سياسة

جولة ابن سلمان الإقليميَّة والتَّحالف العربي-الإسرائيلي ضدَّ إيران

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


قام وليُّ العهد السَّعودي، الأمير محمَّد بن سلمان، بجولة إقليميَّة استمرَّت 3 أيَّام، شملت مصر والأردن وتركيا، تناوَل خلالها وليُّ العهد الشَّاب والحاكم الفعلي للمملكة الخليجيَّة أهمَّ الملفَّات الإقليميَّة ذات الاهتمام المشترك مع زعماء الدُّول الثَّلاث، الَّتي يعتنق السَّواد الأعظم من مواطنيها المذهب الإسلامي السُّنِّي، وربَّما كان ملفُّ التَّهديد النَّووي الإيراني على رأس الملفَّات الَّتي تطرَّقت إليها مباحثات الأمير محمَّد بن سلمان مع زعماء الدُّول المذكورة. وقد رأى محللون أنَّ جولة وليُّ العهد الشَّاب جاءت في هذا التَّوقيت، قبل زيارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، للمنطقة العربيَّة في يوليو المقبل، بهدف توحيد الموقف العربي- السُّنِّي في مواجهة التَّهديد الإيراني للمنطقة. وكان البيت الأبيض قد أعلن رسميًّا مؤخرًّا عن أوَّل زيارة للرَّئيس الأمريكي للمنطقة العربيَّة منذ تولِّيه الحُكم في يناير 2021م، خلال الفترة ما بين 13 و16 يوليو 2022م، والَّتي سيبدأها بزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي والضَّفَّة الغربيَّة المحتلَّة، ثمَّ يتّجه إلى جدَّة، حيث تستضيف المملكة العربيَّة السَّعوديَّة القمَّة المقبلة لمجلس التَّعاون الخليجي، بمشاركة مصر والأردن. وقد تكهَّن البعض بافتراض أنَّ تلك الجولة من شأنها التَّمهيد لتدشين تحالُف عسكري إقليمي يضمُّ دول المنطقة الأكثر عرضةً للعدوان الإيراني، وهي دول الخليج العربي السِّت ومصر والأردن والعراق ودولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يُقال إنَّ من بين أهمِّ أهداف زيارة بايدن للمنطقة التَّقريب بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال لإدماج الأخيرة في محيطها العربي- السُّنِّي، بذريعة مواجهة التَّهديد الإيراني، لا سيِّما بعد ترويج الإعلام الغربي لأقاويل عن استعداد إيران لتطوير قنبلة نوويَّة خلال أسابيع.
حفاوة عربيَّة بجولة وليِّ العهد السَّعودي في المنطقة
تناولت العديد من الصُّحف العربيَّة جولة الأمير محمَّد بن سلمان في المنطقة باحتفاء كبير، الَّتي رأت أنَّها ترمي إلى تعزيز العلاقات مع الشّركاء الإقليميين، في مرحلة حرجة يشتدُّ فيها التَّهديد الإيراني لدولة المنطقة. فقد نشرت صحيفة الرِّياض السَّعوديَّة مقالًا أشادت فيه بخطوة وليِّ العهد الشَّاب، معتبرةً أنَّ هدفها هو ترسيخ “الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة كافَّة”، في مواجهة “تحديات المرحلة الرَّاهنة، وما يشهده العالم من تنافُر وتجاذبات وتحالفات عسكريَّة، تربك أي حسابات، ويتوقع معها وقوع الأسوأ دائمًا”، في إشارة ضمنيَّة إلى عدوان دولة ملالي الرَّافضة والمليشيات التَّابعة لها. في حين صرَّحت صحيفة الرَّأي الأردنيَّة بأنَّ تلك الجولة من شأنها التَّمهيد لزيارة جو بايدن للمنطقة في يوليو المقبل، حيث كتبت “تأتي الجولة، في وقت، ربما تكون فيه المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، تستبق، ما يمكن وصفه بالجولة الإقليميَّة السِّياسيَّة الَّتي أعلنها البيت الأبيض، تمهيدًا لزيارة الرَّئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة، وهي زيارة سياسيَّة سيلتقي خلالها الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، مع قادة دول مجلس التَّعاون الخليجي ومصر والأردن، ورئيس وزراء العراق”. ويثير هذا التَّأكيد لتمهيد تلك الجولة لزيارة بايدن للمنطقة بعد أسابيع التَّساؤل عن إمكانيَّة تدشين التَّحالف الاستراتيجي للشَّرق الأوسط، أو النَّاتو العربي، بمشاركة إسرائيل، الَّذي مهَّدت له قمَّة النَّقب نهاية مارس الماضي، بمشاركة وزراء خارجيَّة مصر والبحرين والإمارات والمغرب، بحضور وزير الخارجيَّة الأمريكي وفي ضيافة وزير الخارجيَّة الإسرائيلي.
زيارة بايدن والتَّمهيد لتطبيع السَّعوديَّة مع إسرائيل
كشف مسؤول أمريكي رفيع المستوى عن أنَّ أحد أهداف زيارة جو بايدن للمنطقة العربيَّة هو ضمِّ مزيد من دول المنطقة إلى اتِّفاقيَّات أبراهام، الَّتي بدأت بإعلان الإمارات والبحرين والمغرب والسُّودان التَّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أواخر عام 2020م. لم تستبعد السَّعوديَّة الانضمام إلى الاتِّفاقيَّات، لكن اشترطت حلِّ قضيَّة عرب فلسطين بإعلان دولة فلسطينيَّة على حدود 5 يونيو 1967م، وفقًا لبنود المبادرة العربيَّة لعام 2002م، كما صرَّح وزير الخارجيَّة السَّعودي، الأمير فيصل بين فرحان، في أكثر من مناسبة، آخرها كان خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا في مايو الماضي. وبناءً على ذلك، ليس من المتوقَّع أن تكون السَّعوديَّة إحدى دولتين عربيَّتين أعلنت بربرا ليف، نائب وزير الخارجيَّة الأمريكي لشؤون الشَّرق الأوسط، عن إجراء مباحثات معهما للانضمام إلى اتِّفاقيَّات أبراهام قريبًا، نقلًا عن موقع ذا تايمز أوف إسرائيل الإسرائيلي. مع ذلك، فمن المؤكَّد أن زيارة بايدن للسَّعوديَّة بعد الأراضي المحتلَّة ستعمل على مدِّ جسور التَّعاون بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال، على الأقلِّ في المجال الأمني في مواجهة التَّهديد الإيراني، على أن يأتي التَّطبيع العلني الكامل في مرحلة لاحقة. وما يبرهن على التَّقارب السَّعودي-الإسرائيلي المتواصل نشْر تسيبي ليفني، وزيرة خارجيَّة دولة الاحتلال السَّابقة، صورة تجمعها برئيس جهاز الاستخبارات السَّعودي الأسبق، الأمير تركي الفيصل، نجل الملِك فيصل بن عبد العزيز الملقَّب بـ “شهيد القُدس”، في مدينة باكو، عاصمة أذربيجان. وهذه ليست المرَّة الأولى الَّتي تُنشر فيها صورة تجمع بين تركي الفيصل وأحد كبار سياسيي دولة الاحتلال.
ونتساءل: هل يُبعد التَّحالف العربي-الإسرائيلي العسكري عن دول المنطقة العربيَّة شبح التَّقسيم وفق مخطَّط تدشين مشروع الشَّرق أوسطيَّة؟ أم يكون مآل تدشين التَّحالف تشجيع إيران على مزيد من العدوان تجاه جيرانها العرب، لا سيِّما السَّعوديَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى