مختارات

بوح الحارات المنسية.. فقراء في زمن العدل (3)

خالد صالح قوقزه_كاتب في التراث|

رغم ضنك العيش وقلّة الحيلة وقصر اليد، فقد كانت حاراتنا المنسية جميلة بكل مكوناتها، بيوتها، ناسها، بساتينها، بساطتها، مدارسها، فحين كنا على مقاعد الدراسة في المدرسة التي تخرّج منها الكثيرون وصاروا أطباء ومهندسين وضباطا وعسكرا ومعلمين، لم يكن أمامنا كطلاب من أبناء الحراثين والعسكر في تلك الحارات التي نسيها الزمن، وهمّشها المُهمشون، إلا خياران لا ثالث لهما.
فوالدك ينصحك: “يابه يا بِتشِد حيلك بالقراية وتصير قد حالك وإتچمّل إقراية وتقرا بالجِامعِة، أو تصير سقيطة واطلعك من المدرسة وتلحق الطرشات وتشتغل حرّاث وحصّاد”
منّا من تحامل على نفسه وجاهد وانتصر على ظروف الفقر والحاجة ( وكانت هي الصفة العامة لكل المجتمع الا من رحم ربي )، وبنفس الوقت الصبر على أوامر مدير المدرسة والمدرسين، والذين كانت أوامرهم عسكرية مبنية على مبدأ نفّذ ثم ناقش، وكأننا في معسكر أو ميدان تدريب، فأقل خطأ يرتكبه الطالب كانت عقوبته عشرة من العصي، وبعدها عقوبة إحضار ولي الأمر، وهنا تكون الكارثة، حيث أن العشرة عُصي كانت أخفَّ بلاء من إحضار ولي الأمر، الذي عندما يراك في الدار بوقت لازم تكون به في المدرسة، يقول : “هه شو مالَك كإنك فال من المدرسة ، لتكود عاملك عملِة خامّه”.
يرد الولد: “لا يابه منيش فال، بس المدير كَحشني عشان إوصلت المدرسة مِتأخر إشويه:.
الوالد: وين باقي سايط ومع مين كاين؟
الولد: صدقني يابه كنت مني قادر امشي بهالبرد ، وغير هيك مشايتي ( حذائي ) وسيع على إجري، وكان إيعوقني واني ماشي، وما كُنتش قادر أركض.
الوالد: صُرت تتحَيَّل بالكُندرة هاه؟ طيّب هساعيات بورجيك چيف راح إيساوي بيك لِستاد.

بالطبع لا يجد الأب إلا أن يوافق على مرافقتك، فيقول: إمشي قِدامي ولك يا لاطه، لولاك همولة وسقيطة ما بِقول ليك المدير جيب أبوك، والله لأخلي المدير يهري وبرك.
لا يتوقف الأمر على الكلام، بل يبدأ بالتشليت من باب الدار حتى تصل للمدرسة، وعندما تصل المدرسة تنظر اليه وترى الشرار يتقادح من عيونه. فيقول للمدير: شو يا أستاد انت إمودي مشان آجي مع هالسقيطة؟!.
_ اه والله يا حج، هاظ ابنك اجا اليوم مِتأخر عن الطابور، وبيني وبينك سطّيته بالعصاه لمّا البين سَطُّه.
_ الله لا إيقيمه، تسلم إيدك يا أستاد بس والله إنك إمقصّر. واني من يوم قيدته عندكوا قلت ليكوا هاظ تحت تصرفكوا وانتوا حرّين بيه، واليوم بقول ليك كمان هاظا هوه قدامك بدياك إتبَربِدُه وتهري إجنابه، ترا أني وديت ليك لحم وبدي أياك إترَجِّع العظم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى