مقالات

فشل مفاوضات الدَّوحة النَّوويَّة وتدشين النَّاتو العربي

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


تزداد أزمة إحياء الاتِّفاق النَّووي لعام 2015م، الَّذي أبرمته إيران مع إدارة الرَّئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، ثمَّ انسحب منه خليفته، دونالد ترامب، عام 2018م، تعقيدًا يومًا بعد يوم، وبخاصَّة منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة أواخر فبراير 2022م. فقد أثَّرت العقوبات الغربيَّة المفروضة على روسيا، الَّتي كانت أحد وسطاء إعادة إحياء الاتِّفاق النَّووي، على موقفها في مساندة إيران في مواجهة الخصم الأمريكي. أُجبرت إدارة الرَّئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، على الاستمرار في مفاوضات فيينا النَّوويَّة من جرَّاء ارتفاع أسعار النَّفط الَّذي خلَّفته الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، حيث وجدت في رفْع العقوبات المفروضة على القطاع النَّفطي الإيراني وسيلة لإنعاش سوق النَّفط العالميَّة بضخِّ مزيد من الإنتاج النَّفطي، بما يسفر عن انخفاض أسعار المحروقات. غير أنَّ مفاوضات فيينا النَّوويَّة توقَّفت في مارس الماضي، بعد تعذُّر الوصول إلى اتِّفاق يرضي الطَّرفين، بعد تعنُّت الطَّرف الإيراني في فرْض شروطه، لا سيِّما رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، ومعاقبة مدبِّري اغتيال قائد فيلق القُدس، قاسمي سليماني، وهم أعضاء في إدارة ترامب، وضمان عدم انسحاب الإدارات الأمريكيَّة مستقبلًا من الاتِّفاق النَّووي الجديد.
قطر تستضيف المفاوضات النَّوويَّة بعد فشل مفاوضات فيينا
بعد تجميد مفاوضات فيينا النَّوويَّة، آثر نظام ملالي الرَّافضة الحاكم في إيران انتقال المفاوضات إلى العاصمة القطريَّة، الدَّوحة، الَّتي استضافت من قبل المفاوضات بين الإدارة الأمريكيَّة وحركة طالبان السُّنِّيَّة الأفغانيَّة، وأفضت تلك المفاوضات إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021م. وبالفعل، انطلقت المفاوضات غير المباشرة بين إدارة بايدن ونظام الملالي في 28 يونيو الجاري، ولمدَّة يومين، على أمل أن تنجح فيما فشلت فيه مفاوضات فيينا. وقد نشرت صحيفة الشَّرق القطريَّة تعليقًا على انطلاق تلك المفاوضات “بعد أشهر من تعثُّر محادثات فيينا بين الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة والغرب … عادت الآمال من جديد في إمكانية مواصلة الحوار لمعالجة نقاط الخلاف بين واشنطن وطهران، بعد إعلان دولة قطر ترحيبها باستضافة جولة محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكيَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة”. في حين نشرت صحيفة الوطن القطريَّة “انعقاد هذه الجولة في قطر يحمل العديد من المؤشرات على إمكانية النجاح، بسبب ما تتمتع به من مصداقيَّة هي محل احترام وتقدير كل الأطراف، الَّتي تدرك بأنَّ هدف قطر الوحيد هو حماية المنطقة وأمنها واستقرارها، وحرصها الأكيد على توفير الأجواء المناسبة للتَّوصُّل إلى اتِّفاق حقيقي وملائم يعزز الأمن ويرسِّخ الاستقرار”. وبينما توقَّع بعض المراقبين نجاح مفاوضات الدُّوحة في تقريب وجهات النَّظر وحلحلة الأزمة، رأى آخرون صعوبة نجاح تلك المفاوضات فيما فشلت فيه مفاوضات فيينا على مدار عام كامل.
تبادُل الاتِّهامات بين أمريكا وإيران بإفشال مفاوضات الدَّوحة
كما نشرت شبكة الجزيرة الإعلاميَّة، انتهت مفاوضات الدَّوحة، المنعقدة يومي 28 و29 يونيو 2022م بين كبير المفاوضين الإيرانيين عليّ باقري ومنسِّق شؤون المفاوضات الأوروبِّي إنريكي مورا، دون الوصول إلى نتائج إيجابيَّة. وقد ألقى موقع اكسيوس (Axios) الإخباري الأمريكي اللوم في ذلك على الجانب الإيراني، الَّذي اتَّهمه بإدخال شروط تعسُّفيَّة جديدة كانت كفيلة بإفشال المفاوضات، بإثارة قضايا لا صلة لها بالاتِّفاق النَّووي. من جانبها، وصفت إيران المفاوضات بـ “الجادَّة” و “الاحترافيَّة”، وأشارت إلى متابعة وزير الخارجيَّة الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع نظيره القطري، الشَّيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، سير المفاوضات، في حرص تامٍّ على الوصول إلى تسوية نهائيَّة. وكان عبد اللهيان قد شدَّد على عدم تراجُع بلاده عمَّا سمَّاه “الخطوط الحمراء”، ويقصد بذلك شطْب الحرس الثَّوري من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة وضمان عدم إبطال الاتِّفاق النَّووي وانسحاب الجانب الأمريكي منه مستقبلًا. وبعد انتهاء المفاوضات، اتَّهمت وكالة الأنباء الإيرانية تسنيم الجانب الأمريكي بالوقوف وراء فشل المفاوضات؛ لعدم تقديم ضمانات كافية للمنافع الاقتصاديَّة الإيرانيَّة من الاتِّفاق النَّووي.
هل تنتج إيران قنبلتها النَّوويَّة بعد فشل مفاوضات الدَّوحة؟
يتردَّد في وسائل الإعلام الغربيَّة في الآونة الأخيرة أن إيران لم يعد أمامها إلَّا القليل لإنتاج قنبلتها النَّوويَّة، مع استمرار تخصيب اليورانيوم بكميَّات كبيرة وبنسب تركيز عالية، بعد استغلالها تجميد مفاوضات فيينا في تسريع وتيرة العمل في برنامجها النَّووي. ويرى مراقبون أنَّ فشل مفاوضات الدَّوحة في هذا التَّوقيت، وقُبيل زيارة جو بايدن الأولى من نوعها لمنطقة الشَّرق الأوسط، سيكون له تداعياته الفارقة. فمن المرجَّح أنَّ اجتماع بايدن بزعماء دول مجلس التَّعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق سيشهد اتِّخاذ خطوات ملموسة لتدشين تحالُف عسكري بين الدُّول العربيَّة الأكثر عرضةً للتَّهديدات الإيرانيَّة، ومعها دولة الاحتلال الإسرائيلي، الَّتي يزورها بايدن قبل توجُّهه إلى بلاد الحرمين منتصف يوليو المقبل.
وقد حذَّرت صحيفة البناء اللبنانيَّة من فشل مفاوضات الدَّوحة، حيث أنَّ حينها “سيكون كافيًا لإيران أن تمضي بما تفعله دون تعديل، مزيد من التَّخصيب، مزيد من بناء القدرة العسكريَّة، مزيد من الاستثمار على قوة قوى المقاومة وتعزيز حضورها، والافادة بأعلى الامكانيَّات من أزمة سوق الطَّاقة وتضييق هوامش أثر العقوبات الأمريكيَّة، بينما سيكون على أمريكا مواجهة عواقب إعلان الفشل دون بدائل، مع خطر انفجار الموقف في أي جبهة احتكاك وخروجه عن السَّيطرة، أو توقُّع صدور خبر عاجل عن امتلاك إيران للقدرة النوويَّة الكاملة!”. ونتساءل: هل كان إفشال مفاوضات الدَّوحة متعمِّدًا لتبرير تدشين تحالُف عربي-إسرائيلي يمهِّد لتأسيس نظام الشَّرق أوسطيَّة، واستمرار النَّشاط النَّووي الإيراني دون رقابة، طالما يجد نظام ملالي الرَّافضة وسائل للالتفاف على العقوبات الأمريكيَّة؟ وهل سيحمي النَّاتو العربي دول المنطقة العربيَّة فعلًا من تهديد الرَّوافض؟!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى