سياسة

تضارُب الأنباء عن تطبيع السَّعوديَّة مع إسرائيل

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تزامنًا مع زيارة بايدن بعد فترة من الغموض بشأن صحَّة الأنباء الواردة عن لقاء الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، بوليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للسَّعوديَّة، الأمير محمَّد بن سلمان، تؤكِّد وسائل إعلام أمريكيَّة توجُّه بايدن إلى المملكة الخليجيَّة، خلال زيارته لمنطقة الشَّرق الأوسط نهاية يونيو الجاري، والمقرَّر أن يزور خلالها دولة الاحتلال الإسرائيلي. وتعدُّ تلك الزِّيارة هي الأولى من نوعها للمنطقة منذ تولِّي بايدن الحُكم في يناير 2021م، ولعلَّ في زيارته للسَّعوديَّة ما يوحي بهدوء التَّوتُّر الَّذي ساد العلاقات بين إدارته وبين المملكة؛ لأسباب تتعلَّق بعدم الرِّضا عن أداء السَّعوديَّة في مجال حقوق الإنسان، لا سيِّما فيما يخصُّ حريَّة الرَّأي. يبدو أنَّ إدارة بايدن تنوي تجميد ملفِّ اتِّهام ابن سلمان بالتَّحريض على قتْل الصُّحافي السَّعودي، جمال خاشقجي، عام 2018م، والمقابل تحقيق مصالح نفعيَّة، بموافقة المملكة على زيادة إنتاج النَّفط، سعيًا إلى حلِّ أزمة ارتفاع أسعار المحروقات، منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في فبراير الماضي. وكان النِّظام الحاكم في المملكة الغنيَّة بالنَّفط قد رفَض طلب إدارة بايدن في ذلك الصَّدد عدَّة مرَّات، متجاهلًا حتَّى الوساطة البريطانيَّة، ومتِّجهًا إلى التَّحالف الاقتصادي والعسكري مع الصِّين وروسيا، ألدِّ أعداء الولايات المتَّحدة وأكبر منافسيها على ريادة النِّظام العالمي. غير أنَّ الأمير محمَّد بن سلمان يبدو أن موقفه قد لان مؤخَّرًا، وسط تكهُّنات عن حصوله في مقابل رفْع إنتاج النَّفط على مباركة الإدارة الأمريكيَّة على تولِّيه حُكم السَّعوديَّة، بعد إعلان تخلِّي أبيه خائر الصِّحَّة، الملِك سلمان بن عبد العزيز، عن الحُكم، إمَّا بالتَّنازل عنه لسوء حالته الصِّحيَّة أو إعلان وفاته. الصُّحف الأمريكيَّة عن سبب الزِّيارة: المصالح الأمريكيَّة أوَّلًا أثار موقف جو بايدن، بإعلان زيارته للسَّعوديَّة، ردود فعل متباينة، ما بين متعجِّب من عزمه التَّصالح مع دولة سبق وأن توعَّد بجعلها “منبوذة” و “جزيرة معزولة”، وشامت في اضطراره إلى التَّوجُّه إلى الأمير محمَّد بن سلمان في عقر داره لطلب الصَّفح وإبداء النَّدم على الإساءات السَّابقة. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز وشبكة CNN الإخباريتين الأمريكيتين، نقلًا عن مصادر لم يُكشف عنها، أنَّ الرَّئيس الأمريكي يعتزم زيارة المملكة في خضمِّ الأزمة النفطيَّة العالميَّة، مشيرتين إلى أنَّ بايدن يزور السَّعوديَّة “لإعادة بناء العلاقات مع المملكة النَّفطيَّة في وقت يسعى فيه إلى خفض أسعار المحروقات في بلاده وعزل روسيا على السَّاحة الدُّوليَّة”. ومن بين التَّفاصيل المعلَن عنها عقد مؤتمر قمَّة موسَّع في الرِّياض، بمشاركة قادة كافَّة دول الخليج، إلى جانب رؤساء مصر والأردن والعراق، بشأن الخطر الإيراني في منطقة الشَّرق الأوسط، ولا يُستبعد مشاركة ممثِّل عن إسرائيل في ذلك المؤتمر. من ناحية أخرى، صرَّح مسؤول كبير في البيت الأبيض، لم تُكشف هويَّته، بأنَّ بلاده تعتبر السَّعوديَّة شريكًا استراتيجيًّا، ولا مانع من زيارة بايدن للمملكة برغم التَّوتُّرات السَّابقة، طالما يصبُّ ذلك في مصلحة الولايات المتَّحدة. وأضاف المسؤول الكبير أنَّ إدارة بايدن لم تتخلَّ عن تحفُّظاتها السَّابقة بشأن ملفِّ حقوق الإنسان في السَّعوديَّة، مشيرًا إلى وجود مباحثات مشتركة بين الطَّرفين لإنهاء الخلاف. ابن سلمان المستفيد الأكبر من تغيُّر السِّياسة الأمريكيَّة تجاه السَّعوديَّة يبدو أنَّ الأمير محمَّد بن سلمان نجح في إجبار الإدارة الأمريكيَّة على العدول عن موقفها السَّلبي من حُكمه، ومن سياسات بلاده، على الأقلِّ كما نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكيَّة، في مقال تحت عنوان “محمد بن سلمان على وشك أخذ ما يريده”، كتبه ديفيد اغناطيوس. يقول المقال إنَّ سياسة ابن سلمان مكَّنته من انتزاع الاعتراف الأمريكي بجدارته بالحُكم، بعد أن كانت إدارة بايدن تهدِّد بعدم الاعتراف به ملكًا، وبعد أن كان بايدن يندِّد بانتهاكاته لحقوق الإنسان ويحاول استغلال مقتل خاشقجي في إثارة الرَّأي العام العالمي ضدَّه. وقد جاء نصًّا في مقال واشنطن بوست “يُعرِّف القاموس ‘السِّياسة الواقعيَّة على أنَّها ‘سياسة تستند إلى القوة بدلًا من المُثُل أو المبادئ’، ونحن على وشك رؤية نسخة من هذا قيد التَّنفيذ عندما يزور الرَّئيس بايدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة”. وقد حدَّد المقال سببين أساسيين لزيارة بايدن للسَّعوديَّة، برغم ما نُشر عن رفْض ابن سلمان الرَّدَّ على مكالماته وتهديده بالتَّخلِّي عن الدُّولار الأمريكي في تسويق النَّفط، وهما العمل على إيجاد آليَّة لمواجهة ارتفاع أسعار النَّفط والوساطة لضمِّ المملكة إلى اتِّفاقيَّات أبراهام للتَّطبيع مع إسرائيل، حيث جاء في المقال “أثبت عاملان جديدان أنَّهما حاسمان بالنِّسبة لبايدن لزيارة السَّعوديَّة. الأوَّل هو الحرب في أوكرانيا وحاجة بايدن إلى مساعدة السَّعوديَّة في تنظيم سوق النفط. والثَّاني هو رغبة إسرائيل القويَّة في أن يقوم بايدن بتطبيع العلاقات مع محمد بن سلمان والمملكة كجزء من إعادة ترتيب واسعة”. هل حان وقت الإعلان الرَّسمي عن التَّعاون بين السَّعوديَّة وإسرائيل؟ تجدَّد في الآونة الأخيرة الحديث عن احتمال إعلان السَّعوديَّة التَّطبيع رسميًّا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، على خلفيَّة أزمة انتقال السِّيادة عل جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر من مصر إلى المملكة، بعد إعلان دولة الاحتلال تخوُّفها من تلك الخطوة الَّتي قد تشكِّل تهديدًا أمنيًّا لها، إن لم تبرم اتِّفاقًا أمنيًّا مع السَّعوديَّة. وقد تردَّد أنَّ من بين الملفَّات الَّتي ستتطرَّق إليها مباحثات بايدن في زيارته للشَّرق الأوسط ملفَّ التَّطبيع السَّعودي-الإسرائيلي. من ناحيتها، جدَّدت المملكة إعلان استعدادها للتَّطبيع الكامل وإنهاء النَّزاعات مع دولة الاحتلال، وفق ما تنصُّ عليه المبادرة العربيَّة لعام 2002م، باشتراط الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود عام 1967م وتأسيس دولة فلسطينيَّة عاصمتها القُدس الشَّرقيَّة في مقابل التَّطبيع. وقد أعاد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيَّة السَّعودي، خلال مشاركته في جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس بسويسرا مؤخَّرًا، التَّـأكيد على ذلك، مع تعديد المزايا الَّتي ستحصل عليها بلاده عند التَّطبيع، لا سيِّما في المجال الاقتصادي. من ناحية أخرى، أعلنت الإذاعة الإسرائيليَّة أنَّ وفود من رجال الأعمال مزدوجي الجنسيَّة، يجمعون بين الجنسيَّتين الإسرائيليَّة والأمريكيَّة، تزور المملكة لإبرام صفقات تجاريَّة، في تطبيع اقتصادي غير معلن، مضيفة أنَّ أزمة جزيرتي تيران وصنافير ذريعة لتسهيل التَّواصل المباشر بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين. في حين وصف يائير لبيد، وزير الخارجيَّة الإسرائيلي، تطبيع بلاده مع بلاد الحرمين بأنَّها “عمليَّة طويلة وحذرة”، مستبعدًا أنَّ يكون الإعلان عن التَّطبيع مفاجئًا، كما حدث في حالتي الإمارات والبحرين. وقد قال لبيد في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي “لن نستيقظ ذات صباح على مفاجأة، بل ستكون عملية طويلة وحذرة على الجانبين. هناك مصالح أمنيَّة لكلا البلدين…نعمل على الأمر مع الأمريكيين وبعض أصدقائنا في دول الخليج وعلى مستويات مختلفة. مصر بالطَّبع طرف مهم”. ونتساءل: هل تكتفي السَّعوديَّة بإبرام اتِّفاقيَّات أمنيَّة واقتصاديَّة مع إسرائيل تفاديًا للغضبة الشَّعبيَّة العربيَّة في حال إعلان التَّطبيع الكامل دون حلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة؟ وما هو المقابل الَّذي سيحصل عليه ابن سلمان عند نزوله على رغبة بايدن بالتَّعاون الرَّسمي مع إسرائيل وزيادة إنتاج النَّفط؟ وكيف سيؤثِّر التَّصالح مع أمريكا على تقارُب المملكة مع الصِّين وروسيا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى