بحوث ودراسات

أوصافُ المناصب والألقاب العلمية

التزامُ تذكيرِ أوصاف المناصب والألقاب (الإدارية والعلمية) – لاسيما ما كان مشتقًّا منها- مخالفٌ لمقتضيات اللغة من وجوب التفريق بين المذكر والمؤنث في الأوصاف المشتركة بينهما. فقد وَضعتِ اللغة علامات لفظية لتمييز المؤنث عن المذكر، لا يَسوغُ إهمالها إلا لعلة تقتضي ذلك، مثلَ كونِ الوصف ممّا يختص بالمؤنث (حامل، حائض، طالق، مرضع)، أو مِن الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث (صبور، جريح).
وما سُمع من نحوِ قولهم: أميرُ بني فلان امرأة، وفلانة وصيُّ بني فلان ووكيلُهم؛ فهو لأنَّ هذه الأوصاف (الإمارة، الوصاية، الوكالة) وما شابهها قليلةٌ أو نادرةٌ في النساء، فبقيتْ على أصلها الغالب من التذكير، مع جواز تأنيثها بالتاء على القياس أيضًا (أميرة، وصية، وكيلة)، الذي منه قول الشاعر:
فلو جاؤوا برملة أو بهند * لبايعنا أميرة مؤمنينا
وأولُ مَن أشار إلى علة التزام التذكير هو الفراءُ في كتابه (المذكر والمؤنث، ص:55)، وتبِعَه مَن جاء بعده، وذلك في قوله: «إنما ذُكِّر هذا -يعني الأمثلة السابقة-؛ لأنه إنما يكون في الرجال دون النساء أكثرَ ما يكون، فلما احتاجوا إليه في النساء أجرَوه على الأكثر مِن موضعيه».
وأمَّا اليومَ فقد شاعت هذه المناصب والألقاب العلمية بين النساء، ولم تعد شبهَ مقصورة على الرجال؛ فزالتِ العلة المذكورة، ووجبَ الرجوعُ إلى القياس، وهو التفريقُ بالتاء.
وكونُ التزامِ التذكيرِ عُرفًا إداريًّا غيرُ منضبط، في كثير من الإدارات والدول العربية.. فبعضُها يلتزمُ صيغة التذكير، وبعضُها لا يلتزمُها، وهو – إن انضبطَ واطَّردَ- لا يصلحُ علة في تجويزِ ما يخالفُ مقتضياتِ اللغة العربية!
ومع ذلك لا يَعدَم مَن يجيزُ التزامَ التذكيرِ -في مثل هذه الأوصاف- تسويغًا يُعلِّلُ به هذا الرأيَ وأقواه ما سُمع -قديمًا- من التزام التذكيرِ فيما يغلبُ من الأوصاف للرجال دون النساء. وقد تقدم أن ذلك لعلة قد زالتْ في أيامنا هذه.
وقد يحتج ملتزمو التذكير بالتحرز من إحالة المؤنث في بعض هذه الأوصاف على معنى غير لائق، كإحالة لفظ النائبة على معنى المصيبة. ومثلُ هذا التعليل لا يصلح لمعارضة قوانين اللغة المطردة؛ فالاشتراكُ في الدلالة ظاهرة لغوية طبيعية، والسياقُ هو الذي يحدد المعنى المراد، ويحيل عليه دون غيره.
وهذا مجمع اللغة العربية في مصر – وقد عُرف بالتيسير والتساهل- قد رفضَ التزامَ التذكيرِ، وقرَّر وجوبَ التأنيث اللفظي عند وصف المؤنث.
فقد جاء في قراره بشأن هذه المسألة: «لا يجوزُ في ألقابِ المناصبِ والأعمالِ –اسمًا كانت أو صفةً- أنْ يوصف المؤنثُ بالتذكير، فلا يُقال: فلانة أستاذٌ، أو عضوٌ، أو رئيسٌ، أو مدير».
لكن يُؤخذ عليه في هذا القرار إدراجُه كلمةَ (عضو) مع غير نظائرها، وفيه وهمٌ وخلطٌ واضح.
فكلمة (عضو) اسمٌ جامدٌ لا وصف مشتق، والعضو هو الجزء من جسد الإنسان أو الحيوان كاليد والعين.. ويستعار لوصف الشخص بأنه جزء من كيان تنظيمي، فكأن هذا الكيان جسد كامل، والمنتسبون إليه أعضاء ذلك الجسد، والواحد منهم عضوٌ، سواء كان ذكرًا أم أنثى. فيقال: فلان عضو البرلمان، وفلانة عضو المؤتمر.. فالأَوْلى احتفاظُ الكلمة بصيغتها دون تأنيث؛ لأنها اسم جامد في أصلها.
أحمد سالم مقام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى