العراق يودّع “مظفّر النواب” آخر عمالقة الشعر العربي
باسل المحمد – مدير الأخبار
عن عمر يناهز 88 عاماً توفي اليوم شاعر العراق الكبير مظفر النواب بعد صراع مع المرض، عائلة الشاعر قالت إن النواب توفي في مشفى الجامعة بإمارة الشارقة، اليوم الجمعة 20 أيار.
من ناحيتها أكدت وكالة أنباء العراق (واع) الخبر على لسان مدير عام دائرة الشؤون الثقافية عارف الساعدي.
حياته:
ولد مظفر النواب عام 1934 في جانب الكرخ من العاصمة بغداد، عائلته شيعية هاجرت إلى الهند زمن الحكم العثماني، قبل أن تعود إلى العراق ثانية، وهو أحد أفراد عائلة ذات خلفية أدبية تنتمي إلى البيت الهاشمي، كما كان جدّه شاعرًا بالعربية الفصحى واللغة الفارسية أيضًا.
نشأ في بغداد وبها درس في جامعة بغداد وانخرط بعد سنوات في العمل السياسي وانتمى وفقا لمعاصريه إلى الحزب الشيوعي العراقي..
غادر العراق عام 1963 بعد المضايقات التي فرضها القوميون على الشيوعيين والنواب واحد منهم، قبل أن يعاد إلى العراق قسرا من قبل “السلطات الإيرانية التي اعتقلته” وهو في طريقه إلى روسيا ويودع في سجن “نقرة سلمان” الشهير جنوبي العراق.
تمكن الهرب من السجن عبر حفر نفق فيه وبقي متواريا عن الأنظار حتى عام 1969 عندما أصدر عفوا عن المعارضين وعاد إلى وظيفته في وزارة التربية العراقية بعد تخرجه من جامعة بغداد، وبعدها غادر العراق متنقلًا بين بلاد وعواصم عدة، مثل سوريا ولبنان ومصر والجزائر والسودان وسلطنة عمان وإرتيريا.
في عام 2011 عاد إلى العراق بعد فراق أكثر من 40 عاما واستقبله بشكل رسمي الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني المعروف بعلاقاته مع الشعراء قبل أن يعود ويغادره وبقي طيلة أكثر من عقد يعاني من مرض عضال.
النواب شاعر ثوري:
يلقّب النوّاب بالشاعر الثوري، لاتساع رقعة المواضيع والأفكار التي يتناولها بالتمكن ذاته في الفصحى والمحكية العراقية، كما أقام من العداوات مع الأنظمة العربية الدكتاتورية الشمولية أضعاف ما كان له من صداقات،
النواب كان منحازاً كليًا لقضايا ونبض الإنسان العربي، وذو موقف هجومي تجاه جواسيس السلطة وعسسها ومخابراتها، وما يراه تواطؤًا عربيًا تجاه قضايا محورية تشكّل هاجس المواطن العربي، كالقضية الفلسطينية، التي ترجم غضبه وحزنه ومشاعره المختلطة عليها بإلقاء اللوم على “أبناء القحبة”، في إشارة إلى الحكام العرب الذين اتخذوا موقف المتفرج من قضية لا تزال معاصرة بعد مرور أكثر من 70 عامًا على تدشينها.
أبداعات النواب الشعرية:
للشاعر قصائد كثيرة وجدت طريقها إلى الموسيقا فتحولت إلى أغنيات كل ما فيها يؤكد عراقيتها، لا بالصوت الشجي فقط، بل وبالكلمة التي ترسخ الحزن كتفصيل لا تكتمل صورة الأغنية أو القصيدة أو الحياة دونه.
وينسجم الشاعر العراقي مظفر النوّاب مع حالة الحزن الطاغية على المنتج الثقافي والإبداعي في بلاده، ويتجلى ذلك بوضوح في مطلع إحدى قصائده التي يقول فيها، “الحزن جميل جدًا، والليل عديم الطعم بدون هموم”
وغنى له كبار المطربين العراقيين، مثل إلهام مدفعي، وياس خضر الذي غنّى له “مرينا بيكم حمد”، وهي قصيدة أطول مما غنّي منها، كتبها النوّاب على مدار سنوات، لتحاكي قصة امرأة ضنّت عائلتها عليها بزواجها من ابن عمها الذي تحب.
كما تعتبر الملحمة الشعرية “وتريات ليلية” التي كُتبت على مدار ثلاث سنوات بين عامي 1972 و1975، بصمة شعرية خاصة في أرشيف النوّاب، عبّر خلالها عن قربه من الشارع العربي وملامسته قضاياه بلغة رفيعة تنم عن احترام لمعاناة القارئ، مقدار ما فيها من احتقار لصانعي تلك المعاناة.
قصيدة “جرح صويحب”
من أجمل القصائد التي خطها الشاعر مظفر النواب كانت القصيدة التي حملت عنوان “جرح صويحب”،
و”صويحب” هذا فلاح ومناضل عراقي ضد الإقطاع، أتوا به ذات يوم وقد قتلته عصابة الإقطاعيين، ورموه على باب بيته مضرجاً بدمه، هنا تحضر نساء القرية و يبدأ البكاء والزغاريد على روح الشهيد، في هذا الوقت تتدخل زوجته بكل فخر واعتزاز وتقول للنساء ألا يبكين فوق جثة “صويحب”، كي لا يختلط الدمع الممزوج بالكحل مع الدم.
القصيدة من ديوان “شعر الريل وحمد”، وهي باللهجة العراقية، يقول فيها النواب على لسان زوجة صويحب:
ميلن
.. لا تنكطن كحل
فوك الدم
ميلن
وردة الخزامه تنكط سم
جرح صويحب
بعطابه
ما يلتم
لا تفرح أبدمنه ..لا يالكطاعي
صويحب من يموت .. المنجل يداعي
.. حـــــاه
شوسع جرحك
ما يسده الثار
.. يصويحب
وحك الـــدم
ودمك حار
من بعدك
مناجل غيظ أيحصدن نار
واليوم يرحل شاعر العراق الكبير تاركاً العراق، ليس بأفضل حالاً من أيام الإقطاعي، يتركه بلداً ضعيفاً فقيراً تتناهشه ذئاب إيران، وتتحكم فيه الميلشيات الطائفية، التي تحاول بكل ما تملك لجعل العراق العظيم، الذي أنجب العظماء بلداً ذليلاً ضعيفاً تابعاً لملالي قم وطهران.
