مختارات

“أصدقاء السوء” سوس ينخر عظام المجتمع

أسعد المبارك_ كاتب عراقي

صديق السوء يعدّ الأرضية الاجتماعية للذنب، فهو كالوباء ولا يعرف معاني الإخلاص والوفاء، ولا يجلب إلا الخراب والدمار. وصديق السوء على عكس الصديق الصالح الذي يعمل على هداية صاحبه ويقوده إلى السعادة.
والأصدقاء ليسوا كلهم على درجة واحدة بل يختلفون، فبعضهم أنت في حاجة له دائماً، وهذا أخطرها وبعضهم تفرضه عليك الظروف وطبيعة الحياة وإن كنت لا تريده، وبعضهم شر ووبال عليك”.
ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة “الصافات” على لسان الإنسان المذنب “قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ” على الرغم من كون المفسرين يوسعون معنى “القرين” فيرونه “الشيطان” ويرونه “صديق السوء”، لكننا سنختار هنا “صديق السوء” فنتوقف معه قليلا.

لا يؤثر فى الإنسان أحد مثل صاحبه، إما أن يأخذ بيده للنجاة أو يلقى به فى أسفل سافلين، وأنا هنا لا أتحدث عن الناحية الدينية فقط، بل عن أمور الدنيا أيضًا، فالصديق هو من صدقك القول،  كما يقولون، وحتمًا فإن ذلك موجود، وهو من يحفظ توازن الحياة.
لكن صديق السوء موجود أيضا، وليس شرطا أن يكون شخصًا يمكر بك ويفكر فى أذيتك وأن له وجهين، يبدى أحدهما لك ويخفى الآخر عنك، كما نرى فى الأعمال الدرامية، لا ليس شرطا، لكنه فى المجمل هو الإنسان الذى يتبع هواك، ذلك الذى لا يحدثك عن الحق، لكنه يحدثك عما تريد أن تسمعه عما يرضيك من القول والفعل، يزين لك سوء عملك ويوقظ الشر الذى فى داخلك، وينميه، ويعطيك أكثر من حقك وأحيانا يسلب منك ما تستحقه فعلا، فيقلل من همتك ويخذلك.
ونحن عادة لا نتنبه لمثل هذا الإنسان إلا بعد سقوطنا فى أزمة كبرى، تكشف لنا دائرة المحيطين بنا، والناجى هو من يتنبه مبكرا، فيقرأ الإشارات الصغيرة، ويصادق الناس العامرة قلوبهم بالخير لا هؤلاء المثقلين بأذية الناس، فى ذلك مفازة فى الدنيا والآخرة.

فما هو الفارق الأساسي الذي يميّز البشر عن قاطني الغابات؟!

ألا يعيش قاطنو الغابات على الأنانية، وحُبّ الذات، والمصلحة الشخصية، بينما البشر يعيشون على أساس التعاون، والثقة، والتفاني، والعطاء؟
لقد جاء الأنبياء بشرائع تهدف إلى تهذيب أخلاق الناس، وهذا ما يميّزها عن الشرائع التي يهمها بناء المدن، لا بناء الأفراد، واختراع الوسائل، لا تهذيب النفوس.
وإذا كان هناك اختلاف ما بين شرائع الأنبياء عليهم السلام، فلأن كلّ نبيّ كان يُبعث لعلاج حالة أخلاقية معينة، فالنبي “لوط” عليه السلام مثلاً بُعث إلى قوم عَصف بهم الشذوذ الجنسي. والنبي “موسى” عليه السلام بُعث إلى قوم اعتادوا الخضوع للظالمين. والنبي “عيسى” عليه السلام بُعث إلى قوم ارتضوا عبادة المادة، وحُبّ الشهوات.
أمّا رسول الله صل الله عليه وسلم فقد جاء لتكميل كلّ الأخلاقيات التي جاء بها الأنبياء جميعاً، كما يقول صل الله عليه وسلم : “إنما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق”.

في العديد من القضايا التي تدور أحداثها في المحاكم المتورط فيها الأحداث والتي تعلن عنها الجهات المعنية، نجد أن أصدقاء السوء سبب مباشر في توريط مرتكب هذه القضية أو تلك وذلك لتأثيره المباشر على رفيقه. لذلك فهم ينصحون دائماً الآباء والأمهات، بمراقبة أبنائهم والتدخل في هذه الصداقات التي قد تدمر فلذات أكبادهم.
إنّ صداقة السّوء قد تؤدِّي بالإِنسان إلى الهلاكِ والضّياع، فكثيرٌ من رفاق السُّوء يجعلون الِإنسان يرتكِب أُموراً قد تنعكِس آثارُها سلباً عليه في حياتِه، فالمخدرات والجريمة والشذوذ والالحاد، من نتائِج رفقة السّوء، قد تؤدِّي إلى تدمير المُستقبل للإنسان وتصبح سُّمعته سيئة طوال حياته.

الخلاصة، صديق السوء يعد أحد الأسباب التي تهيؤ الأرضية الاجتماعية للذنب والانحراف الأخلاقي والفشل التام في جميع نواحي الحياة، على العكس من الجليس والصديق الصالح الذي له الدور الفعال في هداية الفرد والنجاح من حيث التحصيل الأكاديمي المثمر والسلوك القويم الأمر الذي يقود المجتمع إلى السعادة والتكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى