مقالات

من أنت؟!

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب


في الحياة اليومية كثيراً ما يُسأل المرء عن انتمائه العرقي، أو الديني أو المذهبي أو الجهوي؛ من منطلق المعرفة بالآخر.
ولكن أحياناً يعبر هذا السؤال عند بعضهم عن إشكالية مجتمعية مخجلة، لا تنتمي إلى العصر، وتكشف عن تخلف حضاري وأخلاقي، وأنها دلالة على عدم وجود ثقافة أن الإنسان قيمته بنفسه.
إن عدداً كثيراً من الناس يحرص – بصدق – على عدم إثارة مثل هذه الأسئلة المحرجة أحياناً، والمعيبة أحياناً أخرى، من خلال الحرص على متانة وحماية الجانب الوطني والإنساني في بلادنا.
ولكن السؤال يبدو طرحه أحياناً بريئاً وعادياً أثناء التعارف؛ فعلى الرغم من اختلاف الثقافات، إلا أن الطبيعة البشرية تبقى واحدة، فمثلاً: أوربية وجهت لأحدهم يوماً الأسئلة الآتية:
هل أنت عربي أم كردي أم تركي؟
وهل أنت مسلم أم مسيحي أم يزيدي؟
وهل أنت سني أم شيعي ؟
وهل أنت من المدينة أم الريف؟
ولم تنس السؤال عن اسم المدينة والأسرة وعن الانتماء الأيديولوجي.
وكانت الإجابة ضحكة وسؤال استفهامي: أستاذة جامعية أوربية وتسألين هذه الأسئلة التي يعدها الكثير من المثقفين في العالم العربي أسئلة متخلفة وغير حضارية ؟ .. فابتسمت، وقالت: اعذر فضولي، فأنا لا تهمني الانتماءات، ولكن أريد أن أعرفك أكثر.
نعم هناك بعض الفضوليين الذي يريدون أن يعرفوا مثل هذه الإجابات، من باب الفضول فقط؛ لمعرفة انتماءات الآخر؛ من أجل التعامل معه براحة وأريحية، أو بتحفظ وحذر شديد.
ولكن الخطورة تكمن في أن بعضهم يوجه هذه الأسئلة لغاية خبيثة، ونية مبيتة، أو بأسلوب فج لا يخلو من الممارسة الفئوية أو الجهوية أو العنصرية، والخطر الأكبر عندما يستخدمها النظام السياسي في الدولة مع مواطنيه؛ ليتجاوز مبدأ تطبيق المواطنة، ويسحقه من خلال عملية الإخلال بتوزيع السلطة والثروة، وتكافؤ الفرص، بناء على الانتماء، مع أن الدولة ومؤسساتها وخدماتها ووظائفها هي ملك لكل مواطنيها، بغض النظر عن الانتماءات الأخرى.
إن القواسم المشتركة التي تجمع بين السوريين هي ثلاثة رئيسة:
1 – الانتماء العربي.
2 – العقيدة الإسلامية.
3 – العيش المشترك.
إن تلك القواسم المشتركة القوية التي تربط السوريين بعضهم ببعض لا يوجد أكثر منها متانة وقوة في كثير من شعوب العالم، ومع ذلك يتغافل كثير ممن يدعون انتماءهم إلى المعارضة عنها، كما يتغافل عنها النظام الذي يحكم بالطائفة والطائفية، وبالقوة المفرطة، ويتماهى في هذه القضية مع كثير ممن هم بالمشهد السياسي والثقافي والإعلامي ممن يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية، ويحاولون وأقصد – شلل المعارضة التي تفتقد إلى الروح الوطنية – بتوجيه وبدعم غير وطني – يحاولون طرح مشاريع للحل في سورية قائمة على المحاصصات العرقية والطائفية والفئوية والجهوية؛ وهذه المحاصصات لا وجود لها إلا في عقول الداعمين، وفي مخيالاتهم المريضة، والهدف من وراء ذلك كله إضعاف الروح الوطنية، والنتيجة النهائية والغاية القصوى تقسيم الوطن وتمزيقه، وإنهاؤه لصالح بعض شلل الطوائف والأقليات، والقوى الاستعمارية والصهيونية وأنظمة الاستبداد العربية، التي تدعم هذه المشاريع بقوة، وتشجع هذه التوجهات وتغذيها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي بدأ وكان وراء تأسيس وترسيخ ونشر ثقافة الطائفية والعنصرية في سورية؟
إن الضابط صلاح جديد ذو الانتماء النصيري هو أول من أسس للطائفية في سورية؛ من خلال قيامه بنشرها في الجيش السوري؛ باستخدام الانتماء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، واتخذها وسيلة ودريئة للاستيلاء والاستحواذ على السلطة، وتحويل الدولة والنظام السياسي في البلاد من ملكية عامة للشعب، إلى ملكية خاصة لطائفة صغيرة، على الرغم من رفع شعارات العروبة واليسار الكاذبة، في حين رسخها زميله ومنافسه في ممارسة الطائفية الضابط حافظ الأسد، وصانها وريثهم بشار، وحافظ عليها..
ولذلك كان الصراع بين صلاح جديد وحافظ الأسد في التنافس على قيادة المشروع الطائفي وتطبيقه، وقد انتهى ذلك الصراع بانتصار حافظ الأسد، وهزيمة صلاح جديد، ومحمد عمران.
من جانب آخر فقد أسهم في نشر الطائفية في سورية أصحاب الانتماءات والعقليات والسلوكيات الأقلوية؛ الذين تحايلوا على أبناء مجتمعهم؛ بتغليف تطرفهم العقدي، وأحقادهم المتوارثة من تأثير السرديات على الأكثرية العقدية؛ بالانضواء والانتماء والانضمام إلى الأحزاب السياسية ولاسيما اليسارية منها خاصة.
الكارثة اليوم أن هؤلاء المعارضين، ومعهم النظام الطائفي، يسيطرون معاً على مؤسسات السياسة والثقافة والاعلام في بلادنا، ويدفعون بقوة نحو هذا التوجه، حتى لكأنك تجد تنسيقاً كاملاً بينهما، وبدعم واضح من بعض الأنظمة الخدمية العربية، ومن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
أما صاحب الامتياز في تأسيس وترسيخ ونشر العنصرية في سورية فهو خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري ذو الأصول الكردية؛ من خلال استخدام الحزب الشيوعي السوري وسيلة ومطية له، وهذا ما أدى إلى انقسامه إلى جانحين:
الأول: بقيادة خالد بكداش نفسه، وأغلب عناصره من الكرد.
والثاني: يقوده رياض الترك، وأغلب عناصره من العرب.
ثم جاء حافظ الأسد، ومن بعده بشار ليجعلوا من هذه الورقة سبيلاً للعزف على وتر العنصرية، وخلق العداء والكراهية، وتعميق الخلاف بين الكرد والعرب، ليسهل تمزيق البلد، وتقسيم الشعب السوري إلى جماعات قومية وطائفية؛ وتسخيرها لخدمته، والتلاعب بها، والسيطرة عليها.
مع اندلاع الثورة السورية بعنفوانها الوطني، وانتمائها العربي الإسلامي، استخدم النظام الطائفي ما يسمى بحزب العمال الكردستاني التركي الإرهابي أداة له في قمع الثورة، وسيطر هذا الحزب الارهابي بدعم غربي روسي على المنطقة الشرقية من سورية، وصار خنجراً مسموماً في خاصرة الثورة والوطن والشعب ككل، وهو في كل ذلك ينسق تنسيقاً كاملاً مع النظام الأسدي والقوى الخارجية، ويروج لهذه المشاريع المشبوهة المرفوضة من قبل الغالبية العظمى من أبناء سورية الثورة، ويتبناها بعض الطائفيين والعنصريين من أبناء الطوائف والأقليات، من أجل تكريس العنصرية والطائفية، وزيادة الشق والهوة بين العرب والكرد، وترسيخ العداوة والبغضاء بين أبناء الوطن، ولكن بالإرادة الوطنية سيرحلون بالنهاية كما رحل غيرهم، ويبقى الوطن والشعب لأهله الأصلاء الذين تجذروا فيه، وصبغوه بلون دمائهم، وغسلوه بماء عيونهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال فيه ثراء بالأفكار جزاك الله عليه خيراً ، و هذا تعقيب متواضع أرجو أن تعذرني على طوله :
    في شباط / فبراير 2011 ، سأل مدمَر ليبيا – جموع الشعب الثائر على تحكمه الجائر مدة 42 سنة – قائلاً ” من أنتم ؟ ” و كان يكفي أبناء الشعب أن يجيبوه ” نحن أحفاد الشهيد البطل الشيخ عمر المختار ، لكن من أنت يا مجهول النسب ؟ ” و وصف الثائرين بأنهم ” جرذان ” و بأن “عصاباته المرتزقة” ستطاردهم “بيت بيت ، زنقة زنقة “! و كان متوقعاً إجراماً شديداً يماثل ما حصل في سوريا فأدوات الاستعمار الفرعوني الحديث – الذين قام بتنصيبهم – لن يتورعوا عن القيام بأي فعل في منتهى القسوة و الحقارة في سبيل دوام سيطرة سيدَهم الاستعمار .
    سقط المدمَر في غضون 5 شهور و سقط شين العابدين في تونس في أقل من شهر و سقط سكَير مصر في 18 يوماً ، لكن الاستعمار الفرعوني ركب رأسه و أصرَ بعناد صبياني حاقد على بقاء معتوه قصر المهاجرين في دمشق فلماذا كان ذلك ؟ و الجواب على هذا السؤال طويل و يحتاج إلى تأليف كتاب مشفوع بالأدلة و البراهين تتمحور حول إجابة سؤال “من أنت أيها المعتوه و من أين أتيت و لماذا أبقاك سيَدك ؟ ” .
    باختصار شديد ، لي تحليل متواضع يعود إلى أربعينات القرن الماضي على الأقل حين تأسس حزب البعث و حين حصل أول انقلاب في سوريا عام 1949 على يد من وصفه ” كوبلاند ” بأنه كان “صبيَاً من صنع أمريكا ” و الذي سرعان ما سقط و قتلوه و بدأت سلسلة انقلابات عددها 20 انقلاب و آخرها عام 1970 . تنقلت سوريا من استعمار إلى استعمار ، و كان الاستعمار الفرعوني يدير في الخمسينات من القرن الماضي مكراً كبَاراً ليستعمل من خلاله حزب البعث كحصان طروادة كي تتسلل أقلية طائفية إلى مفاصل التحكم فرفع الحزب الشعار الهدَام ” الدين لله و الوطن للجميع ” مع أن “كليهما لله” و تسللت الأقلية إلى رأس الحزب و إلى الجيش و الأمن . كان الثامن من آذار/ مارس 1963 عام وصول الأقلية للمناصب “العليا” و تشكلت اللجنة العسكرية الثلاثية من ” صلاح جديد ، محمد عمران ، و المطرود من الجيش حافظ الأسد الذي أعاده إليه جديد مع رفع رتبته العسكرية ” و بعد تجربة 7 سنوات ، تبيَن للاستعمار الفرعوني أنه لن يجد في كل سوريا من هو أردأ من الأخير فاختاره و أرشده إلى كيفية تثبيت دعائم تحكمه . كان مطلوباً من القائد ” الخالد !” أن يجعل الشعب يعيش في كابوس قمع رهيب تكون نتيجته تقليل عدد مسلمي سوريا .
    حين هلك الخالد ” !!” عام 2000 ، قامت “مادلين ” بتعيين بشار “ابن زوجة حافظ الأسد” مكان الهالك قافزة عن نائبي حافظ . استمر هذا المعتوه في خدمة الاستعمار الفرعوني في سوريا و ما حولها بنشاط ، و كانت ثورة شعب سوريا المباركة فرصة ذهبية لقتل العباد و تدمير البلاد و تهجير المسلمين . لهذا الغرض ، استجلب الاستعمار الفرعوني مليشيات الفرس و الوكيل الروسي لحضور حفلة ” ذبح سوريا” و حضر بنفسه للسيطرة على أهم جزء من سوريا فيه ثروات طبيعية ” سؤالي لأي سوري ، هل تعلم كم قاعدة عسكرية أنشأ الاستعمار في سوريا ؟ “.
    كما وصف مدمَر ليبيا أهلها بالجرذان ، فقد وصفهم المعتوه أهلنا بالجراثيم . ما غاب عن معرفة هذا المعتوه أن الشام لها قيمة دينية كبيرة . هي شام الرسول “صلى الله عليه و سلَم ” – بدليل قوله اللهم بارك لنا في شامنا ثلاثاً – و هي شام شريف كما يصفها مسلمون من غير العرب ، و أهل الشام ((الأصل فيهم )) أن يكونوا خيرة عباد الله . عند سؤال من أنت لابن الشام فالجواب واضح ” أنا مسلم شامي بغض النظر عن كوني عربي أو كردي أو تركماني و استوصي بأهل ذمتنا خيراً ” ، لكن من أنت أيها المعتوه الأصفهاني و من هؤلاء من حولك و من أولئك الذين أسندوك ؟ قيل أن “الصراحة فيها راحة ” لكن لا يمكن أن تجد جباناً صريحاً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى