مقالات

سوريا: ملف تزوير اﻷرواق الرسمية في ميزان الشريعة



أبو سعد الشامي
إن من بعض الأمراض التي انتشرت في المجتمع السوري في العشر سنوات الأخيرة وبكل أسف:
1- تزوير الشهادات العلمية بإختلافها طمعاً في وظيفة أو دخل مرتفع أو مكانة مرموقة مصادراً بذلك حق صاحب الشهادة الحقيقية.
2- تزوير الوثائق الرسمية وخاصة التي تتعلق بملكية وحقوق المهجرين قسراً في بلاد المهجر أو بغفلة من أصحابها ونقلها للغير طمعاً في حفنة من الدولارات.
وهذه الأفعال سواءً قام بها الأصيل أو المتدخل أو الوكيل تطالها القوانين الوضيعة بجرم التزوير واستعمال مزور وتتراوح عقوبتها بين الحبس والسجن عدا عن الغرامة والتعويض.
وفي الشرع الإسلامي الحنيف عقوبة دنيوية تعزيزية وعقوبة في الآخرة كما هو مبين في الفتوى الشرعية التالية:

  • (الحكم الشرعي لتزوير الوثائق والشهادات ) :
    الأصل في المسلم أنه صادق لا يكذب فإن الصدق فضيلة من أعظم الفضائل، والكذب رذيلة من أشنع الرذائل، وقد أمرنا الله بالصدق ونهانا عن الكذب يقول جل جلاله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} سورة التوبة الآية 119. وقال تعالى {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً} سورة التوبة الآية 35. وقال تعالى {طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} سورة محمد الآية 21.
    وثبت في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم. وعن أبي الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري مسلم. والكذب ليس من صفات المؤمنين الصادقين يقول الله سبحانه وتعالى: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} سورة النحل الآية 105.
    إذا تقرر هذا فإن التزوير فيه نوع من الكذب والتدليس والتلبيس والغش والخداع [فالتزوير في اللغة: مصدر زور، وهو من الزور، والزور: الكذب، قال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} وزور كلامه: أي زخرفه، وهو أيضاً: تزيين الكذب … وفي الاصطلاح: تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة. فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. وبين الكذب وبين التزوير عموم وخصوص وجهي، فالتزوير يكون في القول والفعل، والكذب لا يكون إلا في القول. والكذب قد يكون مزيناً أو غير مزين، والتزوير لا يكون إلا في الكذب المموه] الموسوعة الفقهية الكويتية 11/254- 255. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ضابط الزور: وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها، وقد يضاف إلى الفعل ومنه: لابس ثوبي زور، ومنه: تسمية الشعر الموصول: زوراً.] فتح الباري 10/506
    والتزوير من المحرمات ويدل على تحريمه قوله تعالى {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} سورة الحج الآية 30. وقوله تعالى في وصف عباد الرحمن {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً} سورة الفرقان الآية72.
    وورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور) رواه البخاري ومسلم. كما وصح في الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم.

قال الإمام الشوكاني في شرح الحديث [قوله: (وكان متكئاً فجلس) هذا يشعر باهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظيم قبحه وسبب الاهتمام بشهادة الزور كونها أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة، كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام به وليس ذلك لعظمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الإشراك قطعاً بل لكون مفسدته متعدية إلى الغير بخلاف الإشراك فإن مفسدته مقصورة عليه غالباً وقول الزور أعم من شهادة الزور لأنه يشمل كل زور من شهادة أو غيبة أو بهت أو كذب ولذا قال ابن دقيق العيد يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام لكن ينبغي أن يحمل على التوكيد فإنا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة كبيرة وليس كذلك قال: ولا شك في عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده ومنه قوله تعالى {ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً} . قوله: (حتى قلنا ليته سكت) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم والمحبة له والشفقة عليه.] نيل الأوطار 8/337-338. والتزوير يدخل تحت شهادة الزور قال القرطبي المحدث: [شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال, فلا شيء من الكبائر أعظم ضرراً منها ولا أكثر فساداً بعد الشرك بالله] فتح الباري 10/506. ومن المعلوم أن شهادة الزور من كبائر الذنوب كما بين ذلك وفصلَّه الشيخ ابن حجر المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/435-437
ولا شك أن تزوير الوثائق والشهادات داخل في شهادة الزور فهو من المحرمات كما أنه نوع من الغش وهو محرم وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار) رواه ابن حبان والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/164. وبهذا يظهر لنا أنه قد اجتمع في التزوير شرور كثيرة فهو كذب وغش وخداع ومكر وتضليل ويضاف إلى ذلك أنه قد يتوصل بالتزوير إلى أكل المال بالباطل
قال الله تعالى: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) سورة المائدة الآية 62. وقال تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) سورة المائدة الآية 63. وقال تعالى {سمَّاعون للكذب أكالون للسحت} سورة المائدة الآية 42. قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أكالون للسحت} أي الحرام وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. تفسير القرطبي 6/183. وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل جسدٍ نبت من سحت فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/831.
وخلاصة الأمر أنه يحرم تزوير الشهادات والوثائق وأن ما يترتب على التزوير من أموال فهي من السحت. والمزور مستحق لعقوبة تعزيرية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يوجد نوع من التزوير قد يخفى على الكثيرين من أبناء أمتنا و هو التزوير في ما يسمى “الأبحاث العلمية” و هو تزوير خبيث فيه ضرر هائل للأمة في عصرنا الحالي. قليل من إلقاء الضوء عليه :
    لم تتأسس الجامعات في بلادنا في هذا الزمن ، الذي سيطر و يسيطر فيه الاستعمار ، لتكون صروحاً علمية بمعنى الكلمة تخدم تقدم و نهوض الأمة و إنما لأهداف أخرى يطول الحديث عنها .
    الأصل في الجامعة أن تقوم بثلاثة نشاطات : التدريس ، الأبحاث ، و خدمة المجتمع .
    منتجات البحث العلمي – إن جرت في جامعات العالم العربي – هزيلة إلى أبعد الحدود لعدم وجود بنية تحتية حقيقية للأبحاث و خاصة في العلوم الطبيعية ” أحياء ، طب ، صيدلة …” و العلوم الفيزيائية ” فيزياء ، كيمياء ، رياضيات ، هندسة …” . بما أن شروط الترقية للأكاديميين تتطلب عدداً من الأبحاث المستجدة و المنشورة في المجلات العلمية ، لذلك لجأ من يفتقدون إلى الصدق و الأمانة إلى التظاهر بإنجاز هذه الشروط .
    توجد شبكات عصابات “أكاديمية” ممتدة من شرق الوطن العربي إلى غربه تتواصل فيما بينها و تتواصل مع باحثين في البلدان الأجنبية ” مثلاً الهند” و هؤلاء يبيعون الأبحاث بأسعار متفاوتة للأكاديميين النصابين “بحث منفرد من حيث المؤلف و هذا الأعلى سعراً، بحث مشترك ، بحث متعدد المؤلفين من بينهم من هو من خارج التخصص و هذا الأدنى سعراً ” . التزوير هنا أن الأكاديمي الدجَال لم يقم بعمل بحث و إنما اشترى البحث المعدَ للنشر .
    هنالك أيضاً أبحاث مزورة مستمدة من أبحاث منشورة في البلدان المتقدمة تقنياً يقوم فيها الأكاديمي الكذاب “الفصيح!!” بتغيير المفردات بالكلمات المترادفة و باستعمال “غوغل” للترجمة و هذه تحتاج إلى جهد كبير لإتقان التزييف و من باب الاحتياط يرسلها المخادع إلى مجلات غير مرموقة “معامل تأثيرها أقل” يكون أهم شيء عندها الحصول على المال من أجل النشر .
    طريقة ثالثة للتزوير ، أن يقوم ذو منصب – لديه قوة في جامعة عربية- بتسهيل إرسال أكاديمي شاب لجامعة في بلد متقدم تقنياً ليجري أبحاث أو ” لتبضع” أبحاث بشرط أن يوضع اسمه من ضمن المؤلفين مع أنه لا يعلم شيئاً عن مضمون تلك الأبحاث بل قد يعرف صاحب المنصب بوجود أكاديمي على وشك نشر بحث أو أبحاث فيقوم بابتزاز الأكاديمي بتعطيل ترقيته إن لم يكن اسمه من ضمن المؤلفين .
    التزوير في نشر هكذا أبحاث فيه خيانة للمؤسسة و للوطن و لن تستفيد الأمة منه شيئاً ، و المستفيد منها هو من “يترقى ، إذا جاز التعبير” بالرتبة (من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك إلى أستاذ دكتور أو بروفيسور) ليحصل على راتب أكبر بالحرام يأكل منه السحت هو و عياله و لينتفخ بلقب فارغ بالغش .
    لا يدرك هؤلاء المخادعون أن حياتهم عبارة عن كذبة كبيرة ، و إن أدركوا ذلك و أصرَوا على هذا المسار الباطل فهم سيكونون ممن ( يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) .
    يا ويل هؤلاء المزوَرين من الله يوم الحساب حين تبلى السرائر و حين لا تكون لديهم قوة و لا ناصر و حين يرى الله عملهم و ملائكته و رسله و المؤمنون و خلق الله أجمعون. يا له من خزي و عذاب !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى