مقالات

“تسليح الثورة” بين التخطيء والحتمية

سامي محمد عادل

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

لقد كان تسليح الثورة السورية من أكثر الجدالات طرحاً بعد انتهاء الأشهر الأولى للثورة، إذ انقسم أنصار الثورة أفراداً وجماعات بين مؤيد ومعارض وداعم مشجع ومتردد متخوف، فالأمر كما رأينا كانت له مآلات كارثية على جميع الأصعدة، وكان الكثير من الناس يدرك مخاطرها مسبقاً، ولكن ورغم آراء الجميع فإن التسليح أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره.

لمحة تاريخية

ولا بدّ من لمحة تاريخية لبداية القصة فمع انطلاق أولى المظاهرات السلمية اختار النظام سردية الإرهاب والتخريب وكان دأب الناشطين والمتظاهرين نفي هذه التهمة عن المظاهرات لحشد الرأي العام العالمي ضد النظام، وهو ما كان ولكن القمع المستمر والإفراط في استخدام القوة وإدخال الجيش للصراع أدى لحصول انشقاقات في صفوف قوات الجيش، وبدأ المنشقون يشكلون مع أبناء المناطق الثائرة مجموعات مسلحة بهدف مواجهة العنف.

وهنا دخلت الثورة السورية في نقطة اللاعودة في بكل ما في الكلمة من معنى فالإنسان الذي يحمل السلاح ضد الحكومة هو إنسان فقد الأمل بإصلاحها نهائياً ومع مقابلة العنف بالعنف ازدادت المعارك والاشتباكات ضراوة وكبرت الفصائل المقاتلة وانضمت قوى جديدة إلى الصراع مع الطرفين أو بأجندة مستقلة عن الثورة، وأيضاً عن النظام حتى بلغت الحالة في سوريا ما بلغته لاحقاً.

موقف النظام من التسليح

لقد تبنّى النظام منذ اللحظة الأولى رواية العصابات المسلحة وسعى إليها بشدة فأفرج عن المعتقلين الذين يدرك تماماً أنهم سيحملون السلاح ضده، لأن التعامل مع حركة مسلحة يعني شرعنة استخدامه للعنف أكثر وغربلة صفوف مؤسساته العسكرية والأمنية خصوصاً من المصلحين والمتعاطفين مع الثورة.
وهناك شواهد كثيرة على تسهيل النظام لعمل التنظيمات المسلحة ذات الفكر التكفيري بالذات ليتمكن من تجريد الثورة من سماتها المحقة بأنها حراك نضالي مسلح لتحقيق الحرية والقضاء على نظام ديكتاتوري مستبد، وصبغها بصبغة التطرف والإرهاب وبالتالي تشويه صورتها وحرمانها من الدعم الدولي، وذلك بعد أن نجح في نزعها من الصيغة السلمية.

النظام والإصلاح

إن تركيبة النظام الذي شكلها حافظ الأسد قائمة على توازن دقيق معتمد على تمركز الطائفة العلوية في مواقع القوة المركزية وعلى الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة والأفراد العاملين فيها وهذا ما يمكّن النظام من السيطرة على جميع الموظفين وضمان ولائهم للوضع الحالي وإقصاء أي شخصية لا تعجبه في أي وقت وبالغطاء القانوني المطلوب، ولا يجب إغفال أهم عامل في تركيبة النظام ألا وهو القمع والاستبداد المبنيان على إطلاق يد القوى الأمنية بشكل كامل دون أي رقابة أو محاسبة.

وهذه التركيبة تجعل من أي إصلاح مهما كان، أمراً مستحيلاً تحت مظلة النظام، ولعل ربيع دمشق وما آل إليه هذا الحراك لاحقاً أكبر شاهد على هذه الفكرة، فمحاولة بشار الأسد للتغيير ولتجربة نظامه الخاص بالحكم والتحرر من أسلوب والده أثبت فشله ووسبب له اصطدماً مع رجالات والده المخلصين”الحرس القديم”، واقتنع بشار الأسد بأن تجربة أي مساحة للحرية في سوريا أمر مستحيل فعمل على تبديل الحرس القديم لوالده دون تغيير الأسلوب وهذا معنى العبارة المشهورة القائلة بأن، “حافظ الأسد يحكم سوريا من قبره”.

حتمية التسليح 

وكل ما سبق يقود نحو نتيجة واحدة وهي أن المشاكل التي يعاني منها هذا النظام، ليست أمراضاً يجب معالجتها للتحقيق الحرية والعدالة والاستقرار والازدهار ولكنها جزء من تكوينه لا وجود له دونها فهي قلبه ورئتاه، عقله وعيناه ويداه، وهذا يجعل أي تغيير سلمي أو داخلي أمر مستحيل، وأن تحقيق حقوق الشعب السوري مستحيل في وجود هذا النظام، ونهاية هذا النظام يجب أن تكون بالقوة وبالسلاح لأن أعتى الأزمات والهزات لا يمكنها اقتلاعه، وخراب سوريا وتقسيمها كما رأينا لم يحقق هذه الغاية فهذه الطغمة التي تحكم سورية لن تتنازل سلماً ولن تعتزل إلا على جثثها.

لا شك أن تسليح الثورة حمل الكثير من الدمار والخراب والدماء والمآسي، ولكن ما حصل فيها كان الكشف عن ظواهر مدمرة، رباها النظام لعقود في المجتمع السوري، وهذه المشاكل سيتوجب علينا كسوريين التعامل معها عاجلاً أم أجلاً لأن النظام لم يكن يعالجها بل يراكمها ويخمدها بقبضته الأمنية، ولذلك لا يمكن أن نعتبر تسليح الثورة خطأ بل حتمية وخياراً وحيداً لم يترك النظام للسورين غيره، وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كندي (أولئك الذين يجعلون الثورات السلمية مستحيلة، سيجعلون الثورات العنيفة حتمية.) فلا يمكننا أن نلوم الضحية على محاولته للانتصاف لنفسه في عالم لا وجود فيه للعدالة إذا لم يصنعها المظلوم لنفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى