مقالات

من ذاكرتي في سورية

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

في شهر ديسمبر 2002 دعاني البرلمان الألماني (البوندستاغ) لإلقاء محاضرة، بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد وصفت فيها النظام في سورية بأنه ( فاشي استبدادي شمولي ) وبعد عودتي إلى دمشق استدعاني الأمن السياسي ثم جرى منعي من السفر.
وبعدها بمدة، كلفتني رئاسة الوزراء الفرنسية لكتابة بحث حول التعذيب وسبل منعه، وكتبت البحث ولم أستطع السفر إلى باريس بسبب منعي من السفر، مما دفع بالسفير الفرنسي في دمشق لإقامة تكريم لي في منزله حيث قدم لي ميدالية من الرئيس الفرنسي تقديرًا للبحث الذي قدمته، وألقيت كلمة في الحفل شكرت فيها الرئاسة الفرنسية على هذه الالتفاتة الكريمة .
ثم دعتني منظمة ( خوزن فير زيت) الهولندية لتقدم لي جائزتها السنوية (وسام المقاومين السلميين) ، وتدخل السفير (فرج فنيش ) ممثلًا لرئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لرفع منع السفر عني ،وحدّثني بأنّه حصل على وعد قاطع من وزيري الخارجية والداخلية السوريين برفع حظر السفر عني والسماح لي بالسفر، وقبل موعد الحفل اتصل بي من جنيف وطلب مني التوجه للمطار من أجل السفر إلى هولندا .
أرسل لي السفير الهولندي سيارته صباح اليوم التالي ، وتوجهت للمطار، وهناك لم يسمح لي بالمغادرة، وقد تحدث إلي أحد ضباط الشرطة وهو لا يكاد يرفع نظره من الأرض لشدة خجله ، وعدت بالسيارة نفسها . وفي هولندا عقدوا مؤتمرًا صحفيًا، عمّا حصل معي ، وقد دعاني السفير الهولندي إلى السفارة في دمشق لمشاهدة الحفل على شاشة الكمبيوتر مباشرة ،وتمّ ذلك وألقيت كلمة قصيرة في نهاية الحفل ،كما ألقى نيابة عني ولدي (محمد) كلمتي في صالة الحفل في هولندا .
بعد بضعة أشهر كلفت الخارجية الهولندية سفيرهم في دمشق لدعوتي وتسليمي الجائزة بحفل رسمي .وقد دعاني السفير لحضور الحفل في منزله في يعفور بريف دمشق ،وألقى السفير كلمة وسلمني الميدالية مع كتاب الاحتفال ، ويبدو أن الدكتور رياض نعسان آغا الذي كان يشغل وظيفة وزير الثقافة، ومستشار لبشار الأسد كان مدعوًا في الحفل ، وانا لا أعرفه سابقًا ولم التق به ،فجاءني وسلّم علي وهنأني بالجائزة ثم عقّب بقوله ( لقد كلفني الرئيس بأن ألتقي بك وأجري معك حوارًا حول الشأن العام )
فأجبته : أنا جاهز، وكذلك العديد من السوريين جاهزون للحوار ، وسورية لكافة السوريين ومستعدون للحوار للخروج من المأزق الذي نحن فيه ،حددوا المكان والزمان وادعوا من تودون ، وتعرضت لمحاولات في السابق للتعاون بيني وبين النظام ،وقلت للدكتور رياض ( أنا لستُ للبيع ) وقد رفضت كافة أشكال التعاون ، فما كان من د .رياض إلا أن أجابني :
( يعني انا بعت نفسي !) قلت : أنت أدرى بنفسك ،وافترقنا ،ومرت الأيام والشهور ولم اتلق أي اتصال بتحديد موعد للقاء لا زمانًا ولا مكانًا ، ثم التقيت به مرّة أخرى في حفل تكريم (جودت سعيد) الذي أقامته دار الفكر ، والتفت إلى شخص كان يسير معه وطلب إليه أن يذكّره بالموعد ، ثم التقيته بعد ذلك في فندق فور سيزن في دمشق في حفلة للسفارة الألمانية وتذكر الموعد . وهكذا مرت الشهور ولم تصلني أية إشارة لتحديد موعد لما تحدث به وزير الثقافة د رياض نعسان آغا ،وسألت نفسي ، هل من المعقول أن يكون بشار الأسد الذي كان رئيسًا لسورية قد كلّف وزير الثقافة رياض نعسان آغا بما تحدث معي به ثم لا ينفذ المطلوب ؟ أم أنّ ما تحدث به الوزير والمستشار للرئيس كان عبارة عن فبركة من شخصه وما هو هدفه من ذلك؟
والذي ذكرني بالوزير وهذه القصة التي رويتها في مذكراتي ، أن قناة سوريا كانت قد أجرت معي عدة حلقات تحت عنوان ( من الذاكرة السورية ) وعملت كذلك حلقات مماثلة مع الوزير السابق في حكومة المجرم بشار الأسد ، بوصفه ممن أيدوا الثورة السورية ، وقد تحدّث عني في إحدى الحلقات حين كنت معتقلاً بين 2009 و 2011 أن الناس كانوا يتحدثون عن ( المالح) هذا (الختيار) الذي في السجن وكأنه لا يعرفني! وكأن كل ما جرى بيننا وما ذكرته أشبه برد التاجر المروي على التاجر البصري في القصة الشهيرة “لوخرجت من جلدك لم أعرفك”

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. احترامي الشديد للاستاذ الكبير هيثم المالح ، هذا الرجل الذي وقف ضد الباطل المتمثل بعصابة متحكمة بسوريا سامت الشعب سوء العذاب و دعمها ضباع و خنازير العالم . وقف بجرأة و بإخلاص و أبى أن يكون للبيع مثل الساقطين الذين استعبدتهم البترودولارات و الريالات و التومانات فباعوا سوريا و أهلها في سبيل مال زائل في دنيا فانية . أرجو الله أن تكون كل المضايقات التي تعرض لها أخونا هيثم و كل الأذى الذي ناله في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . أنا مثلك يا أخي كبير في السن لكنك أكبر مني قليلاً . أتابع مقالاتك لأتذكر ما حصل و لأتعلم منك يا نعم الأستاذ. سوريا – في نهاية المطاف – هي شام الرسول لقوله “اللهم بارك لنا في شامنا ، ثلاثاً” فنسبها إليه و لأمته . الشام الشريف المبارك لن يطول به أمد في هذا الوضع الظالم الشاذ بعون الله مهما تكالب عليه شرار الخلق ، و ما بعد العسر إلا اليسر لكننا في حالة تمييز الخبيث من الطيب و في حالة من يصنعهم الله ليكونوا أبطال الزمان القادم إن شاء الله .

اترك رداً على Riyad Jalabi إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى