ثقافة وأدب

قراءة في كتاب (إلحاد الثورات المضادة) للكاتب محمد خير موسى

باسل المحمد

مدير الأخبار – رسالة بوست
عرض مقالات الكاتب


قد يتساءل المرء عند قرائته لهذا لعنوان الكتاب عن العلاقة بين ظاهرة الإلحاد وبين الثورات المضادة، ولعله يجد بداية الأمر أن ثمة تناقضاً بين الظاهرتين (الإلحاد- الثورات المضادة)، ولكن ما أن يشرع القارئ بقراءة الكتاب حتى يتوضح له الحقيقة التالية (أن الثورات المضادة كان لها أكبر دور في انتشار ظاهرة الإلحاد بين الشباب العربي).
يشير المؤلف في هذا الكتاب إلى وجود هذه الظاهرة قبل الثورات، إلا أن الثورات المضادة وما رافقها من استبداد وظلم أدت إلى إذكاء هذه الظاهرة، وأسهمت بشكل جلي في إظهارها للعلن. إذ يوضح الكاتب محمد خير موسى كيف دخل الشباب العربي عقب مرحلة الثورات المضادة مرحلة جديدة من الأفكار والأسئلة المتفجرة، التي كانت أصواتها في رؤوسهم أعلى من أصوات الصواريخ والبراميل، تتمحور هذه الأسئلة حول الاعتقاد والإيمان، إضافة إلى أسئلة تتعلق بالله تعالى وصفاته، كالعدل مثلاً، خاصة بعد ما وجدوه من ظلم الأنظمة المستبدة في سوريا ومصر مثلاً.
يحاول المؤلف في كتابه أن يكون موضوعياً قدر الإمكان، فهو لا يحمل الثورات المضادة وحدها وزر انتشار هذه الظاهرة، إذ يُفصل في كتابه كيف كان للحركات الدينية، التي ارتكبت أخطاء كبيرة باسم الدين، في مختلف البلاد العربية دور كبير بجر الشباب إلى طريق الإلحاد، ويضرب الكاتب أمثلة على ذلك، ففي السعودية كانت هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي سوريا خرجت العديد من التيارات والجماعات الإسلامية المنفرة من الدين مثل “داعش، والنصرة، ووو”، وحتى في إيران كان لنظام الولي الفقيه وممارساته الاستبدادية باسم الدين دور كبير في إذكاء نار الإلحاد في إيران، ولايغفل الكاتب الدور السلبي لرجال الدين الذين كانوا يمثلون القدوة للشباب، وكيف خاب ظن هؤلاء الشباب بهم مع أولى صيحات الحرية، ويضرب الكاتب الشيخ البوطي مثلاً على ذلك.
وبالطرف المقابل يشير الكاتب إلى الأحلام والمبالغات التي كان يتبناها العلماء والدعاة ممن تصدروا شاشات وميدان ثورات الربيع العربي، وهو ما يسميه الكاتب بـ “خطاب المنصة”، إذ كان بعضهم في مصر مثلاً يقول: إنه رأى النبي -صلى الله وعليه وسلم- يصلي الفجر في ميدان رابعة، أما في سورية فبعضهم حدث أنه رأى ملائكة تقاتل مع الثوار ضد قوات النظام، وبعضهم كان يبالغ في ذلك فيعد الشباب المتحمسون بفتح “روما”، بينما لا يستطيع تأمين الخبز لسكان قرية في إدلب، ويؤكد الكاتب على دور “خطاب المنصة” في خيبة أمل الشباب العربي، ودفعهم للشك بكل ما سمعوه من قبل هؤلاء العلماء، ثم يربط المؤلف هذه الخيبة بجنوح قسم منهم إلى الإلحاد.
يشكل الكتاب -على صغر حجمه- مادة غنية للبحث والتفكير في هذه الظاهرة، فهو إضافة إلى كل ما سبق يفند بعض المقولات عن الإلحاد، كأن يقال (إن الدول الملحدة متقدمة على الدول المتدينة)، إذ يبرهن الكاتب بالأرقام عكس هذه المقولة، فيقول إن تركيا التي ترتفع فيها نسبة التدين تتقدم اقتصادياً وعسكرياً على دولة مثل فيتنام مثلاً التي تبلغ نسبة الإلحاد فيها 75%.
لا يقتصر المؤلف في طرحه لهذه “الظاهرة” على التنظير الشكلي فقط، بل يقترح آليات للتعاطي معها، ومنهجاً للتعامل معها، فالكاتب لا يهاجم هذه الظاهرة ويشن عليها حرباً كما يفعل أغلب الذين كتبوا وألفوا في محاربة ظاهرة الإلحاد، بل يقدم مفاتيح يعتمد عليها العاملون في هذا الحقل بالغ الأهمية. ويؤكد الكاتب في ختام كتابه أن التأخر في لا يقتصر مواجهة هذه الظاهرة بالطرق العلمية والحجة والإقناع، وتقاعس العلماء والدعاة في مواجهتها سيؤدي إلى شيوعها وانتشارها بين شباب الأمة أكثر فأكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى