد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، بأنَّ بلاده بلغت سقف إنتاجها من النَّفط، ولا يمكنها زيادة الإنتاج، بينما لا يمكن للسَّعوديَّة زيادة الإنتاج بأكثر من 150 ألف برميل في اليوم. وقد علَّق سهيل المزروعي، وزير الطَّاقة الإماراتي، في تغريدة عبر تويتر بقوله “تعليقا على ما يتم تداوله مؤخَّرًا عن مستوى إنتاج دولة الإمارات، نود التَّوضيح أنَّ إنتاج دولة الإمارات الحالي قريب من سقف الإنتاج المرجعي للدَّولة في اتِّفاقيَّة أوبك بلس، وهو (3.168 مليون برميل يوميًّا) والتزامنا قائم بهذا السَّقف إلى نهاية الاتِّفاقيَّة”. من جانبها، لم تعلِّق السَّعوديَّة رسميًّا إلى اليوم على إمكانيَّة الاستجابة لطلب الرَّئيس الأمريكي.

أهم أهداف زيارة بايدن: التَّقريب بين السَّعوديَّة وإسرائيل

برغم تأثُّر شعبيَّته بسبب عجْز إدارة عن تطبيق آليَّة فعَّالة لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات، أكَّد جو بايدن على أنَّ مباحثاته مع زعماء دول الخليج في منتصف يوليو لن تركِّز على زيادة إنتاج النَّفط، إنَّما على التَّنسيق الأمني لمواجهة التَّهديد الإيراني في المنطقة العربيَّة. يؤكِّد ذلك ما يترَّدد عن الإعداد لتدشين تحالُف عسكري إقليمي في مواجهة الهجمات الجويَّة الإيرانيَّة، وهو ما نشرت عنه صحيفة الغارديان البريطانيَّة في 3 يوليو 2022م تحت عنوان ” A mirage of peace? Joe Biden ventures back into Middle East’s shifting sands”، أو سراب السلام؟ الرَّئيس الأمريكي يغامر بالعودة إلى رمال الشَّرق الأوسط المتحرِّكة. أشار كاتب المقال إلى التَّقارب الاقتصادي العربي-الإسرائيلي في أعقاب إبرام اتِّفاقيَّات أبراهام للتَّطبيع، ما يعني عدم نفور دول المنطقة العربيَّة من الدُّخول في تحالُف أمني مع دولة الاحتلال للتَّصدِّي للتَّهديدات الإيرانيَّة. وتزداد احتماليَّة تدشين ذلك التَّحالف العسكري الإقليمي بعد وصول مفاوضات إحياء الاتِّفاق النَّووي بين إيران والغرب إلى حافَّة الانهيار، بمشاركة السَّعوديَّة، وإن لم يكن من المتوقَّع إعلان انضمامها إلى اتِّفاقيَّات أبراهام. وبالحديث عن تطبيع بلاد الحرمين مع دولة الاحتلال، فقد نشرت صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيليَّة أنَّ زيارة بايدن إلى السَّعوديَّة بعد إسرائيل ستشهد إبرام اتِّفاق بين الدَّولتين بشأن انتقال السِّيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة، إلى جانب سماح الأخيرة بتحليق الطَّيران الإسرائيلي في مجالها الجوِّي.

ونتساءل: بعد تأكيد ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الرُّوسي، اعتزام بلاده الاستمرار في التَّعاون مع دول منظَّمة أوبك المنتجة للنَّفط بعد عام 2022م في إطار اتِّفاقيَّة أوبك بلس، وتصريح الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطَّاقة السَّعودي وأخ وليِّ العهد، على متانة علاقة بلاده بروسيا خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي الرُّوسي قبل أسابيع، كيف يمكن للمملكة الخليجيَّة التَّوفيق بين تصالحها مع أمريكا وتقارُبها مع روسيا؟ وما مستقبل أيِّ تصالُح محتمل بين الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى