حقوق وحريات

الدول إلاسكندنافية “باي باي”

معاذ عبدالرحمن الدرويش

كاتب و مدون سوري
عرض مقالات الكاتب

الدول الإسكندنافية “باي باي”

يقول الله في كتابه العزيز” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ”
قدمت الشعوب الأوربية عشرات وربما مئات الملايين من القتلى في الحربين العالميتين الأولى و الثانية، وقطفت الشعوب الأوربية اللاحقة ثمار تلك الدماء، فعاشت حياة رغيدة أشبه بقصص وروايات الخيال، ولعل شعوب الدول الإسكندنافية كانوا الأكثر رغداً ورفاهية من بقية أقرانهم من الشعوب الأوربية وغيرها.
وهذه الدول كان جل اهتمامها بالحريات الفردية والرفاهية لشعوبها، ونأت بنفسها عن الصراعات السياسية والعسكرية وغيرها، واكتفت بالانضمام للاتحاد الأوروبي، والذي بالأساس كان إطاراً اقتصادياً وسياسياً، ولم يكن له أي إطار عسكري جامع، وربما هذا كان خطأ تاريخياً ارتكبته الدول الأوربية بحق نفسها.
تقع الدول الإسكندنافية في شمال القارة الأوربية، وهي: السويد و الدانمارك والنروج وفنلندا وايسلندا..و..

لكن سبحان الله من كان يتوقع أن يقوم بوتين بتلك المغامرة أو بتعبير أصح المقامرة، والتي غيّرت وستغيّر من الخارطة السياسية للعالم أجمع، فالعالم قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا ليس كما بعده، فأوروبا الغافية أفاقت من نومها ليس على كابوس، وإنما على سكين حقيقي فوق رقبتها.
أوروبا الغارقة بأوهام الحريات والديمقراطيات، أدركت اليوم أن الحرية والديمقراطية ثمنها رصاصة واحدة فقط، فالحرية والديمقراطية بدون سلاح يحميها ستذهب هي وأهلها.

و أدركت أوروبا اليوم مقولة: “الويل لأمة تأكل مما لا تزرع و تلبس مما لا تصنع”..

نعم أوروبا تملك ماكينة للزراعة والصناعة لكنها تفتقر إلى الوقود الذي يشغلها.
ولولا الوقود الروسي و الذي يشكل حوالي 50% من احتياجات القارة الأوربية، لكان موقف الأوربيين مختلف تماماً، لكان أكثر صرامة وأكثر حدة من الموقف الحالي باتجاه العدوان الروسي على أوكرانيا.
فالعالم ما بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا ليس كما قبله، وستشهد أوروبا تحولات كبيرة في بنيتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، فأوروربا ستكون أولى اهتمامها تطوير الصناعات الحربية لكي تحمي نفسها، وستعمل جاهدة على خلق مصادر جديدة للطاقة سواء بالطاقة البديلة، أو حتى مبدئياً بفتح خطوط عديدة للاستيراد الخارجي.
و أوروبا أدركت أن عدوها الأول ليس الإيديولوجية المسلمة وإنما أقرانها من الروس والأمريكيين وربما غيرهم.
و أعتقد من هذا الباب فإن الأوربيين لن يسمحوا لإيران بامتلاك السلاح النووي، وهم كانوا بالسابق متهاونين كثيراً بهذا الأمر، إذا لم يكونوا مساعدين ومساهمين في ذلك.
فالدرس الروسي الذي تلقنوه سيجعلهم يعيدون تفكيرهم أن صديق اليوم هو عدو الغد، وبالتالي فإن الدول الأوربية عموماً والإسكندنافية، خصوصاً لن تكون كما كانت من قبل أبداً.
وستشهد تحولات كبيرة في داخلها السياسي والعسكري والاقتصادي وحتى الاجتماعي، ومن هذا الباب وجدنا كيف أن السويد وفنلندا تطرقان باب حلف الناتو لكي تحمي نفسها مبدئياً، و هذه أولى خطوات التغيير المنتظر.
فالدول الإسكندنافية قد تبقى كدول في هيكلتها الحالية، لكن ذلك الفكر الرومانسي في إدارة الدول لن يبقى أبداً، و هذا ما يؤكد مكنون الآية الكريمة التي ذكرت بالمقدمة.
فالحفاظ على الحياة و صون الحقوق والمحرمات لا يتم من خلال الرومانسية والحرية و الديمقراطية، وإنما من خلال القوة و الإستعداد الدائم.
لأن الظلم قائم وموجود في كل مكان وكل زمان، ولا يردع الظلم إلا القوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى