حقوق وحريات

“النظام الإسلامي” بين واقعية التطبيق وخيال الاستحالة

سامي محمد عادل_ كاتب سوري

لا يمكن لأحد أن ينكر أن الربيع العربي كان وبلا شك أحد أبرز وأهم التجارب التي خاضها الإسلاميون في العمل السياسي العربي، فهذه الموجة الكاسحة وضعت الكثير منهم على قمة الهرم في بلدان عربية، أو وضعتهم على رأس موجات الثورة في بلدان أخرى، مما شكّل تحدٍ كبير لقوى ضعيفة أو معدومة الخبرة السياسية كثير من كوادرها لم يجربوا حتى العمل الحكومي بفضل العزل الممنهج والمحاربة الشديدة التي تلقوها من الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة التي كانت التيارات الإسلامية عدوها الرئيسي في معظم الأحيان.

ولا يمكن أن ننكر أيضاً أن التيارات الإسلامية فشلت في إدارة المجتمعات العربية وفي إدارة التحول المطلوب لهذه المجتمعات، وإن كان من الظلم انتظار الكثير منها فحجم المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا أكبر من يتمكن أحد من حله بهذه السهولة وفي الوقت الذي كان متاحاً لهذه القوى، فما بالك بأشخاص يفتقرون للخبرة معزولون عن العمل السياسي منذ قرون، وليس لهم ثقل سياسي خارجي قادر على تأمين الدعم الدولي اللازم لمشاريعهم.

وإذا ذكرت المشاريع السياسية للإسلاميين فهذه نقطة لا يجب إغفالها فالإسلاميون يسعون لإنشاء نظام إسلامي يقود نهضة الأمة ويرفعها من الحضيض الذي أقامت به لمدة طويلة، ولكن عندما تسأل ما هو هذا النظام؟فستتلقى سيلاً من الأجوبة التي يتناقض بعضها مع بعضها الأخر والتي يصل بعضها لمرتبة الخيال، وهنا نريد أن نسأل ما هو النظام الإسلامي؟ نحن هنا لا نتحدث عن قانون العقوبات التي نعرفها كلنا، ولا عن التأكيد على نزاهة القضاء ومؤسسات الدولة وابتعادها عن الفساد بأشكاله، ولا عن دعم الدولة للمواطنين وتوزيع الزكاة على الفقراء ولكن عن آليات التنفيذ وطرق العمل.

فإذا أخذنا نظام انتقال السلطة كمثال، ما هي الطريقة الإسلامية لنقل السلطة من شخص لأخر؟ هل هو الوراثة التي كانت سائدة في جل التاريخ الإسلامي بل والعالمي؟ أم هي الشورى؟ التي لا شك أن الغالبية سيختارها ولكن إذا كانت الشورى فمن هم أهل الحل والعقد؟ ومن يحددهم؟ وما هي المؤهلات المطلوبة ليكون الإنسان من أهل الحل والعقد؟ وما هي الآلية التي يجتمع بها أهل الحل والعقد ويقررون الحاكم المستقبلي للمسلمين؟

لقد ترك الإسلام خطوطاً عريضة وترك باب الاجتهاد مفتوحاً فبينما مات النبي (صلى الله عليه وسلم) دون تسمية وريث لحكم المسلمين، قام أبو بكر (رضي الله عنه) باختيار وريث الحكم بعد مشاورة أركان دولته، وقام عمر (رضي الله عنه) من على فراش موته باختيار مجلس لانتخاب خليفته، بينما حال الاغتيال دون تمكن عثمان وعلي (رضي الله عنهما) من اختيار خليفتهما، وهكذا نرى أن الرجال التي تعتبر أفعالهم حجة أو دليلاً شرعياً يمكن اعتباره طريقة إسلامية لم يمشوا بنظام واحد للحكم بل عملوا وفق الاجتهاد والرأي.

وإذا نظرنا للجانب الاقتصادي فهذا باب واسع أيضاً، فما محددات النظام الاقتصادي الإسلامي وهل الدولة الإسلامية هي دولة إشتراكية أم رأسمالية أم هي دولة ذات نظام مستقل لا ينتمي لأي من النظامين، وكيف يمكن تطبيق هذا النظام بشكل عملي في وقتنا الحاضر ووفق المتغيرات التي تحدث في هذا الزمن، كيف يمكن للحكومة أن تؤمن المال اللازم لتقديم الخدمات وتمويل الدولة، وكيف يجب أن تتحكم في السوق، وكيف ستضمن الدولة حقوق العمال.

بالإضافة لذلك فإن قضايا التشريع أيضاً يجب أن توضع لها معايير وأسس فليست كل الأمور والقوانين محددة بالشرع الإسلامي بين الحلال والحرام، وهناك هامش كبير للحاكم المسلم أو هيئة الحكم الإسلامي لأقرار القوانين وفق المصلحة، والسؤال هنا كيف يجب أن تقر القوانين وما هي آلية اختيارها، ومن هي الجهة التي تقرها وتناقشها، فهل هي مجلس الحل والعقد أم أنها تصدر عن رأس الدولة دون مشاورة ؟.. وهل مجلس الحل والعقد هو مجلس استشاري أم أنه مجلس ذو سلطة وقوة؟،.. وما هي الصلاحيات التي يتمتع بها هذا المجلس أو أي مجلس حكم سيقوم مقامه؟..، وما هي صلاحيات الحاكم؟..

كل هذه وغيرها أسئلة لا بد من الإجابة عليها وتحديد آليات تنفيذها وفق متطورات العصر فمن الجنون بناء نظام حكم معاصر بآليات أنظمة حكم من عصور سابقة، وهنا لا يجب أن نخلط بين هذا الكلام وبين تناسب الإسلام كنظام مع كل زمان ومكان، فالحديث هنا عن آليات التنفيذ وليس عن الإسلام كنظام، فأي مسلم يعرف أن الإسلام مناسب لكل زمان ومكان ولو لم يكن الإسلام كذلك لأرسل الله برسالة أخرى تناسب زماننا ومكاننا وتنسخ سابقتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى