مقالات

أقاويل عن مصالحة أمريكيَّة-سعوديَّة لمواجهة الخصم الإيراني

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


بات معروفًا في الأوساط السِّياسيَّة أنَّ العلاقات التَّاريخيَّة بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والمملكة العربيَّة السَّعوديَّة تمرُّ بحالة ربَّما غير مسبوقة من التَّوتُّر، حتَّى وصلت في أبريل الماضي إلى حافة الانهيار. ويُرجع السَّبب الأساسي في ذلك التَّوتُّر إلى انتقاد إدارة الرَّئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، منذ وصولها إلى البيت الأبيض في يناير 2021م انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، وبخاصَّة فيما يتعلَّق بحريَّة الرَّأي، واستغلالها قضيَّة مقتل الصُّحافي السَّعودي جمال خاشقجي عام 2018م في ابتزاز وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمَّد بن سلمان، والتَّضييق على المملكة في تمرير صفقات السِّلاح، هذا إلى جانب التَّنديد بأداء السَّعوديَّة في حرب اليمن، ورفْع جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًّا من قوائم الإرهاب برغم اعتداءاتها المتواصلة على منشآت سعوديَّة حيويَّة.
غير أنَّ زيارة الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدِّفاع السَّعودي، إلى الولايات المتَّحدة في 17 مايو الجاري من الواضح أنَّها تمهِّد لتهدئة التَّوتُّر، وربَّما لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها بين البلدين المتحالفين استراتيجيًّا منذ ما يزيد على 75 عامًا. وليس أدلُّ على احتمال التَّصالح بين أمريكا والسَّعوديَّة أكثر من تردُّد أقاويل عن لقاء مرتقب بين جو بايدن والأمير محمَّد بن سلمان، خلال زيارة بايدن إلى منطقة الشَّرق الأوسط في يونيو المقبل. ويُبرَّر ذلك التَّقارب بسعي الطَّرفين بتنسيق الجهود في مواجهة التَّهديد الإيراني للمنطقة، لا سيِّما بعد تعثُّر مفاوضات إحياء الاتِّفاق النَّووي وتهديد الرَّئيس الإيراني بالثَّأر لاغتيال أحد كبار قادة الحرس الثَّوري الإيراني بتدبير إسرائيلي. ومع ذلك، فاحتمال فشل التَّصالح غير مستبعَد، في ظلِّ التَّقارب السَّعودي مع الصِّين وروسيا، الخصم الاقتصادي والعسكري الألدِّ للولايات المتَّحدة، وورود أنباء عن زيارة الرِّئيس الصِّيني للمملكة قريبًا، ربَّما قُبيل زيارة بايدن المرتقبة.
نتائج متوقَّعة للقاء بايدن بابن سلمان
كما نشر بيان البيت الأبيض، التقى الأمير خالد بن سلمان كلًّا من جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ولويد أوستن، وزير الدِّفاع الأمريكي، خلال زيارة الأخيرة للولايات المتَّحدة، ما يثبت وجود مخاوف أمريكيَّة-سعوديَّة مشتركة تجاه إيران وعبثها بأمن المنطقة. وحسبما نشرت شبكة CNN بالعربيَّة في 19 مايو الجاري، قد يتزامَن لقاء بايدن بوليِّ العهد السَّعودي بانعقاد اجتماع لمجلس التَّعاون الخليجي في الرِّياض، ما يعني أنَّ ذلك الاجتماع قد تغلب عليه الصِّفة الأمنيَّة، وإن كان من المتوقَّع أن يتطرَّق الطَّرفان إلى مسألة زيادة إنتاج النَّفط الخليجي؛ لمواجهة الأزمة النَّفطيَّة العالميَّة الَّتي خلَّفتها الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. وقد رجَّحت صحيفة واشنطن بوست الأمريكيَّة في مقال نشرته في 21 مايو أن النَّفط هو مفتاح حلِّ الأزمة، مشيرةً إلى أنَّ بايدن قد حنث بوعده اتِّخاذ إجراءات عقابيَّة رادعة ضدَّ الأمير محمَّد بن سلمان، بعد الكشف عن تقرير وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة عن علاقة الأمير بمقتل جمال خاشقجي. قد يضطرُّ بايدن إلى التَّراجع عن موقفه تجاه المملكة النَّفطيَّة في مقابل صفقة تدعم موقفه السِّياسي، مع قُرب الانتخابات البرلمانيَّة والرِّئاسيَّة، وفي ذلك تقول واشنطن بوست “الانتخابات قادمة في هذا البلد، وأسعار النَّفط في أعلى مستوياتها، وربما يفكر بايدن بمنح محمد بن سلمان المقابلة وجهًا لوجه الَّتي يرغب بها، مقابل رفع إنتاج النَّفط”.
إغلاق ملفِّ الجبري قربانًا للتَّصالح مع السَّعوديَّة
بالتَّزامن مع الحديث عن زيارة مرتقبة لجو بايدن إلى السَّعوديَّة، أعلن سعد الجبري، المسؤول الأمني السَّعودي السَّابق المنشقِّ عن النِّظام الحاكم بالمملكة، استعداده لتسوية الخلافات الماليَّة والقانونيَّة مع النِّظام الحاكم في بلاده، في مقابل الإفراج عن اثنين من أبنائه محتجزين في السَّعوديَّة منذ سنوات، كما نشرت شبكة CNN الإخباريَّة الأمريكيَّة. وشغل الجبري حتَّى مايو 2017م مناصب رفيعة المستوى في وزارة الدَّاخليَّة السَّعوديَّة، وكان آخر منصب تقلَّده أن عمل مستشارًا لوليِّ العهد السَّابق، الأمير محمَّد بن نايف، حتَّى غادر الجبري المملكة قُبيل إعفاء محمَّد بن نايف من منصبه، وقالت مصادر رسميَّة سعوديَّة إنَّه هرب خوفًا من الملاحقات القانونيَّة لتورُّطه في قضايا فساد. في حين ادَّعى المستشار الأمني المنشقِّ عن النِّظام الحاكم في المملكة أنَّه فرَّ بمستندات تدين شخصيَّات بارزة في النِّظام؛ وفي ذلك ما يبرِّر محاولة اغتياله عام 2018م وهو في منفاه في كندا، ليقاضي الجبري وليَّ العهد السَّعودي أمام القضاء الأمريكي في صيف 2020م بتهمة محاولة تصفيته بنفس طريق تصفية جمال خاشقجي. وكانت السُّلطات الأمنيَّة السَّعوديَّة قد ألقت على اثنين من أبناء الجبري وفي مارس 2020م كانا لا يزالان يعيشان على أراضيها بتهمة الفساد وغسيل الأموال والتَّآمر مع جهات خارجيَّة على البلاد. ومن الملفت للانتباه أنَّ عرْض الجبري التَّسوية جاء عبر نداء وجَّهه على البيت الأبيض؛ ما قد يعني وقوع ضغط عليه من قِبل إدارة بايدن لإنهاء أزمته مع الأمير محمَّد بن سلمان، في محاولة لاسترضاء الأخير وإزالة الخلافات مع بلاده.
أجواء تنذر بمواجهة حاسمة مع إيران
كما انتقدت السَّعوديَّة تهاوُن إدارة بايدن في تقديم الدَّعم لها في مواجهة الهجمات المتكرِّرة الَّتي تشنُّها جماعة الحوثي الشِّيعيَّة المدعومة إيرانيًّا، توجِّه دولة الاحتلال الإسرائيلي انتقادات لاذعة للإدارة الأمريكيَّة لسعيها إحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، برغم عجْزه عن ضمان عدم انخراط دولة ملالي الرَّافضة في تطوير أسلحة نوويَّة. وقد توجَّه بيني غانتس، وزير الدِّفاع الإسرائيلي، إلى واشنطن في 19 مايو الجاري للقاء نظيره الأمريكي، لويد أوستين، ووضْع خطَّة للتَّصدِّي للتَّهديدات الأمنيَّة الإيرانيَّة، في حال فشلت مفاوضات إحياء الاتِّفاق النَّووي. وقد طالَب غانتس أوستين بفرض مزيد من العقوبات على نظام ملالي الشِّيعة في إيران؛ بسبب مواصلته نشاطه النَّووي، برغم التَّحذيرات الدُّوليَّة، مذكِّرًا بتطوير إيران 1000 جهاز للطَّرد المركزي ستُستخدم في تخصيب اليورانيوم، بحسب ما نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيليَّة. من ناحيتها، أعلنت إدارة بايدن استمرارها في المفاوضات النَّوويَّة مع إيران، دون تحديد موعد للانسحاب منها، برغم تعذُّر الوصول إلى اتِّفاق نهائي. وقد كذَّبت الإدارة المركزيَّة الأمريكيَّة ما نشرته وسائل إعلام إسرائيليَّة عن مشاركة طائرات أمريكيَّة خاصَّة بالتَّزود بالوقود في مناورة عسكريَّة إسرائيليَّة لمحاكاة ضرْب منشآت نوويَّة إيرانيَّة. هذا، وقد ازدادت العلاقات الإيرانيَّة-الإسرائيليَّة توتُّرًا بعد مقتل ضابط رفيع المستوى في الحرس الثَّوري الإيراني أمام منزله في طهران، تزامنًا مع إعلان السُّلطات الإيرانيَّة الرَّسميَّة تفكيك خليَّة استخباراتيَّة تابعة للموساد الإسرائيلي، وتصريح المتحدث باسم الحرس الثَّوري الإيراني بأنَّ بلاده ستردُّ بقسوة على دولة الاحتلال، في حال ثبوت علاقتها بالواقعة.
ونتساءل: هل تشنُّ إسرائيل هجومًا فعليًّا على المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة أم أنَّ الأمر مجرَّد تهديد أجوف كما هي العادة من عقود طويلة؟ وكيف يتَّفق التَّقارب السَّعودي مع الصِّين وروسيا مع مساعي إدارة بايدن مصالحة المملكة النَّفطيَّة؟ وما المقابل الَّذي سيحصل عليه وليُّ العهد السَّعودي أمام الاستجابة لطلب بايدن زيادة إنتاج النَّفط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى