مقالات

ماذا ستجني السَّعوديَّة من التَّطبيع مع إسرائيل في عهد ابن سلمان؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

برغم النَّفي الرَّسمي المتكرِّر واشتراط حلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود عام 1967م ومنْح حُكم ذاتي للفلسطينيين، عاد إلى الواجهة في الأيَّام القليلة الماضية الحديث عن تجدُّد مساعي تطبيع العلاقات بين المملكة العربيَّة السعوديَّة ودولة الاحتلال الإسرائيلي. وكما نشرت صحيفة معاريف الإسرائيليَّة، يرجع ذلك إلى معارضة إسرائيل إتمام عمليَّة نقْل السِّيادة على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين بالبحر الأحمر من مصر إلى السَّعوديَّة، استنادًا إلى ما تنصُّ عليه اتِّفاقيَّة كامب دافيد، الَّي أبرمتها مصر مع دولة الاحتلال بمباركة أمريكيَّة عام 1979م، الَّتي تنصُّ على أن يكون تغيير الوضع القائم في الجزيرتين بعد مشاورة الجانب الإسرائيلي، بحيث تخضع الجزيرتين إلى الرِّقابة الدُّوليَّة دون وجود عسكري. ومع تغيُّر السِّيادة على الجزيرتين، لا بدَّ من أن تكون العلاقات الإسرائيليَّة بالسِّيادة الجديدة مطمئنة لاعتباراتها الأمنيَّة. وتبدي إدارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، اهتمامًا ملحوظًا بحلِّ تلك الأزمة، تزامنًا مع التَّحضير لزيارة بايدن إلى منطقة الشَّرق الأوسط نهاية يونيو المقبل، والمقرَّ أن يزور فيها السَّعوديَّة ويلتقي بالأمير محمَّد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، بعد فترة من توتُّر العلاقات وتبادُل الاتِّهامات. ومن الملفت أنَّ تلك الزِّيارة تتزامن مع أقاويل عن استعداد ابن سلمان لتسلُّم الحُكم رسميًّا، بعد تخلِّي العاهل السَّعودي، المَلك سلمان بن عبد العزيز، عن السُّلطة، إمَّا لتراجُع حالته الصِّحيَّة أو بإعلان وفاته. هذا، وقد نقل موقع اكسيوس الاستخباراتي الأمريكي عن 5 مصادر أمريكيَّة إسرائيليَّة ما يفيد بإصرار إدارة بايدن على أن يكون حلَّ تلك الأزمة في إطار إبرام اتِّفاقيَّة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسَّعوديَّة، الَّتي باركت قبل عامين انضمام دولتي الإمارات والبحرين الخليجيتين إلى اتِّفاقيَّات أبراهام التَّطبيع، ولكن مع الامتناع عن الانضمام قبل حلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة، كما يُصرَّح إعلاميًّا. جهود أمريكيَّة حثيثة لضمِّ السَّعوديَّة إلى اتِّفاقيَّات أبراهام وفق ما نقلته المصادر الرَّسميَّة الأمريكيَّة والإسرائيليَّة، فإن التَّحضير لزيارة بايدن إلى الشَّرق الأوسط، وهي الأولى من نوعها منذ تولِّيه السُّلطة في يناير 2021م، يشمل السَّعي إلى عقْد اجتماع يجمع دولة الاحتلال بزعماء إقليميين، على غرار اجتماع وزير الخارجيَّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، بوزراء خارجيَّة عرب بحضور وزير الخارجيَّة الإسرائيلي، يائير لابيد، في صحراء النَّقب أواخر مارس الماضي، لتدشين ما يُعرف بالتَّحالف الاستراتيجي للشَّرق الأوسط لمواجهة إيران. وقد نشر موقع والاه الإسرائيلي أنَّ إدارة بايدن تأمل أن تفضي تسوية نقْل السِّيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السَّعوديَّة إلى اتِّفاقيَّة سلام بين الأخيرة ودولة الاحتلال. وقد قال الموقع نصًّا “في حال نجحت المفاوضات، فقد تمهِّد الطَّريق لإجراءات تطبيع كبير من جانب السَّعودية تجاه إسرائيل، ومثل هذا التَّطوُّر سيكون اختراقًا مهمًّا وإنجازًا سياسيًّا كبيرًا لحكومة نفتالي بينيت وحكومة بايدن في الشَّرق”. ومن الواضح أنَّ سعي إدارة بايدن دفْع السَّعوديَّة على بدء مرحلة جديدة في علاقتها بإسرائيل مبنيٌّ على ثقة أمريكيَّة في تغيُّر النَّظرة السَّعوديَّة إلى دولة الاحتلال في الفترة الأخيرة، وإيمانها بإمكانيَّة التَّعايش السِّلمي بين الدَّولتين، من خلال إبرام اتِّفاقيَّات تجاريَّة وفتْح الأجواء السَّعوديَّة لمرور الطَّيران الإسرائيلي والسَّماح بتبادل الزِّيارات بين البلدين، على الأقلِّ لنقْل زوَّار الحرمين من المسلمين المقيمين بإسرائيل. خطوات ملموسة في طريق إتمام التَّطبيع بين السَّعوديَّة وإسرائيل كما سبقت الإشارة، تشترط دولة الاحتلال الإسرائيلي قبل الموافقة على إتمام نقْل السِّيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السَّعوديَّة الدُّخول في علاقات ودِّيَّة مع الأخيرة، برغم موافقة البرلمان المصري عام 2017م على نقل الجزيرتين للسِّيادة السَّعوديَّة؛ لأنَّ الملاحة عبر مضيق تيران الَّذي يقع بين مصر والسَّعوديَّة تمسُّ الأمن القومي الإسرائيلي. وقد كشف موقع والاه الإسرائيلي عن اعتزام أيال حولتا، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، زيارة الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة الأسبوع المقبل للقاء نظيره الأمريكي، جيك سوليفان، والتَّباحث حول محوريَّة الدَّور الأمريكي في الوساطة لإتمام صفقة التَّطبيع بين السَّعوديَّة وإسرائيل. سيترَّأس حولتا وفدًا كبيرًا يضمُّ عددًا من كبار رجالات دولة الاحتلال، من وزارة الخارجيَّة والموساد ووزارة الأمن ومن قادة جيش الاحتلال، لعقد اجتماع مع نظرائهم الأمريكيين، سعيًا إلى إثناء إدارة بايدن عن رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة. وقبل زيارة حولتا، أرسلت الإدارة الأمريكيَّة اثنين من كبار مسؤوليها، هما بريت ماكغورك، منسِّق مجلس الأمن القومي الأمريكي للشَّرق الأوسط، وعاموس هوشتاين، مبعوث وزارة الخارجيَّة للطَّاقة، إلى السَّعوديَّة لإقناع النِّظام الحاكم في المملكة بمزايا التَّطبيع مع إسرائيل، وفق ما نشره موقع اكسيوس، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين. غير أنَّ الموقع الاستخباراتي لم يذكر ردَّ الفعل السَّعودي في هذا الصَّدد. تصريح سعودي رسمي: المملكة ستجني الكثير من التَّطبيع ردًّا على مدى استعداد بلاده لإعلان التَّطبيع الكامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، صرَّح الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيَّة السَّعودي، خلال مشاركته في جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس بسويسرا، بأنَّ المملكة على استعداد للتَّطبيع، شريطة حلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة، وفق بنود مبادرة السَّلام العربيَّة في القمة العربيَّة ببيروت عام 2002م، الَّتي اقترحها العاهل السَّعودي الرَّاحل، المَلك عبد الله بن عبد العزيز. وتنصُّ مبادرة السَّلام العربيَّة لعام 2002م على تأسيس دولة فلسطينيَّة على حدود عام 1967م عاصمتها القدس الشَّرقيَّة، إلى جانب حلِّ قضيَّة اللاجئين. وبرغم ذلك الاشتراط السَّعودي لقبول الانضمام إلى اتِّفاقيَّات أبراهام، فقد أضاف فيصل بن فرحان أنَّ بلاده “ستجني فوائد هائلة من التَّطبيع”، تمامًا مثل دولة الاحتلال، حيث صرَّح بقوله “قد يكون التَّطبيع له فوائد على الجميع، ولكن لا نستطيع حصد هذه الفوائد دون أن نحلَّ القضيَّة الفلسطينيَّة، وقد شهدنا في الأسابيع والشُّهور القليلة الماضية، أنَّ هذا الموضوع غير المحلول لا يزال سبب زعزعة الاستقرار في المنطقة، وعدم حلِّ هذا الموضوع سيمكِّن الأصوات المتطرِّفة في المنطقة”. ونتساءل: ما مآل إعلان بلاد الحرمين التَّطبيع مع دولة الاحتلال الصُّهيوني؟ وهل اعتراف بايدن بمحمَّد بن سلمان ملكًا هو مقابل إعلان التَّطبيع؟ وهل إلغاء جولة وليِّ العهد السَّعودي الخارجيَّة قبل أيَّام كان تمهيدًا لإعلان تغيُّر فارق في السُّلطة في بلاده؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى