مقالات

“ناتو شرق أوسطي” بوساطة أمير عربي

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

بعد جهد متميّز وملحوظ، وبعد رحلات وسفرات بين عدة قارات، تخللتها لقاءات ومباحثات سرية وعلنية، بين أمير دولة قطر مع زعماء دول أوروبيين على رأسهم الرئيس الأمريكي، ورئيس وزراء بريطانيا، وكذلك زيارته لجيرانه الإيرانيين، واستقباله لمسؤولين في دولة الملالي، نتيجة لكل ذلك، أخيراً تكللت جهود الأمير العربي بالنجاح، واستطاع بحنكته وصبره الستراتيجي أن يقرب مساحة الخلاف بين اللدودين الأمريكي والإيراني، وأن يذلل العقبات أمامهم كي يستأنفوا مباحثات البرنامج النووي الإيراني، ويعودوا لاتفاق “أوباما” مع “الملا الإيراني ” في العام 2015 الذي ألغاه “ترامب” في العام 2017 ليعود”بايدن” إلى التباحث حوله و العودة إليه بطريقة تتحقق فيها مصلحة الإيراني والأمريكي بما يتوافق ومستجدات المرحلة والظرف الإقليمي الراهن.

أن يقوم أمير عربي بهكذا مبادرة لرأب الصدع بين أعداء طالت الخصومة بينهم لأكثر من أربعين عاما،ً هو أمر جيد وخيّر ،مستلهماً حدثاً تاريخياً مثل الذي قام به شيخ قبيلة بني بكر،” الحارث بن عباد”
الذي أنهى حرب “البسوس” التي دامت أربعين عاماً بين “بني تغلب” وبني بكر” بحكمته وسعة صدره وتسامحه، لذلك ليس غريباً على أمير قطر أن يحذو حذو جدّه “الحارث ابن عباد” في مثل هكذا عمل خيّر.


ولكننا نذكر الأمير بأن الأمريكيين ليسوا بني تغلب، ولا الإيرانيين “بني بكر”، بل هم قتلة مجرمون استباحوا دم العرب-سواء أكانو “بكريين” أو “تغلبيين” منحدرين من بني عدنان أو من بني قحطان، لا فرق في ذلك، فالعربي لا قيمة له عند الأمريكي ولا عند الفارسي، وعلى وجه الخصوص الفارسي المتعصب لفارسيته، والذي هو أشد عداوة وأكثر كرهاً للعربي .
وللتذكير أيضاً -وهذا لا يخفى على سمو الأمير- أن
الوسيط الذي يحل الخلافات والنزاعات بين المتخاصمين، غالباً ما يتحمل تبعات الحل وتكاليفه، فهل سيتحمل الأمير العربي كلفة المصالحة؟.. وهل سيدفع ديّة “قاسم سليماني” الذي قتله الأمريكي؟ وكذلك ديّات القتلى الإيرانيين الذين اغتالتهم أجهرة المخابرات الصهيونية؟ هل سيقوم بذلك كي يجبر خاطر الإيراني ولكي يحفّزه على المضي في المصالحة مع الأمريكي؟
لقد جاءت المبادرة القطرية فجأة وعلى جناح السرعة، في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن تشكيل “ناتو شرق أوسطي” لدرء الخطر الإيراني، بعد أن تعثرت مسيرة التفاوض حول ملف إيران النووي، جاءت المبادرة لتختطف الراية من يد الدول الأوروبية الخمسة التي أمضت سنوات وهي تحاول تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، ولكنها لم تفلح في ذلك، ووصلت في ذلك إلى طريق مسدود، وكادت أن تعلن عن فشل مهمتها، لولا أن قيّض الله لها هذا الأمير الذي أنقذ المباحثات من الوصول إلى حالة الإنهيار.

ترى لماذا يقوم هذا الأمير بهذه المساعي الحميدة ليؤلّف بين متخاصمين هم من ألدّ الأعداء للعرب؟ ذلك أمر فيه الكثير من الغرابة!.. لماذا وماهي مصلحتك يا سمو الأمير؟ في سعيك لكي تقرّب بين هؤلاء لينهوا الخصومة ويتفقوا على حل النزاع القائم بينهم؟..


اعلم ياصاحب السعادة، أن اتفاقهم هذا سيأتي بالويلات علينا جميعاً نحن العرب، وستكون أولى ضحاياه كيانات دول الخليج ومنها إمارتك أيها الأمير!
كان عليك ألّا تكون وسيطاً بين هؤلاء المجرمين، وألّا تتناسى ما فعلوه ببني جلدتك وأشقائك في العراق وسوريا على وجه الخصوص.
أُنبيك أيها الأمير، أن الأمريكي لن يكنّ لك الاحترام تقديراً لجهودك، وأن الإيراني سيسعى إلى ضمّك لقطيع أتباعه بعد أن يحصل على مبتغاه من هذا الإتفاق، الذي تلعب فيه أنت دور الوسيط.
نذكّرك سمو الأمير أن شعب سوريا وكذلك شعب العراق هم ضحايا هؤلاء القتلة الذين تسعى لحل النزاع بينهم.
نتمنى ألّا تتكلل جهودك بالنجاح، وألّا يكون هناك اتفاق بين الأمريكي والإيراني كيلا تتعاظم علينا شرور هؤلاء المجرمين، وألّا يتولّى زمام أمورنا من لا يحسن التدبير، ولا قاصر التفكير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى