منوعات

تعقيب على رد الدكتور عطية عدلان على نظرية العثماني عن آيات القتال

د. هشام البواب

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

تعقيبي هنا على أسلوب الدكتور عطية عدلان في رده على نفي الدكتور سعد الدين العثماني لفريضة الجهاد، في مقاله المنشور على رسالة بوست ، وليس على نقضه لمزاعم الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي، فقد وفى الدكتور عطية في الرد الموضوعي، ولا حاجة لمزيد.

واخترت أن أنشر تعقيبي هذا، لأهمية الغرض، فالمسألة تتعلق بظاهرة انتشرت اليوم بين كثير من الكتاب المسلمين والمشايخ، وهي استعمال ألفاظ التودد عند مخاطبة الذين يحادون ورسوله، وكأن الأمر متعلق بخلاف دنيوي، أو متعلق باختلاف في مسائل فرعية ظنية وليست مسائل قطعية في الإسلام.

التعقيب الأول: التودد باللفظ لمن حاد الله ورسوله

في مقال الدكتور عطية: “نظرية العثماني عن آيات القتال .. عرض ونقض”، وردت في عدة مواضع كلمات مجاملة للدكتور العثماني، وأنقل حرفيا عبارات المجاملة تلك:

  • ·         “الأخ العزيز”
  • “فضيلة الدكتور”
  • “أخانا الحبيب”
  • “الدكتور المحترم”
  • “وللدكتور الكريم”

لا ضير في مخاطبة شخص بلقبه الأكاديمي أو الوظيفي، كدكتور أو أستاذ أو الرئيس أو الملك، فهذا يعتبر من المهنية، فالرسول خاطب ملوك الفرس والروم بألقابهم المتعلقة بوظيفتهم كحكام بلادهم، فهذه ألقاب لا تعكس أي موقف من المُخاطِب الى المُخاطَب، ولا علاقة لها بمشاعر المُخاطِب، لكن عبارة “العزيز”، و”حبيب”، و”الفاضل” و”الكريم” و”المحترم”، والى حد ما “الأخ” (حسب ما أصبحت تحمل من معاني في عصرنا)، فهي تعبير عن موقف شخصي ومشاعر شخصية للمُخاطِب تجاه المُخاطَب، فهي ليست ألقابا وإنما ألفاظ تودد ومجاملة شخصية. وإن قيل إنها لا تعبر عن مشاعر المخاطِب، فهي إذًا كذب أو مداهنة، وكلاهما لا يجوز في الإسلام.

الدكتور سعد الدين العثماني تبنى كثيرا من أفكار الضلال ويدعو إليها ويُنظِّر لها، وقام بأفعال ضلال ولم يتراجع عنها. إنكار فريضة الجهاد ما هي إلا أحد مواقفه الضالة المضلة! فكيف يكون شخصا عزيزا، حبيبا، فاضلا، محترما، كريما، وهو يحاد الله ورسوله {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (سورة المجادلة)؟

هل كل من لَبِس عباءة الإسلام السطحية، وانتمى للتيار الإخواني أو السلفي، يصبح أخا وحبيبا وفاضلا وعزيزا ومحترما للأبد، مهما صدر منه؟ كالذي يدعو للتجاوز عن الحاكم وعدم خلع يد الطاعة عنه، حتى إن خرج يزني في تصوير حي يُبث في العلن! هل الولاء لله ورسوله أم للجماعة أو الحزب أو التيار؟ أليس هناك خط أحمر للدعاة والمشايخ الملتزمين بشريعة الله والداعين لها، لا يجوز تجاوزها، ويخرج مِنْ زمرة المقربين إليهم والأحباء مَنْ تجاوزها؟ ألم يحدد الإسلام تلك الخطوط الحمر التي تنتهي معها المجاملات والتودد ومنها الآية المذكورة في الأعلى، على سبيل المثال لا الحصر؟

ألم يكفيكم ترأس الدكتور العثماني حكومةً لا تحكم بشرع الله، وهي مجرد أداة بيد الحكام الفعليين في المغرب، وإقراراه لكثير من القوانين المخالفة للشريعة، لتتبرأوا منه؟

وألم يكفيكم توقيع الدكتور العثماني شخصيا على معاهدة التطبيع مع إسرائيل، لتتبرأوا منه؟

https://www.youtube.com/watch?v=X7JXQWrhZKk

وألا يكفيكم إنكار الدكتور  العثماني لنصوص قطعية الدلالة من القرآن والسنة، لا يجوز الاجتهاد فيها، كنصوص الجهاد وغيرها، لتتبرأوا منه؟

الواجب شرعا هو زجر الذين يحادون الله ورسوله ويدعون للضَّلال: بعدم مجاملتهم، وبإظهار السخط عليهم بعدم التودد إليهم بالقول.

حين يرى عامة الناس كيف يجاملُ المشايخ وأهل العلم الشرعي الذين يحادون الله ورسوله، فإنهم (أي عامة الناس) يستصغرون الضَّلال والكفر والفسق، وتموت في أنفسهم فريضة الولاء والبراء، يصبحون يحكمون حسب المسطرة العلمانية الوطنية «الدين لله والوطن للجميع»، لا يفرقون بين حق وباطل، ولا بين صالح وطالح، ولا بين وجوب محبة المؤمنين وبغض من يحاد الله ورسول، وما ظاهرة الترحم على الكفار إلا أحد نتائج تمييع العلماء أنفسهم لمواقف الإسلام! يصبح عندهم (أي عامة الناس) الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والصلاح والفسق، في مرتبة واحدة، والله فرَّق بين كل ذلك، يقول سبحانه {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة النحل). {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (سورة المائدة).

أظهِروا سخطكم وغضبكم على من حاد الله ورسوله ولا تجاملوه، تماما كما تظهرون غضبكم حين يمسكم أحدٌ أو أهليكم بسوء أو سلبكم مالا، وحَقُّ الله ورسوله أحق أن يظهر المسلم الغضب على من اعتدى عليه.

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان يظهر غضبها حتى على الرسول، وهو غضب المحب للمحب، غضب بشري بين الزوجين، لا علاقة له بالشرع والوحي والإيمان. تروي رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى»، فسألته: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ»، فقالت عائشة: أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ (صحيح البخاري). الشاهد من هذه الرواية، أنه إذا كانت أم المؤمنين يظهر غضبها عن رسول الله بسبب مسائل بشرية تقع بين الزوجين، لا علاقة لها بالحلال والحرام والولاء لله ورسول وحبهما، فما بالك بمسلمين لا يظهرون سخطهم في القول، حين يخاطبون من حاد الله ورسوله وجاء بالكفر البواح؟  

إظهار الغضب والسخط بأسلوب أو آخر من طبيعة الانسان ومن ضروريات الحياة الاجتماعية، لأنها وسيلة تعبير للآخر أنه تجاوز حدوده وأتى بمنكر، وزجرٌ له لكيلا يتمادى، فمثلا الإسلام الذي فرض صلة الرحم، أجاز قطعها أو الحد منها كوسيلة زجر وتأديب لمن حاد الله ورسوله.

وانظر كيف علمنا الله ورسوله التعامل مع من خالف أمرا لله، وذلك في قصة المَخَلَّفين الثلاثة، تقول الآية: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا، إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (سورة التوبة). الآية تروي قصة ثلاثة رجال من خيار الصحابة من الأنصار الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك بدون عذر شرعي، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم، وأمر نسائهم أن يعتزلوهم. يحكي كعب بن مالك، أحد المخلفين، قصة التخلف عن رسول الله وما ترتب عنها:

[نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا (أَي الثَّلَاثَةُ الذين تخلفوا عن غزوة تبوك)، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ. وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ، أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ] (صحيح البخاري، كتاب المغازي).

عوقب الذين خالفوا أمر رسول الله، بإظهار الرسول وكل المسلمين غضبهم عليهم، بمقابلتهم بجفاء وتجاهلهم ومقاطعتهم، فإذا كانت هذه عقوبة من تخلف عن غزوةٍ مع رسول الله، ولم يكذب كما فعل المنافقون، ولم يحرف معاني أوامر الله ورسوله، ولم ينكرها، وأقر بخطئه، إذا كانت هذه عقوبة صحابةٍ كبارٍ نصروا رسول الله وآووه، فما بالك بمسلمين يعيشون بيننا اليوم يعصون الله فيما هو أعظم بكثير مما اقترفه الصحابة الثلاثة، مسلمون يحادون الله ورسوله، وينكرون أحكامه، ويحرفون نصوص الكتاب والسنة لتوافق هوى أصحاب القوة في العالم!؟ أليس هم أحق بأن يعاملوا بجفاء، فلا يُجاملون ولا يُتودد إليهم!

التعقيب الثاني: تهوين جريمة من حاد الله ورسوله بإدخال مسألة النية

قال الدكتور عطية في متناول رده على الدكتور العثماني: [وقبل أن أباشر الردّ على هذا الكلام الخطير أحبّ أن أنوه إلى أمر غاية في الخطورة، وهو أنّ ما انتهى إليه الدكتور هو ذاته غاية ما يسعى إليه العلمانيون والحداثيون لإبطال الشريعة – وإنْ كنّا نظنّ أنّه حسن النية لا يسعى إلى مرادهم الخبيث –]، وقال في موضع آخر عن العثماني: [إنّك يا سيدي بهذه القاعدة التي نسجتها من قصاصات متناثرة وقلامات مبعثرة قد فتحت الباب على مصراعيه – دون قصد منك ولا سوء نية – لمن يرومون إبطال الشريعة جملة]. وفي موضع آخر: [إنّك تدعم – من حيث لا تدري – مدرسة قامت في الأصل على التورخة، المدرسة “الأركونية”] (انتهى الاقتباس).

سؤالي للدكتور عطية: ما أدراك بنية الدكتور العثماني؟ هل تعلم الغيب؟ أليست النيات لله، ولنا الظاهر؟

كما هو معلوم في الإسلام، يُحكم على الرجال بمواقفهم وأقوالهم وأفعالهم، وليس بما نووا، فمن تكلم بكلام العلمانيين، يُقال عنه علماني.

لماذا تحاول يا دكتور عطية إظهار سعد الدين العثماني وكأنه ليس من العلمانيين والحداثيين، رغم الأفكار العلمانية الصريحة التي يتبنها وينَظِّر لها؟ أنت نفسك تقول أنه إذا كان العلمانيون قد تعوقوا كثيرا في محاولاتهم إبطال الشريعة بسبب خطابهم المتبجح، فإنّ الدكتور العثماني قد وجد المسلك الذلول الذي ينفذ من خلاله إلى الغاية التي عجز العلمانيون عن بلوغها. إن لم تشأ نعته صراحة بالعلماني، لك ذلك، لكن لا تحاول إخراجه من زمرة العلمانيين، اترك الحكم الصريح للغير.

هل تعجبون أن يكون أناس علمانيون، وهم يصلون ويصومون ويحجون، ويحفظون ما تيسر من القرآن والسنة، ودرسوا ما تيسر من العلوم الشرعية، وانتموا لتيارات أو جماعات إسلامية؟ لا غرابة في ذلك، فالحقيقة الذي لا يريد البعض سماعها، أن كثيرا من دعاة الإسلام اليوم ومن الجماعات الإسلامية، علمانيون في التفكير والآراء والمواقف، وإن صلوا وصاموا وقرأوا القرآن، يدخلون ضمن الزمرة التي قال عنها الرسول: «دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» (صحيح البخاري)، ومن حمل كتاب الله ولم يعمل به يكون من بين أول من «تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ» (الحديث النبوي، صحيح الترمذي).

نحتاج لمزيد من الصراحة والوضوح في الخطاب، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (الآية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى