منوعات

مراسيل الله هدايا فرح مجاني

هند عودة _كاتبة سعودية|

” إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة”.

صحوت اليوم كما أحب؛ باكرًا مع إطلالة رأس النور، مررت بالحديقة الداخلية كيما أتأكد من تعافي نباتاتي من الدود الذي هاجمها بالأمس. ولاحت مني التفاتة إلى الكتب المرصوصة في مكتبة الصالة، فتوجهت نحوها أزيح ماتراكم عليها من غبار. ولست أدري كيف غافلتني عيني واستقرت على هذا الكتاب تحديدًا، لربما هي مراسيل الله التي طالما آمنت بها. توقفت برهة أتأمل عنوانه” آداب النفوس”. منذ متى وهذا الكتاب في مكتبتي!! أنا لا أذكره، ولا أذكر يومًا ابتعته فيه. لربما هو أحد كتب أخي!
والمهم أن إلحاح الفضول كان أقوى من واجب التنظيف، جلست إلى الطاولة التي تواجه الحديقة الداخلية وفتحت أقرأ، وفي رأس الصفحة الثالثة كان هذا الحديث الذي باغتني ككتلة ضياءٍ ناعمة، رفعت رأسي نحو السماء وهامات نبتاتي التي بدا وكأنها شاركتني اللحظة، فتمايلت أغصانها طربًا وربما شوقًا لهولاء البشر الملائكة؛ قومٌ إن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا. أتقياء أنقياء أخفياء، قلوبهم مصابيح الهدى! ياالله..يارب اللطف الخفي! من هؤلاء الهينين اللينين، أشْبَـهُ بالأطياف خِفًة، وبالقطن نعومة، وبالندى البارد وقعا. هل حدث والتقيتُـهم يوما؟ لاأذكر، ولاحتى بحكايا عن عهدٍ حديثٍ بهم. هل تواجدوا حينًا من الدهر، كنا لم نزل فيه عوالق في أصلاب الأجداد. وكيف نهتدي إليهم أو نقتفي أثرًا لهم، وهم الأخفياء الذين لايُفتقدون ولايُـعرفون.

و نتساءل عن سر الرحمات المفاجئة، ولحظات الرضا المباغِتة، وهدايا الفرح المجاني! عن سكينٍة لانعرف لها سببا، وأملٍ لانفقه له داعيا، وتسامٍح لانعثر له على علة! عن رغبٍة في العفو، عن ركضٍ نحو نهر الحب ودعوات الريح، واقتفاء أثرٍ مجهول يبشر بالأمان الممتد..
إنهم هم، أولئك الأطهار الأخفياء، يمرون خلسًة دون ضوضاء، يدسون زهيرات الأمل في ثنايا الأرواح المجهدة. يعبرون دون ظل، يبذرون في الدروب الرضا وروائح الجنان؛ عناوينُ هُم للطف الخفي، للقداسة، ليقين الشفاء و تبخر المواجع.
شفاعًة بهم ياالله، ومنهم شفاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى