تقارير

انطلاق “مسيرة” هدم الأقصى…والفصائل تتوعَّد بتجديد “سيف القُدس

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تزداد الأوضاع توتُّرًا بالأرض المقدَّسة، الخاضعة للاحتلال الصُّهيوني، في الأيَّام الأخيرة، مع تجدُّد دعوات اليهود المتطرِّفين إلى تقنين اقتحامات المستوطنين اليوميَّة للمسجد الأقصى المبارك، والسَّماح بأداء الصَّلوات والطُّقوس الدِّينيَّة التُّلموديَّة في ساحاته، وصولًا إلى الدَّعوة إلى هدم مصلَّى قبَّة الصَّخرة بالمسجد المبارك لتأسيس الهيكل الثَّالث. فقد أطلق بنتسي غوبشتاين، رئيس منظَّمة “لهافا” اليهوديَّة المتطرِّفة وتلميذ الحاخام المتطرِّف مئير كهانا، دعوة باسم “مسيرة الأعلام” تُنظَّم الأحد 29 مايو من عام 2022م، تزامنًا مع الاحتفال بما يُسمَّى “يوم أورشليم”، وطالب فيها بتوحيد جهود المنظَّمات اليمينيَّة والاستيطانيَّة؛ في سبيل تفكيك مصلَّى قبَّة الصَّخرة وتفريغ موقع لهيكل أورشليم، بعد قرابة ألفين عام على هدمه على يد الرُّومان، وفق الزَّعم اليهودي. وكانت منظَّمة “لهافا” قد أُسِّست عام 2009م، واسمها عبارة عن اسم مختصر يتكوَّن من الحروف الأولى للعبارة العبريَّة “منظَّمة منْع ذوبان اليهود في الأرض المقدَّسة”، بهدف تطهير العرق اليهودي من الاختلاط بالأجناس الأخرى، إلى جانب طرْد العرب من الأراضي المحتلَّة. وبالطَّبع، ما كان من الفصائل الفلسطينيَّة المسلَّحة إلَّا أن حذَّرت من اقتحام الأقصى خلال مسيرة الأعلام، وتوعَّدت بردٍّ رادع على تجاوزات الاحتلال.

انطلاق “مسيرة الأعلام” وسط استفزاز إسرائيلي غير مسبوق بنتسي غوبشتاين رئيس منظَّمة “لهافا” أصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومر بارليف، قرارًا بالسَّماح بتنظيم “مسيرة الأعلام” في شوارع مدينة القُدس المحتلَّة. وقد استجاب المئات من المستوطنين اليهود إلى دعوة غوبشتاين، وبالفعل اقتحم ما يُقدَّر بـ 2000 مستوطن، يقودهم النَّاشط السِّياسي المتطرِّف ايتمار بن غفير، المسجد الأقصى المبارك صبيحة 29 مايو الجاري، في حراسة شرطة دولة الاحتلال، من جهة باب المغاربة، وقد عمدت الشُّرطة إلى إغلاق المصلَّى القبلي، واعتقال 4 من المرابطين بالمسجد المبارك، نقلًا وكالة “وفا” الفلسطينيَّة. وقد أوضح شهود العيان أنَّ الاقتحام تمَّ في صورة مجموعات، ضمَّت كلُّ مجموعة 40 مستوطنًا، وصاحَب هؤلاء عددٌ من الحاخامات ممَّن ألقوا شروحات عن الهيكل المزعوم في المنطقة الواقعة بين مصلى باب الرَّحمة ومصلَّى قبَّة الصَّخرة المتقابلين، حيث يُزعم أنَّ الهيكل موقعه كان محلَّ قبَّة الصَّخرة والباب المؤدِّي إليه هو باب الرَّحمة في الجهة المقابلة. وتمهيدًا للاقتحام، كثَّفت شرطة الاحتلال وجودها عند باب العامود، ونصبت حواجز عسكريَّة داخل أسوق البلدة القديمة، وعلى الطٌّرقات المؤدِّية إلى المسجد الأقصى، إلى جانب منْع دخول الشُّبَّان والفتية إلى المسجد في صلاة الفجر، والاعتداء بالضَّرب على مَن هم دون الأربعين، وحظْر التَّصوير داخل ساحات المسجد. من ناحيتها، أفادت شبكة الجزيرة الإخباريَّة بأنَّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، يتابع الأحداث بدقَّة، دون تدخُّل لمنْع المستوطنين من ممارسة أعمالهم الاستفزازيَّة، برغم إلغاء محكمة الاستئناف الإسرائيليَّة حُكمًا أصدرته محكمة جزئيَّة للسَّماح باقتحام المستوطنين المسجد الأقصى لأداء صلوات تلموديَّة. وقد أعلنت إذاعة جيش الاحتلال أنَّ بينيت أصدر قرارًا نهائيًّا بعدم تغيير مسار “مسيرة الأعلام” في شوارع القُدس، ولو أفضى ذلك إلى تصعيد أمني. أثارت دعوة منظَّمة “لهافا” إلى إطلاق “مسيرة الأعلام”، تمهيدًا لتفكيك مصلَّى قبَّة الصَّخرة، غضبًا فلسطينيًّا واسعًا، وإن اقتصر التَّعبير عن الغضب، حتَّى الآن على الأقلِّ، على التَّنديد والإدانة والتَّحذير. من جانبها، دعت وزارة الخارجيَّة التَّابعة للسُّلطة الفلسطينيَّة، برئاسة محمود عبَّاس، مجلس الأمن الدُّولي إلى التَّدخُّل لمنْع الاقتحامات الاستفزازيَّة. في حين صرَّح الشَّيخ الدُّكتور ناجح بكيرات، نائب مدير عام الأوقاف الإسلاميَّة في القدس ورئيس أكاديميَّة الأقصى للعلوم والتُّراث، بأنَّ تلك الدَّعوة لا يمكن النَّظر إليها على أنَّها دعوة فرديَّة مستقلَّة عن حكومة الكيان الصُّهيوني، إنَّما باعتبارها إحدى خطوات مخطَّط التَّقسيم المكاني والزَّماني للمسجد الأقصى، مشيرًا إلى صمت شرطة الاحتلال إزاء تخريب مسجد عُمر الَّذي يحتضن قبَّة الصَّخرة. وجاء على لسان بكيرات نصًّا عن اقتحامات المتطرِّفين اليهود “نشاطهم لا ينبع من الإيمان بأنَّ الهيكل اليهودي كان هنا، كما يزعمون كذباً. فاليهود أنفسهم مختلفون على مكان الهيكل وهناك 13 زعمًا لديهم، بعضهم يعتقدون بأنَّه كان هنا في الأقصى، وكثيرون يرون أنَّه كان في جبل جرزيم، وآخرون يرون أنَّ مكانه في اليمن، وغير ذلك. لكنَّ ما يوحِّد المتطرِّفين اليهود هو الرَّغبة في القضاء على أي معلم عربي أو إسلامي في القدس؛ حتَّى تصبح مدينة يهوديَّة صِرفًا، ويتخلَّصوا من الأماكن المقدَّسة الإسلاميَّة والمسيحيَّة وكلِّ ما هو غير يهودي”. هل تجدَّد معركة “سيف القُدس” بعد توعُّد حماس بالرَّد؟ من الثَّابت أنَّ قوَّات الاحتلال الإسرائيلي لا تتراجع عن مواقفها إزاء اقتحامات المسجد الأقصى ومحاولات فرْض السَّيطرة اليهوديَّة عليه إلَّا بحراك شعبي واسع النِّطاق، كما حدث في أغسطس من عام 2017م عند اضطرارها إلى إزالة البوَّابات الإلكترونيَّة الَّتي كانت قد وضعتها في مداخل المسجد المبارك؛ وكما حدث في مايو 2021م عند منْع “مسيرة الأعلام” أمام الهبَّة الفلسطينيَّة، الَّتي تحوَّلت إلى معركة “سيف القُدس” بقيادة الفصائل الفلسطينيَّة المسلَّحة، وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي؛ وكذلك عند منْع ذبْح القرابين في عيد الفصح اليهودي أواخر أبريل الماضي وتزامنًا مع شهر رمضان المبارك. تزامنًا مع إطلاق دعوة “مسيرة الأعلام”، أصدرت حركة حماس بيانًا للتَّعليق على الدَّعوة، جاء فيه “نار اللهب الَّتي تعبث بها هذه الجماعات المتطرِّفة، سترتدُّ على قادة الاحتلال وحكومته، وتحمل في طيَّاتها نُذُر سقوطهم وزوال كيانهم”، إلى جانب الدَّعوة إلى النَّفير إلى المسجد المبارك والرِّباط فيه.

وقُبيل انطلاق المسيرة، أصدرت كتائب القسَّام، الجناح العسكري لحماس، إعلانًا جاء فيه “بالرَّاجمات.. السَّاجدات.. الصادحات بثأرنا عبر الزَّمان.. المرسلات.. العاصفات.. القاذفات برعبنا وجه الكيان”، بتوقيع “سيف القُدس”، ما اعتبره البعض تهديدًا ضمنيًّا بشنِّ معركة جديدة ضدَّ الاحتلال. تحذير فلسطيني من تداعيات الاستفزازات الإسرائيليَّة تعليق حماس على “مسيرة الأعلام” في حين صرَّح محمد الهندي، رئيس الدَّائرة السِّياسيَّة في حركة الجهاد الإسلامي، بما يفيد بأنَّ تجديد معركة “سيف القُدس” صار من الثَّوابت لدى الفلسطينيين حتَّى تحرير الأرض المقدَّسة، حيث قال “شعبنا واحد وموحَّد على المقاومة والسَّاحات مترابطة ولا يمكن الاستفراد باي ساحة أو عزلها، ومعركة السِّيادة على القُدس مستمرَّة وطويلة وتأخذ أشكالًا مختلفة. ومعادلة ‘‘سيف القُدس’’ لا يمكن إلغاؤها”. ونتساءل: ما مآل التَّصعيد في الأرض المقدَّسة في هذه الآونة، تزامنًا مع التَّغييرات الجذريَّة الَّتي يمرُّ النِّظام العالمي بفعل إرهاصات الحرب العالميَّة الثَّالثة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى