مقالات

العفو بين كلّاس وطحّان

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب

العفو بين كلّاس وطحّان


ردّاً على الدجّال فيصل المقداد وزير خارجية النظام السوري الذي يروِّج للخديعة الكبرى المُسماة ” قانون العفو”، الذي لا يمكن لأي رجل قانون أن يقبل تمرير أي مقاربة إلى تكريس هذه الخديعة والمكيدة التي ستدفع الكثير منّا للوقوع في براثن هؤلاء الوحوش.
فهذا القانون هو طبق الأصل عن قوانين العفو السابقة التي أصدرها النظام المجرم؛ تشمل نفس الجرائم، وتستثني نفس الجرائم وقد جاء القانون على عجلٍ من النظام لتلافي آثار الفضيحة التي تسببت بها صحيفة الغارديان، إثر نشرها تفاصيل مجزرة حي التضامن الوحشية، وما يدل على ذلك صدوره بألفاظ عمومية دون تفصيل الجرائم والمواد القانونية على غير العادة في قوانين العفو، حتى أن محاكم الإرهاب فؤجئت بصدوره و لم تعرف كيفية تطبيقه بدليل أعداد المُفرج عنهم القليلة خلال الـ” 19″ يوماً الماضية.
ومن مخاطره أن محكمة الإرهاب لا تتقيد المحكمة بالأصول المنصوص عليها في التشريعات النافذة وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والمحاكمة، الأمر الذي يتيح لقضاتها وأجهزة المخابرات التلاعب بملفات المعتقلين عبر تغيير الوصف القانوني أو المادة القانونية، وهذا ما أكده وزير العدل عند تبريره تأخر الإفراج عن المعتقلين، وقلة عددهم بسبب الطعن بقرارات تخلية السبيل مما أوقف عملية الإفراج عنهم.
الجرائم الإرهابية في القانون العقوبات العام المواد ” 304 إلى 306 ” تم إلغائها بنص من قانون الإرهاب وأحال القضايا المنظورة أمام المحاكم العادية إلى محاكم الإرهاب ورغم ذلك ضمّنها قانون العفو. وهذا يعني أن المعتقلين الذين تمت ملاحقتهم وفق هذه المواد وهم المعتقلين منذ بداية الثورة حتى تاريخ نفاذ قانون الإرهاب رقم ” 19 ” أي حتى تاريخ / 2 / 7 /2012 والذين صدرت بحقهم أحكام قطعية مبرمة بالإعدام لن يشملهم العفو وغالباً هذه الأحكام كانت تصدر عن محاكم الميدان العسكري والمحاكم العسكرية التي كانت تحاكم كثير من المعتقلين على خلفية الثورة بجرائم سياسية وأخرى جرائم أمن الدولة وأخرى بجرائم عسكرية.
القانون جاء ليشمل مواد محدّدة في قانون واحد فقط وهو القانون ” 19 ” دون غيرها من القوانين وبالتالي عدم شمول جرائم أن الدولة أو الجرائم السياسية أو الجرائم العادية التي غالباً ما يتم لإضافتها الى جرائم الإرهاب وبالتالي بقاء الكثير من المعتقلين على خلفية هذه الجرائم في السجون، وبقاء اغلب السوريين عرضة للاعتقال.
يمارس وزيري الخارجية والعدل وجوقتهما الخداع ونثر التطمينات للمطلوبين كطعمٍ للإيقاع بهم ومنها رسائل وزير الخارجية الى الدول والأمم المتحدة الذي يُصوِّر العفو على أنه مصالحة وطنية شاملة، والبيان الإعلامي لوزير العدل ً الذي يتضمن ” إلغاء ” كافة إذاعات البحث ومذكرات التوقيف ودعوات الحضور، حيث أن إذاعة البحث – مذكرات التوقيف – طلبات المراجعة “.
كما أن الاستثناء الوارد في آخر سطر من البيان “….. مالم يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى”. يعني ومع – غياب مهلة زمنية مدّدة للمطلوبين لتسليم أنفسهم للسلطات – أن حالة الاستمرار الجرمية تبقى قائمة من اللحظة التالية لتاريخ نفاذ القانون رقم ” 7 ” أي من يوم /30/04/20200/، الأمر الذي يحجب عنهم الاستفادة من شمول القانون في حال ثبوت ارتباطهم بتلك المنظمات أو الدول ولكون هذه العلاقة من الجرائم المستمِرّة كما يعتبرها النظام، الأمر الذي يستدعي عدم تشميل صاحبه بالقانون ويفتح الباب على توقيفه ومحاكمته.
إن الغموض المُتعمّد وتجنّب الجهات القضائية تحديد ألية التحقق من إنهاء العلاقة بالمنظمات أو الدول، وإطلاق التصريحات و البيان، والقوانين و البلاغات بصيغة التعميم في الوقت التي يجب تخصيصها تجعل العلاقة مع أي دولة من الدول أو مع أي منظمة من المنظمات جريمة تستدعي الملاحقة و التوقيف و المحاكمة و بالتالي عدم شول صاحبها بالقانون ” 7″، التي قد تكون عضوية مجلس محلي أو مجلس محافظة أو منظمة الدفاع المدني أو المنظمات الإغاثية أو المنظمة الحقوقية أو إعلامية أو عضوية ضمن كادر مشفى أو مستوصف أو حتى إمام جامع في المناطق المحررة، أو عضوية مجلس جالية أو إدارة منظمة أو حزب، أو موقع أو صحيفة أو قناة إعلامية مرخصة خارج سورية.
كما أنه من المعلوم للجميع بأنه ليس لأي سلطة قضائية سواءً كانت مدنية أو عسكرية على أجهزة المخابرات وفق نصوص قانون العقوبات العسكري وقانون حصانة العاملين في إدارة أمن الدولة، وطالما أن هناك مذكرات متشابهة بالاسم ولكنها مختلفة من حيث ولاية سلطة إصدارها ومنها ” إذاعات البحث – و الإحضار- ودعوة الحضور أو المراجعة ” فهي موجودة في إجراءات الأجهزة الأمنية على مختلف مرجعياتها وتختلف اختلافا جوهريا عن تلك المذكرات التي تصدر عن النيابة العامة في مراحل التحقيق الابتدائي أو في حالات الجرم المشهود، فالأولى إجراءً أمنيّاً بحتاً، و الثانية إجراءً قضائيّاً ليس لوزير العدل صلاحية استردادها تبعية القضاء تنفيذياً له حتى يكون له صلاحية استرداد المذكرات الصادرة عن أجهزة المخابرات و رغم تبعيّتها تنفيذياُ الى وزارة الدفاع فإن قرار استردادها منوط بمدراء المخابرات و ورؤساء الشعب الأمنية، و بحسب مبدأ توزيع السلطات يُمنع على وزير العدل التدخل بأعمال الجيش و القوات و المسلحة و أجهزة المخابرات والأمن لأنها من أعمال سلطة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية.
كما يدّعي النظام كذِباً بأن المرسوم سيُسقِط العقوبة بشكل كامل عن أصحابها دون الحاجة لمراجعة أية جهة رسمية، فقد اشترطت سفارة النظام السوري في لبنان على كل سوري غادر القطر بصورة غير مشروعة إجراء عملية التسوية الأمنية، حتى يتمكن من العودة الى سورية، وهذا الشرط يفضح كذب وزير العدل ورئيس محكمة الإرهاب حينما صرّحا بأن العفو يُسقط التُهَم عن المطلوبين سواء داخل البلاد أو خارجها دون العودة أو مراجعة أي جهة رسمية.
أما عن أعداد المُفرَج عنهم والذين بلغ عددهم حوالي ” 450″ شخص وهم من معتقلي التسويات الذين تتراوح مدة اعتقالهم من شهر إلى” 5 ” سنوات. حسب الشبكة السورية لحقوق الأنسان وبحسب توثيقات الشبكة فإن عدد المعتقلين تعسّفيّاً، والمختفين قسريّاً الموثق هو ” 130758 ” شخصاً منذ” آذار 2011 “حتى ” آب” 2020، وعدد المعتقلين تعسفيّا ” 46387 ” معتقل تعسّفيّاً، أًحيل منهم ” 10767 ” معتقل من وبلغ عدد المحكومين ” 3064 ” منهم ” 36 ” حكموا بالإعدام، والمحكومين بعقوبات السجن” 3028 ” مما يعني أن المحكومين بالإعدام مُستثنون من تطبيق القانون” 7 ” كون أحكام الإعدام المنصوص عنها في قانون الإرهاب تتعلق بالجرائم الإرهابية التي أدت إلى موت شخص.
كما رصدنا من مصادر أخرى أن عدد المعتقلين من غير السوريين يقدّر بـ ” 500 ” معتقل وبلغ عدد ملفات دعاويهم حوالي” 350 ” قضية وكونهم غير سوريين ” لن يشملهم القانون ” مهما كانت جرائهم لأن القانون شمل السوريين فقط.
مما يقتضي الإفراج الفوري دون قيد أو شرط عن ” 3028 “محكوم وحيث أنه لم يُفرج عن أيً منهم الأمر الذي يؤكّد كذب النظام وحقيقة عفوه الزائف.
والدليل الآخر على كذِب هذا النظام هو قرارات نهب مواسمنا من الفستق الحلبي في ريفي حماه وإدلب حيث أصدرت منذ أيام اللجان الأمنية تعليماتها ” لعلي بابا ” والأربعين ألف حرامي قوائم اسمية بالأراضي وأصحابها، وحجتهم بذلك بأننا إرهابيين، فلو كنّا إرهابيين حقّاً فالمفروض أن يشملنا العفو وعدم تعرّضهم لمواسمنا وأراضينا، وإنّ كنّا لسنا إرهابيين وأبرياء فهم حرامية لأنهم يسرقون مالا مُحرزاَ.
لذلك فإن رسائل وزير خارجية ووزير عدل النظام ماهي إلا رسائل خبيثة تُشبه فيروس الكورولا الخبيث الذي يشبه تركيبه تركيبتهم الفكرية والأخلاقية حيث لا صدق ولا أمان ولا عهد لهم، فهم يهدفون أولاً وأخير الترويج للبيئة الآمنة ” المصيّدة ” في محاولة لإقناع المجتمع الدولي بفتح باب إعادة اللاجئين، كما أنها رسالة للمبعوث الدولي بيدرسون والسيد هادي البحرة تُعبّر عن بوادر حسن النيّة التي يطالبه بها المجتمع الدولي في مفاوضات اللجنة الدستورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى