بحوث ودراسات

التقرير الإستراتيجي السوري (97)

المرصد الاستراتيجي

شؤون أمنية
أنقرة: هل يثمر الحوار مع دمشق؟
تحدث تقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (2 مايو 2022) عن لقاء جمع وفداً من الاستخبارات التركية (MIT) بمسؤولين في “مكتب الأمن القومي” التابع للنظام في 16 أبريل الماضي بالعاصمة الروسية موسكو، حيث تمت مناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق يفضي إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
ورأى التقرير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يرغب في الاستفادة من انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، واضطرارها إلى تقليص نشاطها في سوريا؛ للتباحث مع دمشق بشأن مخاوفه الأمنية في مناطق نفوذ “قسد” شمال شرقي البلاد، وطرحها على طاولة التفاوض بوساطة روسية.
وكانت الأسابيع الماضية قد شهدت صدور العديد من التصريحات الرسمية التركية حول الانفتاح على دمشق، وضرورة الحوار معها، بما في ذلك إعلان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو (منتصف أبريل) أن تركيا مستعدة للعمل مع النظام السوري، حتى وإن لم تعترف بعد بشرعيته
وترغب أنقرة في التوصل إلى تفاهمات مع النظام لتنسيق العمليات ضد قوات “قسد” شرقي الفرات، وإنشاء منطقة آمنة لعودة أكثر من مليون لاجئ سوري، في ظل تنامي الضغوط الداخلية على الحكومة التركية للتخفيف من وطأة التضخم الذي يعصف بالبلاد.
وأشار التقرير إلى أن أنقرة تعول على موسكو -الغارقة إلى أذنيها في العمليات العسكرية بأوكرانيا- لإقناع نظام دمشق بالاستجابة لمطالبها، وقامت بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية الروسية المتجهة إلى سوريا (23 أبريل) كرسالة إلى الأسد بأن الحوار مع جاره الشمالي بات ضرورياً في ظل انشغال “راعيه” الروسي الذي بدأ يقلص عدد قواته في سوريا، وذلك بالتزامن مع تصعيد القوات التركية عملياتها ضد “قسد”، والتي أسفرت العمليات عن مقتل قائدين من “وحدات حماية الشعب” الكردية (22 أبريل)، هما: رودن عبد القادر محمد ورانيا حنان.
وترغب أنقرة في الاستفادة من أجواء المصالحة الإقليمية لدفع النظام إلى القبول بحوار أمني معلن، بعد أشهر طويلة من المفاوضات التي جرت خلف الكواليس بين حقان فيدان ونظيره المصري، عباس كامل، وأسفر عن تعيين سفير لأنقرة في القاهرة بعد تسع سنوات من شغور المنصب، وتعوّل كذلك على ضغوط يمكن أن تقوم بها أبو ظبي لدفع النظام إلى التفاوض مع تركيا، وذلك في أعقاب التقارب التركي-الإماراتي الذي تتوج بزيارة محمد بن زايد لأنقرة في شهر نوفمبر الماضي، وزيارة بشار الأسد لدبي وأبو ظبي (18 مارس) والذي تابعت أنقرة مخرجاته باهتمام كبير.
وكانت مصادر مقربة من “حزب العدالة والتنمية” قد أكدت (14 أبريل) استضافة موسكو اللقاء الذي عُقد على مستوى مسؤولي أجهزة استخبارات تركيا والنظام، مشيرة إلى أن اللقاء: “تناول ملفات أمنية واستخباراتية فقط”، وأنه جاء نتيجة خشية الكرملين من امتداد تداعيات أوكرانيا إلى سوريا، مؤكدة أن: “موسكو تحاول إعادة ترتيب الوضع في سوريا، لضمان عدم حدوث تأثيرات سلبية على الملف السوري ناجمة عن أوكرانيا”.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، من طرفها، عن ضابط سوري شارك في الاجتماع، يدعى الرائد حيدرة جواد، قوله إن الجانبين: “اتفقا على بنود عدة تصب في مصلحة البلدين، منها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم المساس بها، وبسط السيادة على كامل الأراضي السورية”، وتأكيده على: “إمكانية التعاون الاستخباراتي مع تركيا لطرد عملاء أمريكا (قسد) من شرق الفرات في المرحلة المقبلة، وإعادة المنطقة إلى ربوع الوطن”. لكن الجانب التركي نفى صحة تلك المعلومات، واستبعد أن يكون لدى أنقرة نية لشن عملية عسكرية جديدة، معتبراً أن: “الوقت غير مناسب في الوقت الحالي بالنسبة لتركيا لفتح جبهات جديدة”.
في هذه الأثناء؛ يدور الحديث في أنقرة عن خطة أعدتها الحكومية التركية لتشجيع مليون ونصف المليون سوري على العودة إلى سوريا طوعاً، وذلك من خلال تقديم مزايا تشجيعية تزيد من رغبة أكبر عدد ممكن من السوريين بالعودة قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في شهر يونيو 2023.
وتتضمن الخطة؛ بناء 5 بلدات سكنية في: الباب، واعزاز، وعفرين، وجرابلس، وإدلب، وتل أبيض، بالإضافة إلى 5 بلدات سكنية أخرى أصغر حجماً، تحتوي جميعها على خدمات: الكهرباء والماء والحدائق والمدارس والخدمات الطبية والأسواق، فضلاً عن تقديم مزايا شخصية ومساعدات للراغبين في العودة.
إلا أن تنفيذ هذه الخطة “الطموحة” يبدو غير ممكن في الوقت الحالي، نظراً لاعتبارات أمنية وإجرائية، ما دفع ببعض المصادر للتساؤل إن كان الهدف من تسريب تلك الخطة هو تحقيق مكاسب انتخابية، والتخفيف من وطأة الحملات العنصرية التي تقف خلفها بعض أحزاب المعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين.
باريس: محاولات “مشبوهة” لاستعادة النفوذ في سوريا
اعتبر تقرير أمني غربي أن قرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات المفروضة على رجل الأعمال السوري، عبد القادر صبرا، يمثل: “خطوة غير عادية”، خاصة وأنه لا يزال يتمتع بعلاقة وثيقة مع نظام بشار الأسد.
وتساءل التقرير عن طبيعة المادة التي تم تقديمها لصالح صبرا لدى محكمة العدل الأوروبية، والتي اقتنعت برفع العقوبات عنه، خاصة وأنه قد ترأس شركات: “النقل البحري”، و”وكالة صبرا البحرية”، وشركة “فينيقيا” للسياحة، وشركة “التطوير العقاري”، ويتمتع بمنصب: رئيس غرفة الملاحة البحرية السورية، ورئيس مجلس الأعمال السوري-التركي، كما كان شريكاً لرامي مخلوف في عدة مشاريع حيوية بمجالات العقارات والمواد الغذائية والبناء، وخاصة في شركة “شام القابضة”.
وزعم صبرا أنه: “لا يعمل حالياً في سوريا، وأنه غير مرتبط بالسلطات، ولا يعمل في الكادر الداخلي لرجال الأعمال العاملين في سوريا، وأنه: “لا يقدم دعماً مادياً أو مالياً، سواء من خلال شركاته خارج سوريا أو بأي وسيلة أخرى”، فيما أكدت المحكمة في قرارها أنه: “لم يثبت للمعيار القانوني المطلوب أن أسباب إدراج صبرا على قائمة العقوبات، على أساس ارتباطه بالحكومة، مبنية على أسس جيدة، ولذلك يجب تأييد التماسه لرفع اسمه من القائمة”.
وأشار التقرير إلى أن صبرا قد تلقى مساعدة قانونية من قبل السفير الفرنسي الأسبق في سوريا (1997-2002)، شارل هنري داراجون ، والذي كتب خطاباً إلى المحكمة تضمن تزكية صبرا والإشادة باستثماره في: “أنشطة إنسانية مربحة لجماعات معارضة للنظام السوري”، إلا أن الحقيقية تكمن في أن الدعم الذي قدمه “صبرا” كان موجهاً إلى الفرع اللبناني لمنظمة “فرسان مالطا”، والتي مثلها أراجون، كسفير لبلاده، في بيروت خلال الفترة 2012-2019.
ووفقاً للتقرير فإن باريس تبذل جهوداً حثيثة للتوفيق بين رغبتها في تعزيز وجودها في سوريا من جهة، واضطرارها إلى عدم إقامة اتصال رمسي مع نظام الأسد من جهة ثانية.
ولتحقيق عملية التوازن المعقدة تلك، تعمل السلطات الفرنسية من خلال أدواتها “الناعمة” المتمثلة في: الجمعيات الخيرية، وترميم الآثار، و”دعم مسيحيي الشرق”، معتمدة في ذلك على شراكتها مع دولة الإمارات، عبر مؤسسة “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع”، وتقوم من خلالها بتمويل مشروعين في مناطق سيطرة النظام، هما: ترميم “قلعة الحصن”، وهي قلعة تعود إلى الحقبة الصليبية تضررت أثناء سنوات الحرب، وترميم كنيسة “القديس سمعان العمودي” بالقرب من حلب.
ومن خلال هذين المشروعين، تدمج باريس بين سياستي ترميم الآثار المسيحية، ودعم مسيحيي الشرق، والذين أقام لهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حفلاً في الإليزيه (1 فبراير) عقب مؤتمر “المانحين للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع” (31 يناير).
وفي حديثه للقائمين على اجتماع المانحين؛ شكر ماكرون -بحرارة- المؤسس المشارك للتحالف، الملياردير الأمريكي من أصل سويسري، توماس كابلان، الذي تربطه صلات وثيقة مع وزيرة الثقافة الإماراتية، نورة الكعبي، والذي تمكن من تأمين نحو 90 مليون دولار كتعهدات من “رعاة جدد للمشاريع الفرنسية”.
وبينما يعرض “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع” نشاطاته المختلفة بكثير من الفخر والاعتزاز، يميل القائمون عليه إلى الصمت بشأن أعمالهم في سوريا، ويقتصر حديثهم على الأنشطة القائمة في محافظة الرقة، الخاضعة لميلشيا “قوات سوريا الديمقراطية”، متجاهلين أنشطتهم الأخرى في مناطق النظام.
وتحظى “قلعة الحصن” بأهمية كبيرة لدى المسيحيين الغربيين، كما تمثل نقطة جذب للجولات السياحية التي عاد تنظيمها من قبل وكالة السياحة (كليو)، وتعتبر القلعة محورية في أعمال الترميم المنفذة في سوريا منذ 2016، بواسطة مدير منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق”، تشارلز ديميير، والتي يستخدمها حزب “التجمع الوطني” لدعايته، بقيادة اليمينة المتطرفة، ماريان لي بان، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع مؤسسة أسماء الأسد، “الأمانة السورية للتنمية”، والتي جددت اليونسكو اعتمادها أواخر العام الماضي.
ونظراً للإحراج الذي تسبب به نشاط منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق” في دعم ميلشيات مسلحة موالية للنظام، فإن السلطات الفرنسية تفضل التعتيم على هذه العلاقة، وإظهار دور منظمة “لفغا دي أورينت” كشريك رئيس في مشروع الترميم الذي تموله منظمة “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع”.
وقد قام ماكرون بتقليد مدير “لفغا دي أورينت”، باسكال غولينيش، وساماً خلال حفل الاستقبال الذي عقد في الإليزيه (1 فبراير)، علماً بأن المنظمة تتمتع بعلاقات وثيقة مع جهات تابعة للنظام في حلب، حيث تعمل على مشروع حرفي مع جمعية “الصخرة” الخيرية المحلية، والتي يتم تمويل بعض برامجها من قبل جمعية “أنقذوا مسيحيي الشرق”.
واستغل ماكرون تلك الفعالية للإعلان عن مضاعفة المبالغ المالية المرصودة لمساعدة المدارس المسيحية في الشرق الأوسط، مؤكداً أن: “دعم مسيحيي الشرق هو التزام علماني لفرنسا ومهمة تاريخية ويشكل استجابة لضرورة عدم التخلّي عن النضال من أجل الثقافة والتعليم والحوار في هذه المنطقة المضطربة، متعهداً بالتعاون مع جمعية “أوفر دوريان” لمضاعفة مساهمة الدولة في صندوق دعم مدارس الشرق، والذي يدعم 174 مدرسة في المشرق العربي.
كما أعلن ماكرون أنّ فرنسا ستجدّد مساهمتها البالغة 30 مليون دولار في التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع، وذلك بالاشتراك مع دولة الإمارات التي تتولى دعم 150 موقعاً ثقافياً في المنطقة.
وكانت دراسة تشرها موقع “ميدل إيست أون لاين” قد ألقت الضوء على رغبة باريس في تعزيز نفوذها في العراق وسوريا، مؤكدة أن الفرنسيين يعتقدون أنه بعد عقود من الحرب والضعف والاضطراب، فإن العراق مستعد لاستقبالهم وتوفير قاعدة لهم لبناء جسور سياسية واقتصادية مع دول المنطقة.
وكشف مسؤولون فرنسيون عن تنامي اعتماد ماكرون على أجهزته الأمنية، وعلى رأسها جهاز الاستخبارات العسكرية الفرنسية (DRM)، وخاصة في العراق حيث يعمل السفير الفرنسي في بغداد، إيريك شوفيليه (والذي كان يشغل منصب مدير مركز “الدعم والأزمات” (CDC) التابع لوزارة الخارجية، وله اهتمام شخصي ومباشر بالأوضاع في سوريا، حيث عمل كسفير لبلاده في سوريا (2009-2014)، وأقام بدمشق حتى عام 2012، ثم انتقل إلى باريس بعد إغلاق السفارة هناك)، حيث يعمل على تنفيذ خطة طموحة تتضمن: إنشاء قنوات حوار مفتوحة مع مختلف الجهات الإقليمية الفاعلة، والإشراف على التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة من خلال قيادة عملية الشمال الفرنسية لمحاربة “داعش”، وتعزيز علاقات فرنسا مع “مجلس سوريا الديمقراطي” (مسد)، حيث يقيم مركز الأزمات والدعم التابع لوزارة الخارجية علاقات حيوية ومباشرة مع الإدارة الكردية شمال شرقي سوريا، بإشراف إيريك شوفيليه.
واعتبرت صحيفة ” نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية أن فرنسا تحاول الدفاع عن “حق تاريخي” بالنفوذ في سوريا من خلال تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، والقيام بدور الوسيط لمعالجة الانقسام الكردي، ومحاولة الوساطة بين “قسد” و”المجلس الوطني الكردي”، وغيرها من المكونات الكردية في سوريا.
بيروت: عودة إقليمية “فاشلة” للواء علي مملوك
تحدث تقرير أمني غربي عن محاولات قام بها مدير مكتب الأمن القومي، اللواء علي مملوك، للتأثير في الساحة السياسية الإقليمية، بعد اختفاء عن المشهد العام خلال الأشهر الماضية، من خلال البوابة اللبنانية، حيث أوفده بشار الأسد إلى طهران للتباحث بشأن سبل الإشراف على الانتخابات اللبنانية ودعم المشرحين الموالين لسوريا.
وفقاً للتقرير؛ فإن مملوك عكف على مراقبة المرشحين اللبنانيين الموالين لدمشق، ومتابعة الجهود التي كانوا يبذلونها في دوائرهم الانتخابية، وخاصة في بعلبك الهرمل، التي يتنافس عليها الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن العام جميل السيد، ومرشحان آخران معروفان بقربهما من دمشق، وكذلك في منطقة عكار شمالي البلاد.
وكان مملوك قد قام، في السابق، بأدوار محورية، شملت؛ ملفات المصالحة الإقليمية، وعودة سوريا إلى الهيئات الدولية، والمفاوضات مع الأكراد، وغيرها من المهام التي تركت انطباعاً خارجياً أن مملوك بات: “الشخص الوحيد الذي يسيطر فعلياً على الهيكل المعقد للاستخبارات السورية”.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها مملوك، والدعم الذي تلقاه من قبل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في الأسابيع الماضية، بهدف تعزيز التعاون بينه وبين حسن نصر الله، إلا أن الانتخابات النيابية بلبنان أسفرت عن فشل “حزب الله” في رفع نسبة الاقتراع كما كان يريد، ونتج عنها وصول شخصيات “تغييرية” إلى البرلمان، لا سيما في الشوف وعاليه، فضلاً عن النتيجة المتواضعة للمردة في دائرة الشمال الثالثة.
ويبدو أن هذا الفشل سيعود بعواقب وخيمة على طموحات مملوك، الذي يواجه منافسة شديدة في المؤسسة الأمنية، فعلى الرغم من زياراته المتكررة إلى القاهرة للتباحث في مختلف ملفات تقارب النظام مع الدول العربية؛ إلا أنه لم يُدعَ إلى المنتدى العربي الاستخباراتي في شهر نوفمبر الماضي، بل حضر مكانه مدير إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، الذي بات يشكل واجهة التنسيق الأمني للنظام مع الدول العربية بالتنسيق مع موسكو، ويبدو أن بعض الدول العربية تفضل التعاون مع لوقا، بدلاً من مملوك الذي يوصف بالتشدد وبميوله لترجيح كفة المصالح الإيرانية في سائر المهام الخارجية التي توكل إليه.
أبو ظبي: مبادرة “غير مغرية” بالنسبة لبشار الأسد
تحدث تقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (23 مارس 2022) عن قيام مستشار الأمن الوطني في الإمارات، طحنون بن زايد آل نهيان، بالإشراف على زيارة بشار الأسد إلى دبي وأبوظبي، حيث سخّر طائرة خاصة من طراز “بوينغ 737″، المخصصة للشخصيات المهمة، والتابعة لشركة الطيران الإماراتية الفاخرة (Royal Jet)، لتنقلات الأسد والوفد المرافق له، في زيارته العربية الأولى منذ عام 2011.
وحملت الطائرة، إلى جانب بشار الأسد، وزير خارجيته فيصل المقداد، ونائبه بشار الجعفري، إلى دبي، حيث كان في استقبالهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، يرافقه ابناه حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ومكتوم بن محمد آل مكتوم، وزير المالية.
ولاحظ التقرير اختلاف بروتوكول الاستقبال عن المألوف، إذ إن رجال الدولة عادة ما يُستقبلون أولاً في أبوظبي، غير أن استقبال بشار الأسد في دبي لا يشي بالطبيعة غير الرسمية للزيارة فحسب، وإنما يدل أيضاً على الأهمية التي يوليها الأسد لإمارة دبي، والتي استقر فيها عدد من أباطرة المال المنتمين إلى دائرته الداخلية المقربة، وعلى رأسهم شقيقته بشرى الأسد.
وبعد لقاء موجز في دبي، أقلعت طائرة الوفد السوري، مرة أخرى بعد ساعة وربع الساعة، إلى مطار البطين الخاص في أبوظبي، وهناك استُقبل بشار الأسد في صالة كبار الشخصيات، المخصصة عادة للعائلة المالكة، قبل أن يلتقي أخيراً بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
واعتبر التقرير أن طحنون بن زايد آل نهيان، هو المهندس الفعلي لإستراتيجية التطبيع الإماراتية مع النظام، والتي تضمنت سلسلة مبادرات دبلوماسي تهدف إلى إحداث تحول في توازنات جديدة الشرق الأوسط، وإعادة إحياء العلاقة بين نظام دمشق مع الدول العربية.
إلا أن المبادرة الإماراتية إزاء النظام لم تسفر عن أية نتائج تذكر، حيث تحدث التقرير عن شعور عدد من المسؤولين الخليجيين بالامتعاض من نزوع بشار الأسد إلى إهدار الفرص العربية السخية لإخراجه من أزماته الاقتصادية ومن عزلته الدولية، وقيامه بإفشال المبادرات التي قُدّمت له في: مسقط (مايو 2021)، وعمّان (سبتمبر 2021) وأبو ظبي (مارس 2022)، وإصراره على استفزاز الدول العربية عبر تعزيز علاقاته مع طهران، حيث تزامن تكثيف الانتشار العسكري الإيراني في سوريا خلال الأسابيع الماضية مع عودة مدير مكتب الأمن الوطني (المقرب من طهران)، اللواء علي مملوك، إلى الظهور، واجتماعه بكل من: الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والأمين العام للمجلس القومي الإيراني، علي شمخاني، للتباحث بشأن سبل قيام إيران بملء الفراغ الذي يمكن أن تتركه موسكو في سوريا، وتعزيز التنسيق الأمني بين طهران ودمشق، وتقديم مساعدات اقتصادية ونفطية وغذائية إلى دمشق.
وجاءت زيارة بشار الأسد لطهران (8 مايو 2022) لتدحض الأوهام المتعلقة بإمكانية إغراء بشار الأسد بالعودة إلى الجامعة العربية مقابل التخلي عن حليفه الإيراني، حيث جاء رده على المبادرة الإماراتية من خلال لقائه بالمرشد الإيراني علي خامنئي، ورئيس الجمهورية، إبراهيم رئيسي، والتباحث معهما حول سبل تعزيز التعاون الاقتصادي وتكثيف الانتشار العسكري الإيراني في سوريا، فيما كد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، خطيب زادة، أن: “رسالة زيارة الأسد إلى طهران هي دخول سوريا إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة إعادة الإعمار”.
وأثارت تلك الأنباء حفيظة دول عربية فاعلة، ودفعها إلى “تأجيل” البت في عودة النظام إلى الجامعة العربية، فيما أكد مسؤولون أمنيون عرب لنظرائهم الروس معارضتهم “الجازمة” لعملية التطبيع مع النظام في الوقت الحالي، معتبرين أن دمشق لا تزال غير مؤهلة لذلك، في ظل استمرار تورط مسؤولين كبار في عمليات تصنيع وتهريب أطنان من المخدرات إلى الخليج العربي، وإصرار بشار الأسد على ترجيح كفة إيران التي تمثل تهديداً لمحيطها العربي.
طهران: “الأمن القومي” يشن حملة علاقات إقليمية
تحدث تقرير أمني غربي (6 مايو 2022) عن “ازدحام” جدول مواعيد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بلقاءات تتناول تحسين العلاقة مع دول الجوار، حيث تم إيفاده إلى بغداد (21 أبريل) لإجراء جولة خامسة من المفاوضات بين طهران والرياض، وتكليفه بالإشراف على ملف المفاوضات النووية بفيينا، وبإجراء مباحثات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتفاوض مع المسؤولين بطالبان حول “ترتيبات الوضع الجديد” في أفغانستان.
ويجوب شمخاني دول المنطقة، والعالم، ضمن حملة تهدف إلى تقوية موقف إيران الدولي، حيث نجح في إبرام اتفاق أمني في طشقند (مارس)، وأجرى محادثات مع رئيس المخابرات العامة السعودية خالد بن علي الحميدان، في عمّان (يناير)، وكُلف بتنسيق الأوضاع الأمنية مع نيودلهي في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي (نوفمبر.
ومهدت تلك المهام له تولي إدارة المفاوضات النووية الإيرانية، وذلك في أعقاب سحب الصلاحيات من قبل وزير الخارجية، القوي آنذاك، جواد ظريف، حيث صدر له مؤخراً تصريح مثير للجدل تحدث فيه عن عدم إحراز تقدم في مفاوضات فيينا، كما دأب على نشر تصريحات رسمية، بالفارسية والإنجليزية، وحتى العبرية، عبر حسابه على تويتر.
ونظراً لدوره السابق في ثورة عام 1979؛ فقد تمت مكافأته بتولي مناصب أمنية عليا في الدولة، حيث شغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس خاتمي، وكسب ثقة خامنئي، الذي عينه رئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي (عام 2013)، وكلفه بمهام صياغة السياسات الأمنية والدفاعية، وبتنسيق أعمال مختلف أجهزة الاستخبارات الإيرانية فيما يتعلق بالتصدي للتهديدات الداخلية والخارجية، فيما يرى مسؤولون بالاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) أن علي شمخاني: “يتمتع بميزات تؤهله ليكون همزة الوصل مع واشنطن”.
وبالإضافة إلى صعوده السريع في قطاع الأمن، يتمتع شمخاني (الذي ينحدر من أصول عربية) بموقع متميز في إيران باعتباره الشخص المفضل لدى المرشد الأعلى، ولدى الحرس الثوري الإيراني في إدارة ملفات التفاوض مع الجيران العرب، خاصة وأنه المسؤول الإيراني الوحيد الذي منحته الرياض وسام الملك عبد العزيز (2002) تقديراً لوساطات بذلها في السابق، بالإضافة إلى إقامته عدة سنوات برفقة، عائلته في لوس أنجلوس، ما ساعده على فهم الثقافة الأمريكية وأكسبه تقديراً لدى النخب الإيرانية.
جدير بالذكر أن نفوذ علي شمخاني قد تعزز عقب مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني (يناير 2020)، خاصة وأن خلف سليماني، حسين سلامي، لم يتمكن من ملء الفراغ الذي خلفه سابقه، ما أتاح لشمخاني تولي ملفات محورية في العراق وسوريا، باعتباره رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني.
ووفقاً للتقرير؛ فإن شمخاني، الذي يزداد نفوذه الخارجي، يواجه مهمة عصيبة في التوفيق بين المسؤوليات الجديدة التي تولاها للتعبير عن الانفتاح الإيراني، وبين تشديد الحرس الثوري الإيراني قبضته في الداخل نتيجة التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
ويبدو أن الصورة الدبلوماسية “المشرقة” لشمخاني تتعرض للتشويه نتيجة ارتباط عائلته بالفساد، وخاصة منهم زوج ابنته زينب؛ حسن مير محمد علي، بالإضافة إلى ولديه: حسين وحسن شمخاني، ففي شهر فبراير الماضي، تم تسريب وثائق تشير إلى تورط صهره في تلفيق وثائق لبناء مجمع فخم، وقيامه بتسجيل عدد من العقارات باسم حفيد شمخاني البالغ من العمر ثلاث سنوات، ما دفع بالمسؤولين في جهاز “باسدران” لاستدعائه ومطالبته بتبرير موقفه.
دمشق: القصر الجمهوري يعزز سيطرته على قطاع الاتصالات
تحدث تقرير أمني عن حالة من الاضطراب تسود قطاع الاتصالات في سوريا، وذلك نتيجة عدم إكمال المشغل الجنوب أفريقي (MTN) انسحابه بعد، وإصرار النظام على تدشين المشغل الثالث “وفا” (22 فبراير) لضرب المشغلين السابقين (MTN) و(سيريتل) اللذين يخضعان لرقابة صارمة منذ تدهور علاقة رامي مخلوف مع القصر الجمهوري عام 2020.
ووفقاً للتقرير فإن مدير عام هيئة تنظيم الاتصالات والبريد، منهل الجنيدي، قد أصدر موافقة على تدشين المشغل الجديد، “وفا” للاتصالات، برأس مال يبلغ 10 مليارات ليرة سورية (نحو 4 ملايين دولار)، عقب تشكيل فريق من سبع شركات هي: (IBC Telecom)، و(IBC Advanced)، و(ABC LLC)، و(IBC Technology)، و(FA Invest)، و(TELE Space)، و(UTEL)، برئاسة غسان نقولا سابا، المعاون السابق لوزير الاتصالات، الذي درس في فرنسا، والمقرب من بشار الأسد، حيث تتمثل مهمته في تعزيز وصول شبكة الهاتف المحمول على الأراضي السورية التي تعاني من ضعف شديد، واستيعاب نحو ثلاثة ملايين مشترك.
ويتمثل الهدف الرئيس من تدشين المشغل الجديد في: تعزيز سيطرة القصر على قطاع الاتصالات، خاصة وأن المساهمين؛ يسار إبراهيم، وشقيقته نسرين إبراهيم، يعتبران من أبرز المقربين من أسماء الأسد، حيث يملك يسار إبراهيم 20 بالمئة من “وفا إنفيست”، ويوصف بأنه أحد “خازني أموال بيت الأسد”، بعدما عينه بشار الأسد، مديراً للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية، وعملت أسماء الأسد على تأهيل يسار إبراهيم وزجه إلى الواجهة الاقتصادية التي تتبع بيت العائلة، وسبق أن تم تكليف نسرين إبراهيم بمهمة وضع فرع (MTN) تحت سيطرة شركة (تيلينيفست) المقربة من القصر الجمهوري، في مايو 2021.
جدير بالذكر أن النظام استبق تدشين المشغل الثالث، بالتضييق على شركتي الاتصالات الخليوية (سيريتل) و(MTN)، اللتين تعرضتا عام 2020، لمطالبة هيئة الاتصالات الحكومية لهما، بدفع 233.8 مليار ليرة كمستحقات لخزينة الدولة، قبل أن يجري فرض الحراسة القضائية عليهما لرفضهما دفع المبلغ.
تطورات عسكرية
تل أبيب: تصعيد عسكري رداً على التهديدات الروسية
أشار تقرير أمني غربي (4 مايو 2022) إلى أن تلويح موسكو بتوسيع “آلية عدم التصادم” في سوريا قد أثار قلق القوات الإسرائيلية من تنامي فرص استهداف طائراتها من قبل منظومات الدفاع الجوي الروسية في البلاد.
ونقل التقرير عن مصادر خاصة، قولها إن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، طرح مناقشة “آلية عدم التصادم” خلال لقاء جمعه بالسفير الإسرائيلي في موسكو، ألسكندر بن تسفي (18 أبريل)، والذي يسمح لإسرائيل بشن هجمات في سوريا شريطة التنسيق المسبق مع القوات الروسية، وردت تل أبيب على محاولات تقييد حركتها في سوريا بتصعيد غاراتها، حيث استهدفت مواقع عسكرية بالقرب من دمشق (27 أبريل) في هجوم هو الثالث من نوعه في شهر أبريل.
ورجح التقرير أن يكون بوتين غير راضٍ عن سياسات إسرائيل تجاه الأزمة الأوكرانية، وذلك عقب تصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة (7 أبريل) بالموافقة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، وإرسال نحو 5 آلاف خوذة وسترات واقية من الرصاص إلى أوكرانيا، ما دفعه للرد من خلال الإيعاز للقوات الروسية باستخدام بطارية الدفاع الجوي “إس-300″، للمرة الأولى، ضد المقاتلات الإسرائيلية في الأجواء السورية خلال قصفها مدينة مصياف بريف حماة الشمالي (13 مايو)، علماً بأن الضباط الروس هم الذين يتحكمون بمفاعيل القرار داخل بطاريات الدفاع “إس-300” التي تم تسليمها للنظام عام 2018.
وأبدت مصادر إسرائيلية قلقها من إمكانية لجوء موسكو إلى تغيير قواعد اللعبة في سوريا، قائلة: “ليس من الواضح أن هذا الحدث سيقع لمرة واحدة، أم أنها رسالة تتضمن تغييراً لقواعد اللعبة التي تعطي الحرية للطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية”.
وردت تل أبيب على تلك الحادثة بتصعيد وتيرة عملياتها مرة أخرى، حيث استهدفت (20 مايو) مواقع تابعة لإيران في محيط مطار دمشق، بعد حملة قصف شنتها في 13 مايو، قرب مدينة الكسوة بريف دمشق الجنوبي، وفي منطقة جمرايا شمال دمشق، وفي محيط مطار دمشق، وكذلك في الساحل السوري ومنطقة مصياف بريف حماة والمنطقة الوسطى من سوريا.
وعلى الرغم من امتعاضه إزاء مواقف تل أبيب؛ إلا أن بوتين يبدو غير راغب في توسيع دائرة الخلاف، حيث سارع (5 مايو) إلى الاتصال برئيس الوزراء نفتالي بينيت، للاعتذار عن تصريحات وزير خارجيته، سيرغي لافروف، والتي قال فيها إن هتلر يحمل دماء يهودية.
ورجحت مصادر مطلعة أن يكون هذا الاعتذار ناتج عن رغبة الكرملين في ضمان استمرار موقف تل أبيب “شبه المحايد” إزاء الأزمة الأوكرانية، وذلك في أعقاب تسريبات وردت إلى بوتين بنية تل أبيب زيادة مساعداتها العسكرية إلى أوكرانيا بطلب من واشنطن.
وكانت تل أبيب قد أرسلت رئيس المكتب السياسي العسكري في وزارة الدفاع إلى قاعدة “رامشتاين” الجوية في ألمانيا لحضور اجتماع بقيادة الولايات المتحدة بشأن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وذلك في أعقاب لقاء جمع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان بنظيره الإسرائيلي إيال هولاتا في البيت الأبيض مطلع شهر مايو الجاري.
موسكو: سحب القوات الروسية يثير قلق عمّان وتل أبيب
عملت القوات الروسية خلال الأسابيع الماضية على سحب عناصرها من عدة مواقع عسكرية في ريف اللاذقية وحلب، وتجميعهم في قاعدة حميميم، تمهيداً لنقلهم إلى جبهات أوكرانيا، حيث تحدث مصدر محلي (21 مايو) عن سحب نحو 30 آلية عسكرية روسية، بينها مدرعات وعربات مصفحة، إضافة إلى عدد من الجنود تتراوح أعدادهم بين 150 إلى 200 عنصر ومعداتهم القتالية، من مواقع عسكرية خاضعة للقوات الروسية في مناطق جبال التركمان والأكراد ومحيط منطقة كسب بريف اللاذقية الشرقي، باتجاه قاعدة حميميم، وذلك بالتزامن مع انسحاب جزء من القوات الروسية من معسكر جورين ومواقع أخرى في القسم الغربي من سهل الغاب 70 كيلومتراً، شمال غربي حماة، وتسليمها إلى قوات تابعة للنظام، وأخرى تابعة لميلشيا “حزب الله”.
ودار الحديث عن سحب القوات الروسية نحو 17 آلية عسكرية وعشرات الجنود الروس من مدينة منبج ومحيطها شمال حلب، والتي تشارك “قوات سوريا الديمقراطية” في بسط النفوذ على المدينة وريفها، وتسليم تلك المواقع لفرقة تابعة للنظام مدعومة بآليات عسكرية متوسطة وثقيلة، بينها مدافع ثقيلة ودبابات، وعناصر من الحرس الثوري الإيراني.
وتحدث المصدر نفسه عن انسحاب قوات روسية، خلال الأيام الماضية، من منطقة مسكنة والسفيرة ومناطق خناصر والحاضر جنوب حلب، ضمن أرتال عسكرية، تضم ناقلات جند مصفحة وآليات ثقيلة بينها دبابات ومدافع وشاحنات تقل معدات لوجستية، وترافقتها مقاتلات وطائرات استطلاع روسية، باتجاه مطار حماة العسكري.
جدير بالذكر أن القوات الروسية قد نفذت في الآونة الأخيرة عمليات انسحاب من نحو 200 موقع عسكري في مختلف المناطق السورية، بينها محافظات حلب وحماة وريف اللاذقية، بما في ذلك مناطق حمص وريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وذلك ضمن خطة تهدف إلى إعادة تجميع جزء من قواتها في سوريا بقاعدة حميميم، ونقل عناصرها تباعاً إلى الجبهات بأوكرانيا، فيما تشهد المناطق التي أخلاها الروس حراكاً عسكرياً مكثفاً من قبل الحرس الثوري الإيراني الذي زج بآلاف العناصر من الميلشيات الإيرانية، والعراقية والأفغانية و”حزب الله” اللبناني، لملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الروسي.
ودفعت تلك التطورات بالعاهل الأردني، عبدالله الثاني، للتأكيد (18 مايو) على أن الوجود الروسي في الجنوب السوري كان: “مصدراً للتهدئة”، والتعبير عن قلقه من أن الفراغ الذي ستتركه روسيا هناك ستملؤه إيران ووكلاؤها، مضيفاً (في مقابلة مع معهد “هوفر” بجامعة ستانفورد) أن بلاده تواجه خطر تصعيد محتمل على حدودها مع سوريا.
وجاءت تصريحات العاهل الأردني عقب وصول تعزيزات ضخمة من الحرس الثوري الإيراني إلى مستودعات مهين العسكرية شرق حمص، وذلك بعد أن سحبت القوات الروسية كامل لقواتها من المنطقة، بما في ذلك عناصر من مجموعات “فاغنر”، ونحو 200 عنصر من “الفيلق الخامس” الموالي لروسيا، إضافة إلى أكثر من 23 آلية عسكرية وعدد من السيارات المحملة بالذخائر والمواد اللوجستية وأجهزة اتصالات.
وتشهد الحدود الأردنية مع سوريا تصعيداً بسبب زيادة عمليات تهريب المخدرات، ما أدى إلى اشتباكات بين حرس حدود الأردن والمهربين، أسفرت في 16 يناير الماضي عن مقتل نقيب في الجيش الأردني وإصابة ثلاثة عناصر، في اشتباكات مع مهربين على الحدود السورية، ودفعت بالقوات الأردنية إلى توجيه “رسالة تحذيرية” إلى دمشق بشأن التهديدات التي تتعرض لها حدودها الشمالية، والمتعلقة بعمليات تهريب المخدرات.
وكانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قد كشفت، في شهر أبريل الماضي، عن قلق إسرائيل من تنامي عمليات تموضع الميلشيات الإيرانية في قواعد القوات الروسية التي بدأت تغادر سوريا متجهة إلى أوكرانيا.
بغداد: توتر أمني في المناطق الحدودية مع سوريا
أشار تقرير أمني (10 مايو) إلى أن التدهور الأمني الذي تشهده منطقة سنجار شمال العراق، يأتي نتيجة تدخل عدة أطراف في القتال الدائر بين القوات المسلحة العراقية و”وحدات سنجار للمقاومة الإيزيدية” المدعومة من “حزب العمال الكردستاني”، ومن أبرز تلك الأطراف: جهاز المخابرات الوطنية ببغداد، والحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لعشيرة البرزاني، والاستخبارات التركية، ووكالة استخبارات الدفاع الأمريكية.
ووفقاً للتقرير؛ فقد أعقب تكثيف القوات التركية ضرباتها في شهر أبريل الماضي؛ قيام القوات المسلحة العراقية بتعزيز مواقعها في عشر نقاط تفتيش بالمنطقة، ما أثار غضب الوحدات الإيزيدية وعناصر الشرطة الموالية لحزب العمال الكردستاني، والتي تعمل على منع تنفيذ اتفاق سنجار (أكتوبر 2020) المبرم بين بغداد وأنقرة للتخلص من مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” وحلفائهم الإيزيديين.
وأشار التقرير إلى تورط أكراد سوريا في العمليات، حيث تتمتع الوحدات الإيزيدية بعلاقة وثيقة مع “حزب الاتحاد الديمقراطي السوري”، برئاسة فوزه يوسف، والذي يرى أن تأمين حركة التجارة مع “وحدات سنجار للمقاومة الإيزيدية” تشكل أهمية كبيرة لضمان استقرار “الإدارة الذاتية” الكردية شمال شرقي سوريا.
وكانت “وحدات حماية الشعب” الكردي (الفرع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) قد قدمت تدريبات للوحدات الإيزيدية عندما تشكلت عام 2014، وذلك على الرغم من اندماجها ضمن قوات “الحشد الشعبي” الموالية لإيران آنذاك.
وتشهد الأشهر الماضية تصاعداً في وتيرة التعاون الأمني بين دمشق وبغداد لتأمين الحدود بين البلدين، بهدف تنشيط حركة التبادل التجاري، واعتبار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن محدودية فرص التجارة البينية ناتجة عن التدهور الأمني في المناطق الحدودية، وتكليفه أجهزة الأمن العراقية بالتنسيق مع دمشق لتأمين الحدود بين البلدين.
وأكد الناطق العسكري العراقي، يحيى رسول، أن الجيش العراقي قد أمّن 80 بالمئة من الحدود السورية-العراقية البالغ طولها 600 كم، فيما أعلنت بغداد عن تخصيص صندوق جديد لتعزيز الدفاعات الحدودية بسواتر ترابية، وأبراج للمراقبة، وكاميرات مراقبة حرارية.
وتشترك الفرقتان السابعة والثامنة في الجيش العراقي مع الشرطة الاتحادية وجهاز المخابرات الوطني العراقي، وقوات مكافحة الإرهاب في حراسة الحدود، تحت إمرة المسؤول بوزارة الداخلية حامد الحسيني، والذي ينسق مع الوحدات السورية التي خصصها الأسد لمراقبة الحدود من الجانب السوري في البوكمال.
وكانت قيادة الفرقة (20) في الجيش العراقي، قد أعلنت عن إنجاز خندق حدودي مع سوريا بالكامل، ووضع خطط جديدة لتأمين الحدود بالكاميرات الحرارية والطائرات المسيرة، وتنسيق عملياتها مع الجانب السوري، مؤكدة عقد اجتماعات أسبوعية بين الأجهزة والوكالات الأمنية لتبادل المعلومات، وتنفيذ عمليات استباقية لمنع حدوث أية خروقات أمنية.
واشنطن: مواجهة النفوذ الإيراني عبر “مكافحة المخدرات”
أكد تقرير أمني غربي أن ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية، التي اعتمدها مجلس النواب الأمريكي (5 أبريل)، والتي يتم النظر فيها حالياً من قبل مجلس الشيوخ، تتضمن قسماً مهماً يتعلق بمساعدة القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي اللبنانية في التصدي لنفوذ “حزب الله”.
ووفقاً للتقرير؛ فإن الإدارة الأمريكية ستوفر التمويل لتلك الخطة من ميزانية المكتب الدولي لمراقبة المخدرات وإنفاذ القانون، ما يؤكد الأولوية التي تمنحها واشنطن لإضعاف النفوذ الإيراني من خلال عمليات “مكافحة تهريب المخدرات”، التي يُنظر إليها على أنها مشروع تجاري جديد لميلشيا “حزب الله” والميلشيات الإيرانية الأخرى.
ويؤكد ذلك التوجه وجود اختلاف في الرؤية بين واشنطن وباريس إزاء دعم الجيش اللبناني، حيث تعتقد الحكومة الفرنسية أن تمويل الجيش اللبناني وإبقائه في حالة جيدة يمثل خط الدفاع الأخير لمنع انهيار شامل للبلاد، فيما ترى الولايات المتحدة أنه مجرد أداة في معركتها المقبلة ضد الكيانات المرتبطة بإيران، وخاصة على الحدود السورية-اللبنانية، حيث يتنامى اعتماد إيران ووكلائها على تهريب المخدرات لتمويل مشاريعها التوسعية وزعزعة استقرار حلفائها المجاورين لسوريا.
وكان الكونغرس الأمريكي قد أقر إستراتيجية شاملة لمكافحة المخدرات عام 2021، وكلف مدير المخابرات الوطنية، أفريل هينز، بتنفيذها، إلا أن التشريع ذي الصلة تم تأجيله وسحبه من قانون تفويض الدفاع الوطني، فيما يواصل العضو الجمهوري، فرنش هيل، والديمقراطي بريندان بويل، جهودهما لإنفاذه.
في هذه الأثناء؛ يدور الحديث عن دعم الولايات المتحدة حركة الاحتجاجات التي تعصف بإيران في شهر مايو الجاري، وخاصة في مدينة “شهركرد” مركز محافظة “جهار محال وبختياري”، ما دفع بالسلطات الإيرانية للزج بأعداد كبيرة من قوات الشرطة والأمن الداخلي (14 مايو)، والمبادرة إلى قطع خدمة الإنترنت في نحو عشر محافظات إيرانية، فيما أظهرت الصور قيام المحتجين في “شهركرد” بتمزيق صورة المرشد علي خامنئي، ورد القوات الإيرانية بإطلاق النار الحي على المتظاهرين، واعتقال المئات منهم، فيما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة من احتجاجات مدينة “هفشجان” تُظهر هجوم محتجين على مقر “الباسيج” الذي قام عناصره بإطلاق النار على المحتجين.
وفي تعليقه على الاحتجاجات، أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس دعم واشنطن للمحتجين، واصفاً إياهم بأنهم “شجعان يدافعون عن حقوقهم”. وقال في تغريدة، إن “المحتجين الإيرانيين الشجعان يدافعون عن حقوقهم. للشعب الإيراني الحق في محاسبة حكومته. نحن ندعم حقوقهم في التجمع السلمي وحرية التعبير عبر الإنترنت وخارجه، دون خوف من العنف والانتقام”.
وتشهد إيران موجة تضخم وارتفاع في أسعار السلع والخدمات وسط نقص بعض البضائع مثل الزيوت الغذائية، في ظل توجه الحكومة لتحرير الأسعار ورفع الدعم عن سلع أساسية، نتيجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة على خلفية العقوبات الأميركية.
الفساد والتدهور الأمني يعصفان بمناطق سيطرة النظام
أعلن المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي، زاهر حجو، تسجيل 45 حالة انتحار في مناطق سيطرة النظام السوري في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مؤكداً أن 37 شخصاً من المنتحرين هم من الذكور، وثمانية من الإناث، وأن أغلب الحالات كانت لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 40 و50 عاماً.
ويعزى الارتفاع الكبير في حالات الانتحار إلى تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة، وفقدان العملة المحلية قيمتها، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وأساسيات الحياة.
وتلقي تبعات الحرب الأوكرانية بثقلها على الأوضاع الاقتصادية في سوريا، حيث عانت البلاد من ارتفاع يتراوح بين 22 و67 بالمئة من أسعار المواد الغذائية الأساسية كالدقيق والزيت والسكر، وتزامن ذلك مع موجة جفاف أثرت على إنتاج الحبوب في البلاد، وتهدد بإمكانية وقوع مجاعة وشيكة، خاصة بعد أن قرر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، خفض المساعدات الغذائية الممنوحة شهرياً لأكثر من مليون شخص.
وتشير تقديرات “المجلس النرويجي للاجئين” إلى أن نحو 87 بالمئة من السوريين يضطرون إلى “تخطي” بعض وجبات الطعام، ويأكلون كميات أقل، في سبيل تأمين تكاليف المعيشة الأخرى، متوقعاً أن تزداد الأوضاع سوءاً نتيجة اعتراض روسيا على تجديد التفويض بإدخال المساعدات الإنسانية الأممية عبر معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، فيما توقع “المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية” أن يتسبب إيقاف تمويل المساعدات الإنسانية بموجة لجوء جديدة للسوريين باتجاه تركيا وأوروبا.
في هذه الأثناء؛ تستمر مظاهر الفساد والانفلات الأمني في دمشق، حيث رفعت الفرقة الرابعة قيمة الإتاوات المفروضة على السيارات التي تفرّغ القمامة في منطقة مقلب سفح قاسيون، وأقامت حاجزاً على الطريق المؤدية إلى منطقة “الكسارات” في سفح الجبل، كما أبرمت عقوداً “سرية” مع “عصابات النبش” للعمل داخل نقطة تجميع القمامة، للبحث عن البلاستك والمواد الممكن إعادة تدويرها، لافتاً إلى أن العاملين في هذا المجال “النباشين” ينقلون المواد بعد تجميعها إلى معامل في منطقتي صحنايا والكسوة بريف دمشق.
أما في الجنوب؛ فقد ارتفعت وتيرة الاغتيالات بمحافظة درعا، والتي شهدت تغيراً نوعياً في أهداف الاغتيالات، فبعد أن كانت تستهدف عَرّابي المصالحات والوجوه المحسوبة على النظام وقادة الفصائل، بدأت تستهدف عمليات التصفية رؤساء المجالس المحلية ، حيث بلغ عدد القتلى في الحملة الأخيرة نحو 16 شخصاً، جميعهم من المسؤولين في حكومة النظام والعاملين في درعا، منهم: رئيس المجلس البلدي في مدينة الصنمين المهندس محمود المحمد العتمة، الذي قتل إثر إطلاق النار عليه من قبل مسلحين مجهولين، وكذلك رئيس مجلس بلدة مدينة جاسم، تيسير حمدي العقلة، الذي لقي مصرعه إثر استهدافه بوابل من الرصاص.
وتسببت عمليات التصفية الأخيرة بحالة من الذعر لدى غالبية رؤساء البلديات في المحافظة، حيث تأتي بالتزامن مع تنامي السخط الشعبي ضد المسؤولين التابعين للنظام نتيجة تضييقهم على الأهالي، وفشلهم في تأمين الخدمات الضرورية، كتوفير مياه الشرب، والمحروقات، والنظافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى