مقالات

من حشيش “فيسبوك” إلى كوكائين “التيك توك”

أُعلن في الأمس عن تصدّر خابي لام قائمة الحسابات الأكثر متابعة على منصّة تيك توك. العنوان الذي اختاره التراصوت لنقل الخبر أكّد على أنّ هذا النجاح الذي حققه الشاب السنغالي، المغمور تمامًا قبل ثلاث سنوات فقط، هو نجاح “من دون كلام”: نجاح صامت، أو حصل رغم كونه صامتًا، وهو ما رآه كثيرون دليلًا جديدًا على الإمكانات الهائلة والفريدة التي يتمتع بها تطبيق تيك توك في صناعة نجوم الإنترنت والمؤثرين. 

تجاوز عدد متابعي خابي لام على المنصّة 144 مليونًا، محطمًا للسيطرة المطلقة التي حازت عليها الراقصة الأمريكية المحترفة تشارلي داميليو

الأمر ليس بسيطًا. فقد تجاوز عدد متابعي خابي لام على المنصّة 144 مليونًا، محطمًا للسيطرة المطلقة التي حازت عليها الراقصة الأمريكية المحترفة تشارلي داميليو، والتي حققت أرقامًا وثروة مذهلة على منصة تيك توك، وهي لم تبلغ بعد عشرين عامًا من عمرها، وأنشأت هناك مع أسرتها إمبراطورية أعمال ضخمة. أما خابي فقد أوصله تيك توك، بلا كلام، إلى مهرجان كان السينمائي، عضوًا في لجنة تحكيم، وصار مرشحًا لتعاقدات محتملة قادمة للتمثيل في هوليوود إلى جانب ويل سميث.

تتزايد أهمّية هذه الأرقام والإنجازات التي أحرزها خابي وقبله داميليو بفضل تيك توك، حين نتذكر أننا نتحدث عن شخصيات “عادية”، ونجوم “صدفة” لا أكثر، أي أنهم ليسوا أشخاصًا مكرسين في عوالم النجومية المعروفة، مثل الرياضة أو السينما أو الموسيقى. أما الأرقام الضخمة التي حققوها، فيتزايد العجب منها عند مقارنتها بأعلى الأرقام في المنصّات الكبرى الأخرى، لاسيما فيسبوك وإنستغرام، مع ضرورة الأخذ بالاعتبار دومًا أن تيك توك تطبيق ناشئ، لم ينطلق سوى قبل خمس سنوات فقط.

ففي غضون بضعة سنوات ماضية، تمكن تيك توك من بسط هيمنته في عالم السوشال ميديا وجذب المستخدمين من مختلف الفئات العمرية، مع استثمار واضح باستقطاب الفئات الأصغر سنًا، ودون إهمال للفئات الأخرى (مؤخرًا نجح تيك توك في استقطاب أعداد كبيرة من المستخدمين الأكبر عمرًا من كلا الجنسين). هذا النجاح يثير حفيظة المنافسين وقلقهم، وخاصة فيسبوك، ويدفعهم نحو التحوّل إلى هذا النموذج الذي فرضه تيك توك، أي التحوّل بشكل كامل إلى عرض مقاطع الفيديو القصيرة، التي تبدو سرمديّة للمستخدم، بمعنى أنها مقاطع لا بداية لها ولا نهاية، وتتوفر كلّها لأي مستخدم ومنذ لحظة تنزيله للتطبيق، حتى دون الحاجة إلى التسجيل وإنشاء حساب.

ثمة أسباب عديدة لهذا النجاح الكبير الذي يحققه تيك توك، الذي يمكن تقدير مداه باستعراض بعض الأرقام الخاصة بتوزيع المستخدمين على الفئات العمرية وعلى النوع الاجتماعي. فبحسب الأرقام التي تعلن عنها شركة بايت دانس المالكة لتيك توك، وهي الشركة الناشئة الأعلى قيمة في العالم، (360 مليار دولار)، فإن 60% تقريبًا من مستخدمي التطبيق من الإناث، و43% من مجموع المستخدمين بين عمر 18 و24 عامًا، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 3.4% فقط للمستخدمين فوق 55 عامًا.
حقيقة هذا التفوق المطلق والجدير بالانتباه لتطبيق تيك توك، باعتباره تفوقًا مقلقًا من الناحية التنافسية للمنصات الأخرى، ومقلقًا باعتبار الآثار المرتبطة بنموّ هذا التطبيق وآثاره النفسية الاجتماعية والنفسية العديدة، تعود إلى مسألة تتجاوز التوزيع الديمغرافي للمستخدمين، وتتمثّل بالنجاح في تطوير شكلٍ رقميّ قادر على سلب انتباه المستخدمين واهتمامهم لأطول فترة ممكنة، وبأقل جهد ممكن. أليس هذا باختصار كل ما تسعى تطبيقات التواصل الاجتماعي لتحقيقه؟ أليست هذه عملتها الأساسية: الانتباه والوقت؟ 

تيك توك فعل ذلك وزيادة، وأعلن الحرب منذ اللحظة الأولى على جميع المنافسين، وأمهلهم بضع سنوات قبل أن يعترفوا بهذه الهيمنة للقادم الجديد من الصين. فقد قررت إنستغرام طرح خاصية “الريلز” في 2020، وهو التوجّه الذي وصلت عدواه إلى فيسبوك مؤخرًا، بعد أن كشفت وثائق مسربة عن وجود خطط لدى الشركة للتحوّل إلى منصّة أقرب إلى تيك توك في محتواها وشكلها. ورغم صعوبة اللحاق اليوم بالعملاق الصيني، إلا أنّ التحوّل يبدو حتميًا.

صعوبة هذه المنافسة وعلوّ يد تيك توك فيها، عائد إلى أن الأخير أحرز قصب السبق في مضمار الاستيلاء على مناجم “الانتباه” لدى البشر، وهي مناجم محدودة بمحدودية أعداد المستخدمين ومحدودية قدرتهم على متابعة التطبيقات بالتساوي. فثمّة تطبيق في نهاية المطاف سيكون له التفوّق النسبيّ على البقيّة في حجم الوقت الذي يقضيه المستخدمون. والأرقام المتوفّرة توضح المقصود: مستخدمو تيك توك يقضون بالمعدّل 52 دقيقة على التطبيق يوميًا، و90% يترددون على التطبيق أكثر من مرة كلّ يوم. كل جلسة على تيك توك تستغرق 11 دقيقة على الأقل بالمعدل. 11 دقيقة على تيك توك تعني مشاهدة 26 مقطع فيديو على الأقل لو اعتبرنا أن معدل طول كل مقطع هو 25 ثانية.

وفق الأستاذ سكوت غالوي، فإن هذه الأرقام تعجز عن تحقيقها كل من فيسبوك، وإنستغرام، مجتمعتين! كما أن عدد المستخدمين النشطين للتطبيق شهريًا قد تجاوز 1.6 مليار، وهو أكثر مما تحققه تطبيقات تويتر وسنابشات ولينكدإن معًا.

إن كانت تطبيقات مثل يوتيوب وإنستغرام وفيسبوك هي “حشيش” المستخدمين، فإن تيك توك هو “كوكايين” هذا العالم الرقمي

هذه الحقيقة التي تؤكّدها الأرقام يختصرها مقال نشر مؤخرًا على الغارديان البريطانية بتشبيه مجازي طريف سائد عند الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي. فإن كان استخدامها نوعًا من الإدمان حقًا، فإن تطبيقات مثل يوتيوب وإنستغرام وفيسبوك هي بمثابة “الحشيش” بينها، أما تيك توك فهو “كوكايين” هذا العالم الرقمي. وعلى الرغم مما تنضوي عليه هذا المقاربة المجازية من إجحاف بحق تيك توك، بافتراض أنّه أكثر أذى مقارنة بسواه من التطبيقات، إلا أنّ قرار بقيّة التطبيقات اللحاق به واعتماد خوارزميات شبيهة بالتي يعتمد عليها، يضعهم جميعًا في سلّة واحدة. فالكلّ يريد أن يصبح “كوكايين” المستخدمين، أيًا كانت الوسيلة، ومهما كانت التكلفة.

المصدر: ألترا صوت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى