مقالات

صحيفة أمريكيَّة: انهيار الاتِّفاق النَّووي ينذر بقرب معركة هرمجدون!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لم تزل محاولات إحياء اتِّفاق فيينا النَّووي بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة عالقة، منذ انطلاق محادثات فيينا للتَّقريب بين طرفيّ النَّزاع والوصول إلى حلِّ يرضي الطَّرفين في ربيع عام 2021م، وحتَّى توقّف المحادثات في مارس من العام الجاري، في أعقاب اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. فرضت إيران عدَّة شروط رأتها الولايات المتَّحدة مجحفة، من بينها إزالة الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، ورفْع كافَّة العقوبات الَّتي فرضتها إدارة دونالد ترامب، الرَّئيس الأمريكي السَّابق الَّذي انسحب من الاتِّفاق في مايو 2018م، على إيران وبخاصَّة على قطاعها النَّفطي، إلى جانب ضمان عدم انسحاب الإدارات الأمريكيَّة مستقبلًا من الاتِّفاق وعدم فرْض عقوبات جديدة على إيران. وبرغم تجاوُب إدارة جو بايدن على بعض تلك الشُّروط، فقد عارضت أخرى، على رأسها مسألة إزالة الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب. أمَّا الولايات المتَّحدة، فقد اشترطت اقتصار النَّشاط النَّووي الإيراني على الأغراض السِّلميَّة، أي عدم تخصيب اليورانيوم لتطوير أسلحة تدميريَّة أو قنابل نوويَّة.

ازدادت الأمور تعقيدًا بعد إصدار الوكالة الدُّولية للطَّاقة الذَّريَّة مطلع يونيو الجاري تقريرًا يشير إلى إزالة إيران كاميرات المراقبة من مركز طهران للأبحاث، ومن ورشتي عمل لصنع أجزاء أجهزة الطَّرد المركزي في مدينة أصفهان، ممَّا يثبت استمرار جهود إيران لتطوير سلاح نووي. ويثير ذلك مخاوف دول المنطقة العربيَّة، وعلى رأسها دولة الاحتلال الإسرائيلي الَّذي ترى نفسها الهدف الأوَّل للسِّلاح النَّووي الإيراني، إن لم تُردع إيران بالقوَّة عن تطويره. وكما نشر موقع Independent عربيَّة، أدانت كلٌّ من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهي من الدُّول المشرفة على محادثات فيينا، تصرُّف إيران، معتبرةً أنَّ ذلك الموقف لن يفضي إلَّا إلى مزيد من العراقيل في طريق حلِّ الأزمة النَّوويَّة. في حين أعربت الولايات المتَّحدة عن استيائها من ذلك العمل “الاستفزازي”، مهدَّدةً نظام ملالي الرَّافضة بمزيد من “العزلة الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة”، في حال انهارت جهود إحياء الاتِّفاق النَّووي.

قلق أمريكي من “القنبلة النَّوويَّة الإيرانيَّة”

كان من الوعود الَّتي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابيَّة عام 2020م إيجاد وسيلة لإحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، تجنُّبًا لمخاطر إقدام الجمهوريَّة الإسلاميَّة على تطوير سلاح نووي يهدِّد أمن إسرائيل، بعد استغلال إيران انسحاب ترامب من الاتِّفاق في تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم وإنهاء التَّعاون مع مفتِّشي الوكالة الدُّولية للطَّاقة الذَّريَّة. ويكثر الحديث في الأيَّام الأخيرة عن قُرب انتهاء إيران من تطوير قنبلة نوويَّة، وهو ما حذَّر منه نيد برايس، المتحدث الرَّسمي باسم الخارجيَّة الأمريكيَّة، حينما صرَّح في مؤتمر صحافي عُقد قبل يومين بقوله “إيران يمكن أن تحصل على قنبلة نوويَّة خلال أسابيع، لذلك نريد العودة المتبادلة للاتِّفاق النَّووي”. وأضاف برايس أنَّ إدارة بايدن تستعدُّ للتَّشاور مع زعماء دول المنطقة العربيَّة بشأن الخطوات الواجب اتِّخاذها لمواجهة التَّهديد الإيراني، حيث قال “إنَّ واشنطن تريد اتِّخاذ خطوات مع شركائها في الشَّرق الأوسط حيال التَّصعيد الَّذي تنتهجه إيران في المنطقة”. ويقصد المتحدث باسم الخارجيَّة الأمريكيَّة لقاء بايدن المرتقب مع زعماء دول الخليج العربي ومصر والأردن، خلال زيارته للمملكة العربيَّة السَّعوديَّة يومي 15 و16 يوليو 2022م، بعد زيارته للأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة ولقائه برئيس وزراء دولة الاحتلال.

ترامب يهدِّد بفشل جهود إحياء الاتِّفاق النَّووي!

ومع إصرار إدارة بايدن على الحلِّ السِّلمي للأزمة النَّوويَّة الإيرانيَّة من خلال العودة إلى الاتِّفاق النَّووي في أقرب وقت ممكن، يرى محلِّلون أنَّ جهود إدارة بايدن في هذا الصَّدد مصيرها الفشل؛ لأنَّ انسحاب إدارة ترامب من الاتِّفاق عام 2018م وضع إدارة بايدن في موقف حرج سيجبرها على تقديم العديد من التَّنازلات لصالح نظام ملالي الرَّافضة لإتمام إحياء الاتِّفاق. وعن ذلك، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيَّة في 18 يونيو الجاري مقالًا تحت عنوان ” Trump’s Shadow Looms Over Fading Iran Nuclear Talks”، أو شبح ترامب يخيِّم على المفاوضات النَّوويَّة المنهارة مع إيران، قالت فيه ” ترامب فعل أكثر من مجرد الانسحاب من الاتِّفاق، وأنَّ مسؤولين أمريكيين يرون أنَّ أفعاله عقّدت بشكل كبير قدرة واشنطن على التَّفاوض مع طهران الَّتي قدمت مطالب خارج الاتِّفاق النَّووي ورفض الرَّئيس بايدن تلبيتها دون الحصول على تنازلات”. عدَّد مقال نيويورك تايمز العراقيل الَّتي تهدِّد بانهيار المفاوضات النَّوويَّة، ومنها إصرار إيران على إزالة الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، ورفْض مسؤولي نظام الملالي التَّفاوض مباشرة مع الإدارة الأمريكيَّة في أعقاب اغتيال قاسم سليماني، أحد أكبر رموز الحرس الثَّوري وقائد فيلق القُدس، بأمر من إدارة ترامب في يناير 2020م. وأضاف المقال أنَّ إدارة بايدن أمام خيارين أحلاهما مرٌّ في التَّعامل مع الأزمة النَّوويَّة الإيرانيَّة، وهما إمَّا التَّسليم بقدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، وإمَّا اللجوء إلى القوَّة للحيلولة دون ذلك.

هل يفضي انهيار المفاوضات النَّوويَّة إلى اندلاع معركة هرمجدون؟

تعبيرًا عن مخاوف الإدارة الأمريكيَّة من تداعيات فشل المفاوضات الحالية لإحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران والاضطرار إلى استخدام القوَّة لمنع تطويرها سلاحًا نوويًّا، نشرت صحيفة ذا هيل الأمريكيَّة مقالًا عنوان ” Israel and Iran: Five minutes to Armageddon?”، أو إسرائيل وإيران: 5 دقائق تفصلنا عن هرمجدون؟، تناولت فيه مغبَّة إصرار نظام ملالي الرَّافضة على امتلاك أسلحة دمار شامل. كما أوضح المقال، كشفت الوكالة الدُّولية للطَّاقة الذَّريَّة، المعنيَّة بمراقبة النَّشاط النَّووي الإيراني، نهاية مايو الماضي عن احتفاظ إيران بـ 95 رطلًا من اليورانيوم عالي التَّخصيب، وهي كميَّة من الموادِّ الانشطاريَّة تكفي لإنتاج قنبلة نوويَّة خلال فترة قصيرة. ويذكِّر المقال باتِّخاذ مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، قراره عام 1981م، بتدمير المفاعل النَّووي العراقي، بعد عام من اغتيال د. يحيى المشدِّ، العالم الفيزيائي المصري المشرف عليه، بدبير من الموساد الإسرائيلي، موضحًا أنَّ خطر البرنامج النَّووي الإيراني اليوم أشدُّ وأصعب في القضاء عليه.

ومع امتلاك إيران 3 آلاف قذيفة بالستيَّة بعضها يصل إلى العمق الإسرائيلي، وقدرتها على إنتاج قنبلة نوويَّة خلال أسابيع، وتوظيفها ميلشيات تابعة لها في لبنان وسوريا وغزَّة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني وحركة حماس، فأمن إسرائيل في خطر شديد. كثيرًا ما تبادَل مسؤولو إيران وإسرائيل التَّهديد بضرب البلد الآخر في عمق أراضيه، وكثيرًا ما توعَّد كلُّ طرف بمحو الآخر من الوجود دون أيِّ خطوات فعليَّة في ذلك الصَّدد. غير أنَّ مقال ذا هيل يصرُّ على أنَّ حربًا طاحنة قد تندلع في المنطقة العربيَّة، بدايةً من ضرب إسرائيل المفاعلات النَّوويَّة الإيرانيَّة، وليس من المستبعَد أن يكون في ذلك تحقُّق لنبوءة العهد الجديد (سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي 16:16) عن معركة فاصلة في تاريخ البشريَّة في آخر الزَّمان، تنتصر فيها إسرائيل على قوى الشَّرِّ وتحكم العالم بقيادة المخلِّص المنتظر. 

ونتساءل: صرَّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، عام 2005م، قُبيل اعتلال صحَّته وعجزه الكامل عن أداء مهامه، بأنَّ إيران يفصلها عن إنتاج قنبلة نوويَّة أسابيع قليلة، فهل إيران أمامها أسابيع لإنتاج القنبلة منذ 17 عامًا؟! وطالما أنَّ دولة الاحتلال دمَّرت منذ أكثر من 40 عامًا المفاعل النَّووي العراقي، فلماذا لم تُقدم على الخطوة ذاتها مع مفاعلات إيران منذ حينها؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى