مختارات

لا تبتعدوا عن الكئيبين السلبيين!!

هند عودة_ كاتبة سعودية|

بين قول الشاعر:” ولكنني أغضي جفوني على القذى.. وأصفح عمّـا رابني وأجامل”، وتوجيهات مدربي التنمية الذاتية-من قبيل- “ابتعدوا عن الكئيبين/السلبيين” فجوة هائلة من الاختراق الغربي للهوية الإسلامية والثقافة العربية.
العرب الذين عدوا طلاقة الوجه فضيلة، والمداراة خصلة حميدة، والصبر والتغافل مآثر تستوجب الفخر، كانوا أبعد مايكونون عن هذا الدوران الأناني حول الذات، وهذا الغلو المفرط في تقديس الفردانية، وهذا التمركز المخيف حول الأنا التي لاتأبه للطوفان يدمر من خلفها.
وصفيّهم الحلي حين أنشد:
فكم صاحبٍ مذ بدا سخطه… بذلت له خلقًا مرتضى
وإني وإن ساءني فعله… وأصبح بعد الوفا معرِضا
أقابله بمحيّا القبول…وألحظه بعيون الرضا
بارَكَ ماتعارف عليه العرب سالفًا إثر سالف من دمح الزلل، وجميل التودد، وحسن المعشر. وهو نقيض مايروّج له السائرون في ركب الحضارة الغربية، من ضرورة البعد عمن يكدر خاطرك وإن كان من أقاربك، والنأي عمن يعكر مزاجك ولو بشكوى يتخفف بها من حملٍ أعيا روحه وأثقل كاهله.
وليت شعري، ماالذي تبقى من مروءة المرء إن هو زهد في وصل قرابته وعون صحبه، وبذلِـهم أدنى درجات حقهم من التعاطف؛ إيثارًا لحظوظٍ للأنا واهية، لاتخرج عن دائرة الجشع والأنانية.
وأين هذا من قول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم” خير الناس أنفعهم للناس” والذي لم يشترط خلو الطرف المنتفِـع من السلبية والكآبة وسائر المثالب والمناقص التي قد لاتروق لمزاج الطرف الآخر!! بل إن الأمر بلغ حد التفضيل حين قرر صلى الله عليه وسلم ” المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لايخالط الناس ولا يصبر على أذاهم” ؛ متشدقًا بكونهم يفسدون يومه المليء بالإنجازات، ويعكرون مزاجه اللامع الألماس، ويقتلون متعه ولذائذه التي لاتنتهي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى