مقالات

لافروف في أنقرة..ممر آمن للحبوب في البحر الأسود،ومنطقة آمنة لتركيا في الشمال السوري!

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

في زيارته بالأمس إلى أنقرة وعقده لمؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مواود جاووش أوغلو، وفي زيارة هي الأولى بعد حرب روسيا على أوكرانيا قام وزير خارجية روسيا سيرجي لافاروف و في ظل الأجواء المتلبدة التي تسود المنطقة والعالم جراء الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من تصعيد اقتصادي وعسكري غير مسبوق بين روسيا وأمريكا بشكل خاص والغرب بشكل عام والموقف التركي من هذه الحرب والعقوبات التي فرضت على روسيا والتي اتخذت تركيا حيالها موقف الممسك بالعصا من المنتصف وفق حسابات أنقرة- في وقت تعد العدة إعلاميا وسياسيا وعسكريا- للبدء بالعملية العسكرية في الشمال السوري تحت مسمى” إقامة وفرض المنطقة الآمنة فيه.

من هنا تأتي أهمية زيارة لافاروف لأنقرة اليوم فهي لاتخرج عن عن هدفين اثنين أو ثلاثة ربما أولاهما مناقشة ودراسة الآثار والنتائج التي فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا والطريقة التي تراها موسكو وأنقرة ووجهة نظرهما في الحد من العقوبات التي فرضتها أمريكا والغرب ولإيجاد آلية لإمكانية استحداث وفتح ممر آمن في البحر الآسود لنقل الحبوب والمنتجات الأوكرانية والروسية لتصديرها من موانئهما على البحر الأسود عبر مضيق البوسفور التركي إلى العالم، الممر الآمن الذي ناقشه لافاروف مع جاووش أوغلو وكيفية إزالة العقبات التي تعتريه والتي ترى موسكو أن أوكرانيا تعمل على تعطيله من خلال الألغام البحرية التي قامت أوكرانيا بوضعها، والعمل على ألا تكون السفن التي ستحمل الحبوب من الموانىء الأوكرانية أن لا تقوم هذه السفن بتهريب السلاح إلى أوكرانيا وإناطة كل هذا بتفتيش السفن الداخلة والخارجة عبر مضيق البوسفور التركي، قد أبدت تركيا استعدادها للقيام بهذا الدور باعتبار أن الحبوب والزيوت الروسية والأوكرانية وتعطيل حركة الملاحة سيهدد الأمن الغذائي العالمي، هذا أحد ملفات زيارة لفاروف إلى أنقرة وربما الملف الثاني لهذه الزيارة
يأتي لإحياء الأجواء الإيجابية للعودة إلى المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والتي أبدت تركيا غير مرة استعدادها للعب دور الوسيط في هذه الحرب، وهذا ما حدث فعلا منذ أسابيع عندما استقبل أردوغان وفدي البلدين المفاوضَين.

الملف الثالث الأكثر أهمية لأنقرة الذي ناقشه لافاروف مع نظيره التركي والذي جاء على ذكر بعض ماتم التوصل إليه في المؤتمر الصحفي الذي عقداه بالأمس
فقد صرح لافاروف تصريحات جديدة مهمة ولافتة كانت تنتظرها أنقرة منذ فترة ليست بقصيرة وذلك في خضم استعداداتها لبدء العملية العسكرية فقد قال لا فاروف”” إن روسيا تبدي أهمية لمخاوف تركيا المشروعة من وجود التنظيمات الأرهابية التي تدعمها واشنطن على حدود تركي وهي أي- روسيا- تأخذ قلق أصدقائها الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على حدودها الجنوبية،وقال لا فاروف ” إن روسيا ستعمل مع تركيا بشكل مشترك من أجل إخراج هذه التنظيمات الإرهابية من المنطقة”.

تصريحات روسيا المهمة واللافتة جاءت عقب انتقاد تركيا لكل من واشنطن وموسكو بعدم تنفيذ التزامهما حسب الاتفاقات والتفاهمات معهما القاضية بإخراج وإبعاد هذه التنظيمات بعيدا عن حدودها،ما جعل أنقرة تصرح لاحقا بأنها ستتولى إخراج هذه التنظيمات بمفردها يدفعها إلى ذلك مقولة ما حك جلدك مقل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك.

فمع تشابك الملفات في المنطقة سواء أكانت حرب روسيا في أوكرانيا أو ما يجري في سوريا خاصة في الشمال منها والسعي التركي الحثيث لإقامة المنطقة الآمنةواكتمال التحضيرات للبدء بالعملية العسكرية المرتقبة والترحيب الذي أبدته موسكو بهذه العملية ودعمها لأنقرة فيها في وقت حذرت فيه واشنطن الجانب التركي من مغبة القيام بأي عملية عسكرية بداعي أن المنطقة بحاجة للاستقرار وأن ما ينقص المنطقة هو عمليات سياسية لا عسكرية.

العملية العسكرية في الشمال السوري آتية لا شك في مجيئها وجميع التحضيرات قد اكتملت ولم يعد ينقصها سوى الإعلان عنها وتصريحات لافاروف اليوم لاشك ستعجّل من ساعة الصفر لبدءها، فأنقرة كانت تنتظر مثل هذه التصريحات والتطمينات من دولة ولاعب دولي كبير كروسيا للقيام بها.

اليوم وعقب تصريحات لافاروف فجرت صحيفة تركيا مفاجأة بشأن موعد انطلاق العملية العسكرية التركية ضد الميليشيات الانفصالية في الشمال السوري، فقد قالت صحيفة ” حرييت” التركية إن موعد إنطلاق العملية العسكرية يرجح أن يكون في نهاية الأسبوع الجاري،وذلك بحسب معطيات على الأرض نقلها مراسلو الصحيفة في الشمال السوري وذلك نظرا للزيادة المضطردة للنشاط العسكري التركي في المنطقة الذي يوحي بلا أدنى شك أن العملية العسكرية قادمة يضاف إلى هذا انتشاروحدات عسكرية تركية انتشرت وتنتشر على الخطوط المتقدمة قرب مدينتي منبج وتل رفعت.

تركيا والرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية بحاجة ماسة إلى المنطقة الآمنة وحاجتهم لا تقل عن حاجة الشعب السوري للمنطقة الآمنة التي تمكنه من العودة إلى مدنه وقراه التي هجرته منها الميليشيات الانفصالية الكردية منذ عام ٢٠١٦عندما سيطرت الميليشيات الكردية على المنطقة بدعم أمريكي عندما قامت بطرد تنظيم الدولة منها.
فمع مرور الأيام ويوما بعد آخر تزداد حاجة تركيا إلى العملية العسكرية فهي تضمن عودة اللآجئين السوريين إلى بلادهم الذي تنادي بها المعارضة التركية والتي تضرب على وتره،مايرومه أردوغان أن يتخلص من ضغط المعارضة في هذا الاتجاه وقطع هذا الوتر الذي تعزف عليه المعارضة أنغاما شاذة بين الفينة والأخرى، فسعي أردوغان لهذه العملية العسكرية وإقامة المنطقة الآمنةسيجعل من النغم الذي يريد عزفه نغما لا نشاز فيه،نغما يروق لكثيرين سيما ونحن نقترب يوما بعد آخر من استحقاق مقبلةٌ عليه تركيا وهو الانتخابات المفصلية الرئاسية والبرلمانية،وتركيا والرئيس أردوغان ليس بحاجة الآن إلى إنجاز فقد حققوا من الإنجازات الكثير، ماتحتاجه تركيا الآن إعجازا و الذي لم يبق ليصبح واقعًا سوى أقل القليل..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى