مقالات

أمُّ الأزمات.. أزمة الذوق العام

أسعد المبارك_ كاتب عراقي|

إن الذوق العام خلق إنساني جميل، وتبرز من خلاله الأخلاق الحسنة عند المتحلي به، فتظهر آثاره ومظاهره على سلوك صاحبه، وتعامله الحسن مع الآخرين، مما يكون محل تقديرهم واحترامهم وثنائهم العاطر عليه.
غالبًا ما ينصرف الذهن عند سماع كلمة ذوق، إلى الذوق المادي، الذي يرتبط بالحواس وأولها اللسان، فيقال: ذقت الطعام أذوقه ذوقاً ومذاقاً إذا عرفته، غير أن مقصدنا ينصرف إلى أكثر من هذا التخصيص الحسي؛ إلى الذوق المعنوي العام و المشترك، وهو بصفة عامة جزء من ثقافة الإنسان التي تتحكم فيها: خلفيات، وعقــائد، وأعراف…، و إذا كان المعنى الأول محله: الحواس، فإن الثاني محله: العقل و القلب والروح، وهو بهذا المعنى وما يوحي إليه من دلالات؛ فضيلة وقيمة نفيسة تسمو بالإنسان، تجعل لوجوده معنى ولسلوكه طعما.
والذوق كلمة موحية بالجمال واللطف وحسن الخلق وسلامة التصرف، وتحيل دلالاتها على كل معاني النبل الإنساني، والرقي الروحي الذي به فضل الإنسان عن سائر الكائنات، لم تنبذها النفوس أو تمجها العقول، ما دامت على عهد الفطرة ودرب الصفاء، وما دام لم يطلها غبش الانحرافات البشرية غير البريئة.

تسربت قيم دخيلة ومتدنية إلى المجتمع لتطفوا على السطح وتزعج الجميع المظهر والملابس تبدلت.. كانت في الماضي ملابس النساء تتمتع بالحرية من غير بذاءة، وبَعُد مظهر الرجال والشباب في الغالب عن الوقار والاحترام لتظهر الملابس الممزقة المتسخة.
وتغيرت اللغة لتفوح من الأفواه ألفاظ كريهة، واستبدلت الكلمات العربية والعامية بلغة خليطة مسخ مشوهة لا أحد يعلم مصدرها.
وعمّ السباب والشتائم في الشوارع وفي الفنون على حد سواء وصار أبطال السينما من أصحاب السوابق والبلطجية وصلت الأصوات المنكرة محل الطرب والشجن في مهرجانات الفوضي والصراخ.
وكانت الأسرة تتجمع مع بعضها وتتناقش في كل شيء وتتبادل الآراء بينهم، ولكن اليوم تحولت تلك العادة الدينية والاجتماعية التي تحمل في طياتها العديد من الصفات والسمات الهادفة، لعادة مملة للأجيال الجديدة، ويكاد الأبناء لا يشاهدون آباءهم إلا دقائق معدودة في اليوم أو الأسبوع، وأصبحت وسيلة التواصل بينهم «الموبايل» من خلال أي من برامج التواصل به.
قال تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) [سورة النحل : 90 ].

وتلعب الدراما سواء التى تقدم من خلال السينما أو التليفزيون دوراً مهماً في تشكيل صورة الأخلاق في المجتمع، كما يعتبر الفن بشكل عام طرفاً مهماً في المعادلة، وقد شهد المجتمع انحداراً شديداً فى المحتوى الفنى.. يرجع إليه كثير من الآراء السبب الرئيس فيما تشهده الأخلاق من تغير للأسوأ فمن أغاني المخدرات والكيف والجنس في المهرجانات إلى تقديم نماذج البلطجية والسوابق كنجوم وأبطال في الدراما!

إن انتشار الأفلام والمسلسلات الهابطة، والتي كانت سبباً رئيساً في انتشار الألفاظ البذيئة والأخلاق المتدنية، وبث أسوأ ما في المجتمع، وتجسيده في أفلام رخصية، تحت مسمى رصد الواقع، إن تلك الأفلام تدعو إلى نشر العنف والبلطجة والرذيلة وغيرها من الأنماط المجتمعية، اليوم نجد الضرب والقتل والألفاظ الخادشة والمشاهد التي تخدش الحياء في أغلب الأفلام والمسلسلات بشكل عادي جداً وكأنها جزء من سمات المجتمع.

إن من ضمن العادات التي تغيرت للأسوأ هي الألفاظ البذيئة التي تقال في الشارع بصورة عادية جداً، ان تلك الألفاظ البذيئة جاءت من أفلام البلطجة التي تقال في أحداث وسياق المسلسلات والأفلام.
وصدق رسول الله ــ صل الله عليه وسلم ــ حيث يقول:(إنما بعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق).

وتلعب الألعاب الإلكترونية دوراً مؤثراً في صياغة الذوق العام، وغفلة الآباء، وعدم معرفتهم بخطر هذه الالعاب ، أو إحسان الظن بها، أو أنها تنمي قدرات الاطفال ، وتثقفهم ، وتوسع مداركهم ، جعل الاطفال والشباب يدمنونها بلا رقيب ولا حسيب. فبعض الألعاب لا تخلو من مخالفات شرعية خطيرة وكفرية، كتجسيد الذات الإلهية على شكل إنسان مجرم وظالم، أو ضعيف مسلوب القوة والإرادة ونحو ذلك تعالى الله عما يفعلون، أو تجسيد النبي صلى الله عليه وسلم بشكل لا يليق به، أو تصوير الصحابة رضي الله عنهم بشكل مهين ، كما أنها لا تخلوا من ظهور الأصنام والصلبان ، وكل ذلك بهدف الطعن بالدين الإسلامي.
ونشر صور نسائية عارية أو شبه عارية، لكي تصبح مشاهد العري مألوفة لدى الأطفال والشباب. وانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والخمور، وتجسيد الشذوذ والإلحاد فيها ، مما يجعلها أمرا مقبولا لدى اللاعبين. وينتشر السب والشتم في بعض الألعاب الإلكترونية بشكل كبير، فيتعود اللاعب على سماعها ومن ثم النطق بها. وتعتمد بعض الألعاب على الإثارة والمغامرة، من خلال السرعة والتهور في قيادة المركبات، وقطع الاشارات المرورية، والهروب من الدوريات الامنية ونحو ذلك ، فتربي الأبناء على مخالفة النظام. وبعض هذه الألعاب تغذي العنف، وتحث على الانتقام، وتسهل القتل والتمثيل بالجثث. بعض هذه الألعاب تسهل قضية سرقة أو سلب السيارات، وأن ذلك يعتبر شجاعة ورجولة. وبعض هذه الألعاب تعتمد على حركات معينة، فيقلد اللاعب هذه الحركات وخصوصا الأطفال فتسبب لهم فرط في الحركة.
بعض الآباء بحسن نية يفضل هذه الألعاب على مخالطة الآخرين ، خوفا عليهم من الرفقة السيئة ، لكنه نسي أو غفل على أن هذه الالعاب لا تخلو من أخطار لا تقل عن خطر الرفقة السيئة، بل قد تزيد، فعلى ولي الأمر أن يراقب نشاط أبنائه مع زرع الثقة فيهم ، ولا يمل أو يكل من نصحهم وتوجيههم ومتابعتهم، خوفا عليهم وحفظا لهم، وأن يشاركهم ألعابهم، وأن يجعل باب الحوار والمصارحة معهم مفتوح، مع تأمين البدائل النافعة والمقبولة لديهم من الألعاب المناسبة.

إن من أسوأ العادات الجديدة، هو نظرة الأشخاص لبعضهم، ماذا عند الآخرين، كما أن الجميع اليوم أصبح يحب المظاهر، التي قتلت كل المعاني الجميلة، وأصبح الإنسان يقيم بماركة القميص الذى يرتديه، ونوع الهاتف الذى في يده.
كما أن الفتيات اتخذن من الموضة العالمية ستاراً لهن لكي يغيرن مفاهيم الذوق، وراحت ترسم لنفسها ذوقاً خاصاً في ارتدائها ملابسها خليطاً من الأوربي والأمريكي، وأصبحنا نجد الفتاة محجبة وفي ذات الوقت ترتدي بنطلونات مقطعة، حتى صار هناك نكات تطلق عليهن (الفتاة محجبة ولكن البنطلون تمزق من كثرة السجود)!

وصلت حالة التدهور الأخلاقي إلى الاختلاف، والإساءة، وإهانة واحتقار الآخر، والاستهزاء، والتكهم، وعدم احترام كبار السن، والسخرية من الأنماط المجتمعية، وعدم قبول الآخرين، مما يتطلب تضافر كل الجهود من أجل ضبط السلوك الاجتماعي، وذلك من خلال المؤسسة التعليمية، التي عليها عبء تربية نشء جديد، إلى جانب دور الأسرة وهو الأكثر أهمية، بخلاف دور المؤسسة الثقافية في التوعية والتنوير، ومراقبة المضامين الإعلامية والوسائل الإلكترونية، وأيضاً دور الأندية الرياضية في تنمية الولاء والانتماء لدى الشباب من الجنسين، بما يهدف إلى إعادة غرس الأخلاق والقيم الإيجابية داخل المجتمع، ومواجهة الصعوبات.
قال الرسول صل الله عليه وسلم: (إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً).

وظهرت في الآونة الأخيرة حدوث تجاوزات في السلوك، أو إطلاق ألفاظ غريبة على أخلاقنا وتقاليد وثوابت مجتمعنا العريق من فقدان توقير واحترام الكبير وأدب الحوار واعتراض طريق السيدات في الشوارع.. كل هذه نماذج شاذة يرفضها المجتمع شكلاً ومضموناً.
وقال الرسول صل الله عليه وسلم : (ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا).

واحترام الذوق العام يعبر عن التزام الإنسان الأخلاقي، والتحلي بالآداب العامة، ومراعاة ما هو لائق وغير لائق مما تعارف عليه الناس وجرى مجرى العرف بينهم.
والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى