ألم الترمُّل وصفعة الطلاق
هند عودة
ترمّلت جارةٌ لنا لمّا تبلغ الثلاثين من عمرها، فنصحتها عمتي باتخاذ زوجٍ لها، حتى لاتظل رهينة الوحدة.
-لستُ وحيدة، لديّ أطفالي، وسأنشغل بتربيتهم.
-لايمنع هذا ذاك. تزوجي بمن لايشغلِك عن القيام بمسؤلياتهم. يومًا ما ستتوقين لأنْس الحديث مع من يجاريك، فلا تجدين إلا هؤلاء الصغار، الذين مهما كبروا فلن تستطيعي ولا هُم، تخطّي الفارق الزمني بينك وبينهم.
تذكرتُ نصيحة عمتي، وأنا أصغي لشكوى سيدة مطلقة، وهي تحكي كيف أنها كانت تشاهد قبيل العيد، سنابات نساءٍ من معارفها وأقاربها، وقد عرضت بعضهن هدايا أزواجهن لهن. فأرسلت ترثي حالها، وتشكو لابنتها البكر الجالسة جوارها: شوفي ماشاء الله.. الله يهنيهم، والله ماأذكر أبوكِ فرّحني يوم بهدية. لترد عليها ابنتها بكل استنكار: ليش صايرة عينك ضيّقة، وتدققين بأرزاق الناس وحياتهم!!!
والله ياهند، صُفِعت صفعة لم أختبرها في حياتي من قبل. لقد أسقِط في يدي، ودارت بي الدنيا فلم أهتد لجواب . كنت مذهولة ….حيرى مابين قسوة كلماتها وسوء فهمها لكلماتي. وبعد أن استعدت ثباتي شرحت لها أن غاية ماأردته رثاء نفسي ليس إلا، وأما مايُعرض فلستُ من الحُمق كي أصدقه، أو أتصور وجودًا للحياة المثالية. ثم أنني آليت بعدها التحفّظ، والتكتّم، وحبس شجون صدري بصدري.
- ياعزيزتي، قناعتي العتيقة الثابتة أن مابين الزوجين غالبًا لن يهتدي إلى سرّه وحقيقته أحد. ظاهر ماأعاينه أنكِ قد بذلتِ مالك ووقتك وصحتك لأسرتك، ولايمكن إنكار ملاحظة تواضع حياتكم مقارنةً بما يملكه والد أبنائك من إمكانيات، لكن كل هذا لايمنحك حق الإساءة إليه أمام أولاده. هذا خطأ فادح. قد يكون بخيلاً معك، نذلاً معك، دنيئًا أنانيًا معك. لكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك مع أولاده. ولو اختارك الله لجواره بعد عمرٍ طويل، فليس لهم من سندٍ بعد المولى سواه. إنْ كان كما تصفين فسيكتشفون ذلك لاحقًا. وإن لم يجدوا مااتهمتِه به من تهم، فسيكرهونك، ناهيك عن ماستبوئين به من إثم. لاتظني أن مثل هذا الملام والتقريع مهما صغر حيّزه لن يؤثر في نفسيات أولادك. لربما كانت ردة فعل ابنتك الغريبة، ثورةً ورفضًا لاشعورياً ضد شكواك من والدها.
لمصلحةِ أبنائك النفسية والجسدية والاجتماعية والروحية، لاتقحميهم فيما كان بينك وبين زوجك السابق.
-أنا لاأفعل صدقيني. ويعلم الله كم استخرت، واستشرت، وفكرت، وفاضلت وقدرّت، قبل اتخاذ قرار الانفصال المؤلم الذي مامنه مناص. الأمر لم يعدُ عن كونه بوحًا وفضفضة رجوت بها التخفّف في لحظة ضعف.
-مثل هذا التبرّم وهذي الشكاوي تحدث باستمرار في حياة المتزوجين، من كلا الطرفين، أمام أولادهم وأهليهم وذويهم. لكن حساسية وضع الطلاق، تجعل له اعتبارات خاصة لابد من الانتباه لها.
أتفهّم تماماً لحظة الضعف التي مررتِ بها، كما تتفهمه الكثير من النسوة سواء المتزوجة أو الأرملة أو المطلقة أو حتى العزباء. ويومًا ما ستتفهم ابنتك لحظة الضعف هذه، لكن بعد فوات الأوان.
هناك من لن يتفهّم لبلادة حسه وضيق أفقه، وهناك من لايفعل لكونه لم يختبر ظرف غيره. وأما أولادنا فلذات أكبادنا، وضنائن أرواحنا، فالفارق الزمني سيظل أبدًا عائقًا عن الالتقاء المنسجم معهم فكرًا وتذوّقًا واستيعابا. ليس ذنبهم ولاذنبنا. إنها سنة الحياة.
ولأنه لابُـد من شكوى إِلى ذي مُروءةٍ ..يُواسِيك أَوْ يُسْلِيك أو يتوجَّع . فالاستئناس بزوجٍ صالح حتى وإن ندرت صحبته، هي إحدى حلول هذا الاستيحاش، وإلا ففي القريبة أو الصديقة الحكيمة المخلصة موطنٌ لبث الأكدار والأشجان.
لكن، لهف نفسي؛ أين هي الشكوى التي لاتتزيّ بالضعف، وتحرّك في مُتلقّيـها الشفقة، ثم التبرّم والسخط إن هي طالت في ظنه، أو تكررت في حسابه، ثم هاأنت ذا تقرع السن على التعريّ الذي أورثك البرد وألبسك الخذلان.
يبدو من الصائب جدًا أن لايرى ضعفك مخلوق؛ لاأولادك ولا صحبك، ولا أهلك، ولاحتى رفيق دربك. اجهد في طلب ذلك مااستطعت إليه سبيلا. ووالله لقد أثبتت لي الأيام، أن تلك النصيحة التي كنت أراها ضربًا من الخيال، وشيئاً من المبالغة، ونوعًا من الاستشراف، هي الحق الموافق للواقع؛ اغلق عليك باب حجرتك، وافترش سجادتك، وناج من لايضيق بنجواك، ولايسيء فهمك، ولا يملّ شكواك…
ولعلّني رُغم احتياجي أنْطوي
وألوذُ بالصلواتِ والخلواتِ
الناسُ تهجرني لعيبٍ واحدٍ،
و الله يقبلني على عِـلّاتي !
نسّقت ألف قصيدةٍ في فهمهم
والله يعرفني بِغير لُغاتِ .