حقوق وحريات

اللعنة الأبدية ما بين النكبة والنكسة

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


منذ فترة عكفتُ على قراءة السيّر الذاتية والكتب التي ألّفها عدد من الساسة والعسكر السوريين في الفترتين فترة الاحتلال الفرنسي وفترة ما سميّ بالاستقلال حتى اليوم.
كانت تصرفات وممارسات وقرارات هؤلاء يحكمها ثلاثة دوافِع وهي: الطائفية – الحزبيّة – الشخصيّة ” وهي التي أدّت الى تشكيل اللوبيّات الطائفية في الجيش ومؤسسات الدولة، وكذلك أدّت إلى الصراع الصفري بين الأحزاب السياسية، وكان كلما استقرّ الأمر لحزب أو جماعة انتقلوا إلى تصفيّات حساباتهم الشخصية مع رفاقهم.
فكانت البداية مع دخول قوات الإحتلال الفرنسي ودخول السوريّين في قوات الإحتلال تحت لواء ما سُميّ آنذاك بجيش ” المشرِق ” والذي كانت غالبيّة السوريين فيه هم من أبناء الأقليّات وكان العلويّون يشكلّون أكثر من 85% منه حسب ما ذكره قائد جيش المشرِق في طرابلس آنذاك العلوي اللواء” محمد معروف ” وكان يتكوّن هذا الجيش من كتل طائفية مستقلّة ” نصيرية – درزية – مسيحيّة – سنيّة – اسماعيلية “.
وفي فترة الإحتلال الفرنسي ظهرت الأحزاب القوميّة والوطنيّة وكان أبرزها حزب الحزب الوطني وحزب الشعب والحزب القومي السوري الذي اتخذ من ومن ثم حزب البعث والحزب الشيوعي، وحركة الإخوان المسلمين.
وبين ليلةٍ وضحاها انتقل ضُباط وصفّ ضُباط وجنود جيش المشرق من عملاء واليد الضاربة للإحتلال الفرنسي إلى أبطال الإستقلال وكانوا نواة الجيش السوري دون التدقيق في ماضيهم أو محاسبتهم عن جرائمهم التي ارتكبوها اثناء خدمتهم في جيش الاحتلال.
ووفقاً لما ورد في تلك المذكرات فإن ” الغالبية العظمى من السوريين كانوا يريدون الاستقلال التام عن فرنسا إلا الأقليات كالدروز والنصيرية والإسماعيلية والمسيحيّة وبعض شيوخ العشائر العربيّة فهم لا يريدون الاستقلال وإنما كانوا مع بقاء الاحتلال ” من مذكرات ” محمد معروف “.
وتوالت النكسات والهزائم على البلاد بسبب هذه النزعات الطائفية التي كانت تأبى الانخراط في كيان وطني موحّد تسمو فيه المواطنة فوق كل العصبيّات الطائفية والعرقية والمذهبية والعشائرية، وبعد إعلان الإستقلال مباشرة بدأ الصراع على السلطة، فكانت العلاقات بين الأحزاب القائمة إما علاقة مهادنة أو تحالف في السرّ، وكانت جميعها تكيد لبعضها البعض، وكان منتسبيها من الضُباط والعسكريين هم أدواتها لتنفيذ هذه المؤامرات فكان لا ينجح أي انقلاب ما لم يكن بمباركة من بعض الضُباط في الجيش.
وكانت ذرائع الإنقلابات وتصفيّة الحسابات بينهم وتبرير الهزائم والنكبات والنكسات إما إدعاء الوطنيّة وإما الإتهام بالعمالة للأجنبي الذي لم يرفع يده عنهم جميعا بعد، وكانت قضيّة فلسطين شمّاعة الجميع لتبرير جرائمهم وهزائمهم ونكباتهم.
فكانت البداية من تصريح رئيس الوزراء سعد الله الجابري في عهد الرئيس شكري القوتلي الذي قال فيه: “لا نحتاج للسلاح ولا للجيش، لأنّنا مستقلون باعتراف الأمم المتحدة، وفي أطرافنا دول عربية، ولأن وضعنا في سورية كوضع سويسرة، نفقاتنا توازي وارداتنا، ونحتاج فقط إلى قوى أمن داخلي رمزية”.
وبذات سلسلة الانقلابات والإنقلابات المُضادة التي ظاهرها الحرص على الوطن وباطنها صراع طبقي بين الريف و المدينة أو بين الفقراء و الإقطاعيين، أو صراعات عائلية بين الإقطاعيين ذاتهم ، أو صراعات طائفية ومذهبية وعشائرية ، وانتهت بهزيمة ومقتل شكري القوتلي وعدنان المالكي و أديب الشيشكلي وحسني الزعيم وأكرم الحوراني وخالد العظم وغيرهم، فكان كان الخاسر فيها الأكثرية في هذا البلد التي وقعت ضحيّة تحالف الأقليّات التي مكّنتها عمالتها وعلاقاتها مع الأجنبي من العبث في البلاد و القضاء على الوحدة بين مصر وسورية وتحقيق الإنفصال في عام 1961 ومن ثم مكّنتها من الإستيلاء على السلطة مع انقلاب 8 آذار 1963 والذي أدارته ” اللجنة العسكرية بثالوثها الطائفي الحاقد صلاح جديد و محمد عمران وعبد الكريم الجندي “، وأركانه من حافظ أسد إلى حمد عبيد إلى سليم حاطوم إلى العصابة الطائفية التي قضت على الحركة الوطنية وحاملها في البلاد، وتفكيك الجيش السوري وتطهيره من الضُباط الوطنيين من أهل السُنّة فعملوا على تسريح وقتل و اعتقال أكثر من 1500 منهم، ليحِلّ محلهم عصابات طائفية قدِمت من الجبال و الجرود إلى مراكز القيادة مباشرة لتعيث في البلاد فساداً.
وانتهت بتصريح رئيس دولة البعث نور الدين الاتاسي في العشرين من آب من عام 1966 الذي قال فيه: إن سورية تخلّت عن منطق الدولة لصالح منطق الثورة ولذلك لن يقف في طريقها شيء حتى تتحرر فلسطين”.
التي مهّدت لظهور ” هولاكو العصر ” حافظ أسد الذي صرّح في العشرين من آيار من عام 1967 أي قبل النكسة بخمسة عشر يوماً التي انتهت ببيعه الجولان واحتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والذي قال فيه: إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين وإن القوات السوريّة المسلّحة أصبحت جاهزة ومستعدّة ليس فقط لرد العدوان وإنما للمبادرة ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي، إن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أي عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة وهناك إجماع في الجيش السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد “
ولمّا ظهرت خيانته وعمالته للصهاينة واجهته قيادته السياسية والحزبيّة ” صلاح جديد ونور الدين الاتاسي” فقام بزجهما في السجن لتتحول سوريّة بعد ذلك إلى سورية الأسد واستقرّت له بدعم إسرائيل ومساندة كل أشرار الأرض، لتتوالى إنجازاته عبر تنفيذ أوامر أسياده في القضاء على كل ما يمكن أن يُعكّر صفو الإحتلال الإسرائيلي فما ترك وسيلة ولا أسلوباً ولا مناسبة إلا وضرب فيها أي عمل عربي مشترك ليتفرّد في خدمة أسياده، التي ورّثها وريثه المجرم الأكبر بشار أسد الذي فاق أباه بالإجرام والعمالة والخيانة.
من أراد أن يتذكر نكسات ونكبات الأمة فليرجع إلى تاريخ هذه العصابة المجرمة حينها يعرف الأسباب والدوافع والأساليب، وعندها يمكن وإذا وجدت النيات الصادقة لإعادة أمجاد هذه الامة التوجّه الى الطريق الوحيد لذلك وهو طريق دعم الثورة السوريّة التي تقوم باستئصال هذه العصابة من الجذور وإعادة سورية إلى تاريخها ودورها العربي والإنساني المجيد الأصيل والتخلّص من الخونة وخياناتهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. والله نخشى أن يتم انتقاء من هو أشد من حافظ الأسد
    اجراما من أمراء الحرب الحاليين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى