مختارات

عين المرء عنوان قلبه

هند عودة _كاتبة سعودية|

المثل الشعبي السابق هو أحد الأمثال التي كانت متداولة في أوساط الجيل السابق، والذي يحمل في ثناياه دلالات واضحة على قوة الإحساس بالآخر، ومراعاة ظروفه، والتضامن معه. بصورة مؤكِدة على الحس الإنساني العالي، الذي لم تطله البلادة الناجمة عن إعلاء المظاهر، والتهافت النهم على الملذات، حدّ تقديسها والدوران حولها.

وفي تدرّجٍ هبوطيّ كارثي، تصاعدت البلادة من طور عدم تفقّد الآخر-ابتداءً بالمحيط الأولى بالإحسان- وتقديم يد العون له، إلى طور إنكار ظروفه واحتياجاته، وصولاً إلى أذيته والجرم بحقه، من خلال استعراض أدق تفاصيل الترف الحياتي اليومي أمام أعين محدِّقة تكاد لاتلبي أدنى احتياجاتها البيولوجية.
وكمثالٍ يتكرر بشكلٍ ملحوظ، مافعلته إحدى الشابات المتزوجات حديثًا، من فتْح الأبواب على مصراعيها لجمهور متابعيها، كي يعرفوا حجم النعيم الذي ترفل فيه، بفضل زواجها من شابٍ ثري لايتوقف عن إمدادها بالهدايا الفاخرة، المقرونة بالاهتمام، والهيام، والحب الخالد. في تأصيلٍ خياليّ لزواجٍ وزوجٍ يستحيل تجسدهما مجتمعيْن.
مثل هذي الأذيّة المتعمّدة، والتي لايمكن افتراض حسن النية معها، أو تخمين الدروشة والهبل فيها، هي إضرارٌ يستوجب الإيقاف والعقوبة. لاسيما وهي تؤصل لمفهوم الزواج على نمطٍ وحيد يدور حول العيش الرغيد الهانيء الذي لايكدّره مكدر، رفقة زوجٍ يملك مصباح علاء الدين؛ لاينطق إلا شبيك لبيك، أنا وماأملك تحت قدميك. لتصبح”ماقال لا قط إلا في تشهده، لولا التشهد كانت لاؤه نعمٌ” وسم الزوج المثالي . وهو ماأكدته إحدى متابعات هذه “المُخبّـبة” حين علقت على صورة السيارة الفارهة التي أهداها الزوج “الزنبركي” لسندريلاه قائلة: هذا هو الزوج الصالح!

وهكذا يغدو الزوج الصالح في عرف التفاهة والبلادة، هو الزوج المموّل، دون شرطٍ، أو قيدٍ، أوحتى مقابل. في انقلابٍ عجيب على سنة الكون القائمة على مبدأ المنافِع المتبادَلة، وتجاهلٍ أعمى لأصل الحياة؛ المشقة والتعب”ولقد خلقنا الإنسان في كبد”، ليكون الاستثناء هو الأصل، والأصل هو الشاذ المُنكر. ثم ماتفعله هذي الانقلابات والمغالطات الفاسدة، من تحطيمٍ للنفوس، وهدمٍ للبيوت، وإشاعةٍ للرذيلة. ونظرة سريعة على تعليقات المتابعين لهذه المفسِدة، تنبي بالأثر المدمّر لفعلِها؛ شعور الشاب بضآلة رجولته، وتحسس الفتاة لمواطن نقصها وتضخيمها، ثم كسرٍ بالجملة للأنفس، والخواطر، والأرواح، من خلال إمدادها بالوهم، وضخ عقولها بالزيف، دون مراعاةٍ لواقعٍ، أو عقلٍ، أو دين، أو حتى حسٍ إنسانيّ يهمس: والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ …فهمُ كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا، إِنْ كان قلبك لم تعطفه عاطفةٌ …على المساكين فاستبدلْ به حجرا.
نعم، القلوب التي أضحت صوّان؛ تعطلت بصيرتها، وأجدبت عين عاطفتها، لن تفقه مفهوم الإحساس بالآخر، أو معنى مواساته. ولأن عين المرءِ عنوانُ قلبهِ؛ فعيون القاسيةِ قلوبهم لن تذكّرهم بأن مايوجعها يوجع غيرها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى