مختارات

المسلمون والدفاع عن دينهم

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


الإسلام هو الرسالة السامية للعالم أجمع، جاءنا بها نبيُّ الأمة، وسيّد البشر، وخاتم الأنبياء محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وتتعرّض وستتعرّض هذ الرسالة لحملات التشويه والتحريف والتكذيب، من خلال اختراع ونشر الأباطيل وتصدّي كل من هبّ ودبّ للتفسير والتأويل، والتشكيك بالقرآن والسُنّة النبوية، والطعن بعرض أمهاتنا أمهات المؤمنين والطعن بالصحابة الكرام، أو الطعن في الكتب الفقهيّة والأسانيد الصِحاح، وفي معرِض الردّ والدفاع على هذه الحملات يقع كثيرٌ من المسلمين في أخطاء شرعيّة ليست من الإسلام في شيء مما يزيد الطين بلّة، ويساهم في تشويه قيمنا وعقائدنا الإسلاميّة والتي يتربّص بها أعداء الأمّة ليتخِذوها ذريعة لهم وحُجّة علينا في حربهم على ديننا ومقدساتنا، ومنها أسلوب الدفاع بالشتم و السّبِّ.
السبّ والشتمُ في الإسلام: الإسلام نهى عن سبِّ الريح، والأمراضِ والحمَّى، وسبِّ الشيطان والمشركين، ونهى عن لعْنِ الطيور والدوابِّ، ومنع المؤمنين من لَعْنِ المشركين وسبِّهم رغم أنهم يستحقون السبَّ واللعن، وعليه فإن موقفنا ممن يسيء لله ربّنا أو ديننا أو نبيّينا أو يسيء لنا أو لآبائنا تحكمه قواعد شرعية وفقهيّة مُلزِمة بنصّ القرآن والسُنّة النبويّة، وتختلف أحكامها باختلاف الحال ما بين العدوان والدفاع.
القاعدة: لا يجوز للمسلّم السبّ واللعن، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تنصّ على ذلك كثيرة ومنها:

  • عدم جواز سبّ المشركين: قوله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “.
  • عدم جواز السبّ واللعن مطلقاً: قوله صلّى الله عليه وسلّم ” إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً “
  • عدم جواز سبّ الشيطان: قوله صلى الله عليه وسلم: ” لَا تَسُبُّوا الشَّيْطَانَ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ”.
  • عدم جواز سبّ الأموات: بقوله ِ صلى الله عليه وسلم: “إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ، وَلَا تَقَعُوا فِيهِ”
  • عدم جواز سبّ الطير والحيوان: بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ”.
  • عدم جواز سبّ المرض والحمّى: بقوله صلى الله عليه وسلم لأُمِّ السَّائِبِ: ” لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ “.
  • عدم جواز سبّ َالَريح: بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ”.
  • عدم جواز سبّ آباء وأمهات الغير: بقوله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟، قَالَ: “نَعَمْ!”، ” يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ”
    وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ” لا تمشِيَنَّ أَمَامَ أَبِيكَ، ولا تجلِسْ قَبْلَهُ، ولا تَدْعُه باسْمه، ولا تَسْتَسِبَّ لهُ “.، أي: لا تعرضه للسب وتجره إليه، بأن تسب أبا غيرك، فيسب أباك مجازاة لك.
    الدفاع عن ديننا ونبيّنا وأعراضنا:
    • القاعدة: الدفاع عن الدين والنبيّ والاعراض واجب على كل مسلم. لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ” جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”.
    • القاعدة الثانية وهي الاستثناء من قاعدة عدم السب واللعن: والتي منحت المظلوم الحق بالجهر وعرض الإساءة عند التظلّم والدعاء على الظالِم المُجاهِر بدليل قوله تعالى: ” لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا”.
    وتعني: أن الله تعالى لا يحب لأحد من عباده أن يجهر بالأقوال السيئة أو الأفعال السيئة، إلا من وقع عليه الظلم فإنه يجوز له أن يجهر بالسوء من القول في الحدود التي تمكنه من رفع الظلم عنه دون أن يتجاوز ذلك، كأن يجهر الخصم بما ارتكبه خصمه في حقه من مآثم، أو أن يذكر المظلوم الظالم بالقول السيء في المجالس العامة والخاصة متحريّاً البعد عن الكذب والبهتان “.
  • إن كان الظالِم مؤمنا، فلا يجوز أن يقابله المظلوم القذف بالقذف واللعن باللعن والشتيمة بالشتيمة.
  • وأمّا إن كان كافرا فأرسل لسانك وادع بما شئت من الهلكة وبكل دعاء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ” اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف “.
  • وإن كان المجاهر بالظلم دعا عليه الداعي جهرا، ولم يكن لهذا المجاهر عرض محترم، ولا بدن محترم، ولا مال محترم.
    • شروط الدفاع:
  • تصدّي العلماء والدعاة لها من خلال توعية الناس وبيان الاحكام الشرعيّة ومدى إلزاميتها.
  • أن يكون الرد دفاعاً بالحق، وليس دفاعاً بالباطل.
  • أن يملك المُدافع الأهلية والعلم.
  • أن يكون الرد واضحاً لا لبس فيه يدحضّ الباطل ويُحقّ الحقّ.
  • الدفاع وإنكار هذا المنكر حسب قدرة المسلم وإمكانياته.
  • أن تكون حملات الدفاع ضد الكفر والسفاهات والقباحات والجرأة على ديننا منظّمة ومتكاملة، وأن تُرَد لها مساحات إعلامية أوسع.
  • تحمّل الحكومات والحكّام والملوك المسؤولية والقيام بواجبهم، من خلال استخدام القانون الدولي، وقانون العلاقات الدبلوماسية، وتفعيل واستخدام آليات الإحتجاج الرسمية كاستدعاء السفراء أو طردهم.
  • المقاطعة الاقتصاديّة وهي أقوى وأنجع الأساليب للضغط على الدول التي ترعى حملات التشويه والكراهية والعنصريّة ضد المسلمين، ومنها مقاطعة المنتجات والبضائع وطرد العمّال وإلغاء تراخيص الشركات، وحظر الرحلات الجويّة وغيرها من الإجراءات.
    • إظهار سموّ شريعتنا، و علوّ أخلاقنا الاسلاميّة من خلال نشر شهادات غير المسلمين بالشريعة الإسلامية وهي كثيرة جدّاً ونقتطِفُ منها:
    • قال: دافييد سانتيلانا الدبلوماسي والقنصل الإنكليزي في تونس، في كتابه عن الإسلام الصادر في سنة 1899: إنَّ في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم المدني إن لم نقل أن فيه ما يكفي الإنسانية كلها “. مجلة الرسالة العدد ” 689 “
    • وقال عالم النفس الألماني” ولفجانج كوهلر “: على أثر ظهور رسالة الدكتور محمود فتحي في مذهب الإعتساف في استعمال الحق والخروج عن حدود الحق في غير ما شرع له الحق قال: إنَّ الألمان كانوا يَتيهون عجباً على غيرهم في ابتكار نظرية “الإعتساف” والتشريع لها في القانون المدني الألماني الذي وضعفي عام ” 1787 “، أما وقد ظهر كتاب الدكتور فتحي وأفاض في شرح هذا المبدأ عند رجال التشريع الإسلامي وأبان لها أنَّ رجال الفقه الإسلامي تكلموا فيه طويلاً ابتداء من القرن الثامن للميلاد فإنه يجدر بالعلم القانوني الألماني أن يترك مجد العمل بهذا المبدأ لأهله الذين عرفوه قبل أن يعرفه الألمان بعدة قرون، وأهله هم حملة الشريعة الإسلامية ” . مجلة الرسالة العدد” 689 “.
    • ويقول العلامة ليفي أولمان” 1870-1947″ أستاذ القانون المقارن في جامعة باريس في مقدمة رسالة الإثبات للدكتور محمد صادق فهمي: إن في هذه الرسالة ما يكفي للاعتقاد بأنَّ التشريع الإسلامي كافٍ وحدَه لأن يكون تشريعاً عاماً، وعلى ضوء كتاب الدكتور صادق فهمي يجب اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً حياً للقانون العصري، ومناطاً للحق في أدواره المختلفة ” مجلة الرسالة العدد ” 689 “.
    • ويقول الدكتور هوكنج أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد في كتابه: روح السياسة العالمية: إنَّ سبيل تقدم الممالك الإسلامية ليس في اتخاذ الأساليب الغربية التي تدعي أن الدين ليس له أن يقول شيئاً في حياة الفرد اليومية، وإنما يجب أن يجد المرء في الدين مصدراً للنمو والتقدم، وأحياناً يتساءل البعض عما إذا كان نظام الإسلام يستطيع توليد أفكار جديدة، وإصدار أحكام مستقلة تتفق وما تتطلّبه الحياة العصرية، فالجواب عن هذه المسألة هو أنَّ في نظام الإسلام كل استعداد داخلي للنمو، لا، بل إنه من حيث قابليته للتطور يفضل كثيراً من النظم المماثلة، والصعوبة لم تكن في انعدام وسائل النمو والنهضة في الشرع الإسلامي، وإنما في انعدام الميل إلى استخدامها، وإني أشعر بكوني على حق حين أقرر أنَّ الشريعة الإسلامية تحتوي بوفرة على جميع المبادئ اللازمة للنهوض” . الرسالة العدد 689
    • ويقول العلامة الكاثوليكي شيرل عميد كلية الحقوق في فينا: إنَّ محمداً الذي تفخر البشرية بانتسابه إليها استطاع أن يأتي قبل بضعة عشر قرناً بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي عام.
    • عن الفقه الإسلامي يقول الدكتور “أنريكو انساباتو ” في كتابه الإسلام وسياسة الخلفاء: “ولا يجوز قط أن يهدم هذا الصرح العظيم من العلوم الإسلامية، ولا أن يغفل شأنه، أو أن تمسه يد بسوء، وأنه أوجد للعالم أرسخ الشرائع ثباتاً، وأنها لشريعة تفوق الشرائع الأوربية في كثير من التفاصيل ” الصفحة ” 22 ” من كتاب حقوق الحيوان والرفق به في الشريعة الإسلامية – أحمد عبيد الكبيسي.
    هذا ديننا، وهذه عقيدتنا، وهذه شريعتنا، وهذه آدابنا، وهذه أخلاقنا، وخير ما ندافع به عنها هو تمسّكنا بها والتزامنا بها، ونشرها للعالم، وأن نتحلّى بالحكمة والشجاعة والصبر على المكاره، والتضحيّة في سبيلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى